للمرة الثانية تتعرض لوحة "زهرة الخشخاش"، رائعة الفنان الهولندي العالمي فان جوخ للسرقة، بعدما تم قطعها بآلة حادة من بروازها بمتحف محمود خليل وحرمه، ورغم الإعلان السريع من الجهات المسئولة في غضون ساعات من السرقة عن استعادة اللوحة، بعد العثور عليها مع شاب إيطالي في مطار القاهرة، نفي وزير الثقافة أن يكون تم العثور علي اللوحة، مؤكدا أن المعلومات التي قدمها له رئيس قطاع الفنون التشكيلية، الفنان محسن شعلان في اتصال تليفوني، والخاصة بالعثور عليها غير دقيقة، وما بين هذا التضارب في التصريحات يكمن السؤال الأساسي الذي لا يزال ينتظر إجابة سريعة: أين ذهبت اللوحة؟ "روزاليوسف" التقت عددا من المسئولين السابقين والحاليين عن المتحف والفنانين التشكيليين، للتعبير عن رأيهم فيما حدث من واقعة سرقة ومن تضارب في التصريحات. رفض الفنان الدكتور شوقي معروف رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض التعليق علي واقعة السرقة، إلا بعد انتهاء التحقيقات، في حين قال الفنان الدكتور صلاح المليجي، رئيس الإدارة المركزية للمعارض والمتاحف سابقا : أرسلت سابقا أكثر من تقرير إلي مكتب الوزير وإلي فاروق عبد السلام، بوجود أجهزة ناقصة في المتحف تحتاج للتطوير، وأوضحت أن أجهزة الإنذار والمراقبة لا تعمل، وطالبت باكتمال هذا التطوير في أقرب وقت ممكن، حتي نتجنب حدوث حرائق أو سرقات، كما اقترحت شراء أجهزة إنذار ومراقبة جديدة، باعتبارها أولي وأهم من مكافآت الموظفين في القطاع، أو الاحتفالات والمهرجانات التي تقيمها الوزارة، وعلي الرغم من أن البدء في التطوير كان منذ وجودي بالقطاع كرئيس للإدارة المركزية للمتاحف والمعارض، فإنهم لم ينتهوا منه بعد، فلماذا يستغرق التطوير كل هذه الفترة الزمنية التي تزيد علي ثلاث سنوات؟، كما أنني أعرف أن الدكتور شوقي معروف قد أرسل أكثر من تقرير بذلك أيضا. دكتور مصطفي عطية الأستاذ بكلية الآثار قسم الترميم، والمسئول عن معمل "كشف تزوير اللوحات الزيتية"، والذي يقوم بتدريس لوحة "الخشخاش" كمنهج منفصل بالكلية، بالإضافة لتدريس الإجراءات الأمنية وتنسيق الأعمال في المتاحف قال: لوحة "زهرة الخشاش" لفان جوخ، التي سرقت للمرة الثانية قدر ثمنها اليوم وهي مسروقة ب55 مليون دولار، وزارة الثقافة ترفض منذ السرقة الأولي أن نقوم بعمل دراسة عليها للتأكد من أصالتها، أو إثبات العكس، حتي ننتهي من هذا الشك في أصالتها الذي لايزال قائما، وقد كتب يوسف إدريس علي صفحات جريدة الأهرام بتاريخ 10 أغسطس 1988، أن اللوحة العائدة من السرقة الأولي غير أصلية، وأن الأصلية ربما تكون قد بيعت في أحد أكبر صالات المزادات بلندن، وقدرت وقتها بمبلغ 43 مليون دولار، فقد تعرضت اللوحة لسرقة في عام 1978 في جريمة غامضة، وأعيدت بعدها بقليل إلي المتحف بطريقة أكثر غموضاً، ورجح المسئولون وقتها أنه ربما تكون السرقة الأولي لغرض التزوير. وأضاف: قد أرسلت طلابا من الدارسين في معمل كشف التزوير بالكلية، لزيارة متحف محمود خليل لعمل أبحاث عن توفير الحماية لمتاحفنا وكتابة تقريرعن زيارتهم بتاريخ 29 أغسطس2008، فوجئت أن الطلاب استطاعوا إمساك اللوحات بأيدهم وبسهولة جدا، ولم يحدث أي صوت إنذار أو تنبيه، ولدي تسجيل بصوت حركة تحرك علي الحائط، صورها الطلاب بكاميرات، بالإضافة إلي مجموعة صور للوحات بعد تحركها ومسجل عليها تاريخ الواقعة، مع أن هذا المتحف يعتبر الوحيد في مصر الذي به أجهزة للمراقبة والحماية علي درجة عالية وتقنية، بلغت المسئولين ورئيس القطاع بمخاطبات رسمية عن التقصير في الأمن في المتحف منذ عام 2008. الفنان عز الدين نجيب أكد أن المتحف بعد افتتاحه عام 1992 كان علي درجة عالية من أجهزة أمن وتصوير وكاميرات، وبعدها توقف التعامل المباشر بين المتحف ووزارة الداخلية والمتابعة عبر الأجهزة الإلكترونية بما جعل هذة الحادثة والسرقة كشفا قويا عن مدي غياب المسئولين، وهنا تقع المسئولية علي رئيس قطاع الفنون التشكيلية، وأطالب بمحاكمته لتفريطه في ثروة غالية، وإهماله كفاحنا في الحفاظ عليها. وأكمل: رئيس القطاع أعلن في التليفزيون المصري في برنامج "مصر النهاردة" علي الهواء مباشرة أن اللوحة سافرت كثيرا وعرضت في عدة متاحف، وقد تم عرضها من ثلاثة شهور في إيطاليا ضمن معرض عن أعمال فان جوخ، هذه المعلومة التي أعلنها غاية في الأهمية والخطورة، وتدل علي أنها ليست هذه المرة الأولي التي تسافر فيها اللوحة، وهو ما يعني أن اللصوص ربما خططوا لسرقة اللوحة، وهي في إيطاليا منذ ثلاثة شهور. وأضاف: السارق يعلم أن جميع أجهزة الإنذار والمراقبة في المتحف معطلة تماماً منذ سنوات، فكيف يحدث ذلك في حين أن صندوق التنمية الثقافية يدفع مليون جنيه سنويا لشركات الأمن وأعمال صيانة المتاحف الفنية. وتساءل نجيب: لماذا لم يصدر من وزارة الثقافة عام 1978 بيان رسمي بأن اللوحة التي عادت بعد سرقتها المرة الاولي أصلية، رغم أنها عرضت علي خبراء فرنسا كما علمنا ولكن لا أحد يخبرنا بالتقرير أو يعلن عنه. كان محمود صلاح، رئيس تحرير جريدة "أخبار الحوادث" هو من بحث عن أسرار السرقة الأولي، وكشف أسرارها وتعامل مع السارق عن قرب، وفي مقارنته بين واقعتي السرقة قال صلاح: القصة القديمة للسرقة تختلف كثيرا أولها أن السارق هذه المرة مجهول، أما في المرة الأولي فقد دخلت أنا بنفسي المتحف عام 1978 من شباك، وحاولت تقليد أي سارق، وبالفعل أمسكت اللوحات ولم يتم إطلاق أي إنذار، وكانت كل الأجهزة معطلة، ولم يتعرض لي شخصيا أي فرد من أفراد الأمن، وهذا كان من أهم الأسباب في السرقة الأولي، أي عدم وجود أجهزة إنذار وحدوث تقصير أمني، ثم استجابت وزارة الثقافة بعد السرقة الأولي، وكثفت الاهتمام بهذا المتحف وكل المتاحف وزودتها بأجهزة إنذار قوية. وأكمل: أما السارق فقد عرفته معرفة شخصية في بداية الثمانينيات كان لصًا مشهورًا في عالم السرقة ماهرًا جدا وخفيف الحركة ويرتدي دائماً حذاء البالية أثناء السرقة هو حسن العسال، أما حادث السرقة الثانية فالسارق مجهول، ولم يكن ليسرقها إلا مع تأكده من أن جميع الأجهزة معطلة، وهذه المعلومة لا يعلمها إلا من يتعامل مع المتحف بشكل معتاد وربما يومي، وقد اختار وقت الظهيرة ورمضان وحدوث حالة من الهدوء العام في معظم المكان، مع عدم وجود زوار للمتاحف، ونجح في الحصول عليها وقطعها ب"كتر"، وأخذ من الوقت ما يكفيه لكي يحصل عليها كاملة.