بدء الدراسة في درجة البكالوريوس لكلية العلوم والتكنولوجيا بجامعة أسيوط الأهلية    تعرف على تكليفات الرئيس السيسي للحكومة الجديدة    هاني عنتر: إدارة تعليم بني سويف أول الإعدادية بنسبة نجاح 85.81%    بالأسماء، أوائل نتيجة الشهادة الإعدادية ببني سويف    الأمن القومي والاقتصاد وبناء الإنسان.. السيسي يضع خارطة طريق لتشكيل حكومة مدبولي الثالثة    «ابتعدوا عن الميكروفون».. رئيس «النواب» يطالب الأعضاء باستخدام أجهزة القاعة بشكل صحيح    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي داخل المحكمة بعد تأييد حبسه    مجلس النواب يوافق على الموازنة العامة للدولة للعام المالى الجديد    وزارة الزراعة تعلن الطوارئ لاستقبال عيد الأضحى    رئيس «شباب النواب»: الموازنة تأتي في ظروف صعبة ولابد من إصلاح التشوهات وأوجه الخلل    «الإسكان»: 220 ألف مواطن تقدم للحصول على شقق «الاجتماعي»    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات اليوم الإثنين    محافظ المنيا: توريد 346 ألف طن قمح منذ بدء الموسم    السكة الحديد تُطلق خدمات جديدة لركاب القطارات.. تعرف عليها    السيسي يوجه مدبولي بتشكيل حكومة جديدة من ذوي الكفاءات والخبرات والقدرات المتميزة    شكري: الممارسات الإسرائيلية تفتقر إلى الالتزام بقواعد القانون الدولي    سلطنة عُمان: ندين تصنيف الأونروا منظمة إرهابية    الخارجية الصينية: من الصعب على بكين المشاركة في قمة سويسرا بشأن أوكرانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 12 شخصا    أفشة: الجلوس على الدكة يحزنني.. وأبو علي هيكسر الدنيا مع الأهلي    هل تلقى الزمالك خطابا بموعد ومكان مباراة السوبر الأفريقي؟    "مش عايزه".. مدرب ليفربول الجديد يصدم صلاح    بالأسماء.. شوبير يكشف كل الصفقات على رادار الأهلي هذا الصيف    رئيس الإدارة المركزية للمنطقة الأزهرية تتابع امتحانات القرآن الكريم في الإسكندرية    المستندات المطلوبة للتقديم في وظائف المعلمين بالمدارس اليابانية.. اعرف الشروط    رئيس بعثة الحج الرسمية: استقرار الحالة الصحية لزوار بيت الله الحرام دون ظهور أمراض وبائية    السكة الحديد تعلن إجراء تعديلات على تركيب بعض القطارات بالوجه البحري    انهيار منزل ونشوب حريق في حادثين متفرقين دون إصابات بقنا    محافظ المنوفية: تحرير 94 محضر انتاج خبز غير مطابق للمواصفات لمخابز بلدية    تخرج دفعة جديدة من ورشة الدراسات السينمائية بقصر السينما    28 يونيو الجاري .. جورج وسوف يقدم حفله الغنائي في دبي    فيديو.. «العيال فهمت» على مسرح ميامي بعيد الأضحى المبارك    اتفاق تعاون بين الجامعة الفرنسية وباريس 1 بانتيون سوربون لإطلاق برامج جديدة في مجال السياحة    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    5 خدمات تقدمها عيادة أبحاث الألم بالمركز القومي للبحوث، اعرف المواعيد    «صيادلة الإسكندرية» تطلق 5 قوافل طبية وتوزع الدواء مجانا    التشكيل المتوقع لودية ألمانيا وأوكرانيا ضمن استعدادات يورو 2024    الموسم الثاني من سلسلة "الأعيان" على شاشة الوثائقية قريبًا    لماذا رفض الروائى العالمى ماركيز تقديم انتوني كوين لشخصية الكولونيل أورليانو في رواية "100 عام من العزلة"؟ اعرف القصة    الطيران الإسرائيلي يغير على أطراف بلدة حانين ومرتفع كسارة العروش في جبل الريحان    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    محافظ القاهرة: 1.5 مليار جنيه لرفع كفاءة الخدمات المقدمة إلى المواطنين    "ما حدث مصيبة".. تعليق ناري من ميدو على استدعائه للتحقيق لهذا السبب    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    باحثة ل"إكسترا نيوز": مصر لديها موقف صارم تجاه مخططات إسرائيل ضد غزة    هل يجوز ذبح الأضحية ثاني يوم العيد؟.. «الإفتاء» توضح المواقيت الصحيحة    للتدخلات الجراحية العاجلة.. كيف تستفيد من مبادرة إنهاء قوائم الانتظار؟    أول تعليق من التعليم على زيادة مصروفات المدارس الخاصة بنسبة 100 ٪    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    رسومات الأحياء المقررة على الصف الثالث الثانوي.. «راجع قبل الامتحان»    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    أفشة: ظُلمت بسبب هدفي في نهائي القرن.. و95% لا يفقهون ما يدور داخل الملعب    فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وفقا لما جاء في الكتاب والسنة النبوية    محمد الباز ل«بين السطور»: فكرة أن المعارض معه الحق في كل شيء «أمر خاطئ»    مقتل شخص وإصابة 24 فى إطلاق نار بولاية أوهايو الأمريكية    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصيف زمان

في جميع ألبومات الصور، في كل العائلات المتوسطة والثرية، ثمة مجموعة من الصور إلتقطتها كاميرا الأسرة أو كاميرا المصور المحترف للبلاج ولأفراد الأسرة بالمايوه ولشاطئ البحر في أقصي أوقات ازدحامه، عندما كان صفان أو ثلاثة من الشماسي يثيران استياءنا.
المصايف الشهيرة رأس البر والإسكندية، جمصة وبورسعيد، قبل أن يلتفت الناس لشواطئ البحر الأحمر ويتعاملون معها كمصيف بعد أن كانت بالنسبة للكثيرين مشتي. ألبوم صور عائلتي يضم صورا التقطها أبي لي في رأس البر ولم أكن قد بلغت عامي الأول.
تظهر فيها أمي بثوب قطني عاري الأكتاف وشعر كالحرير يتطاير مع الريح، وتظهر جدتي بثوب ينحسر عن ساقيها أسفل الركبة ورباط رأس من الشيفون الخفيف يكشف تحته عن شعر أسود تصففه علي شكل فستونات تحيط بالجبين والوجنتين، وتظهر فيها عماتي بأثواب نصف كم وديكولتيه بسيط يكشف عن أناقة السيدات ولا يلفت إليهن الأنظار.
تضع جدتي نظارة شمس مستديرة تغطي بالكاد عينيها وتمسك بعصا لها رأس من الفضة والأبنوس تتكيء عليها في مواجهة المصور وتبدو في مركز الصورة كأنها صاحبة البيت أو منظمة الرحلة. هي التي تدعو الأخوة والأخوات لرحلة الصيف وهي التي تحدد أفضل موعد لقضاء أسبوعين علي البحر.
وهي التي تختار الشاطئ كل عام، وترسل من يتفق مع أصحاب الشاليهات في رأس البر أو من يستأجر شقة تطل علي البحر في الإسكندرية، وتقاول من يأتي لها بسيارة أجرة كبيرة تحملها هي وخادمتها وبعض الأحفاد في اليوم المحدد للسفر فيما تلحق بها الآباء والأمهات كل في سيارته بصحبة خادمة صغيرة توكل إليها مهمة الجري وراء الأولاد علي الشاطئ وغسل المايوهات والفوط بعد العودة من البحر ومراقبة الطريق الرملية بين الشاليهات في المساء حتي لا يبتعد الأولاد كثيرا عن البيوت.
ذات مرة، كنا في رأس البر كعادتنا وكانت الأسر كلها مجتمعة في الشاليه الذي نسكن فيه مع جدتي.
لا أحد يفكر في الذهاب للبحر قبل الرابعة بعد الظهر في انتظار أن تنكسر الشمس ويخف الزحام والأولاد مستاءون ينتظرون بفارغ الصبر إشارة البدء في الاستعداد لرحلة الشاطئ التي كانت تطلقها جدتي بمجرد أن تغادر مجلسها الاستراتيجي في الفراندة. كنا ننصت للكبار وهم يتداولون فيما بينهم بشأن قضاء السهرة في منطقة الجربي أو الذهاب لمشاهدة فيلم سعاد حسني الأخير، خلي بالك من زوزو.
ونخرج من وقت لآخر لنعلب الكرة حول الشاليه أولادا وبنات لا تمنعني أمي عن اللعب طالما أني أرتدي الشورت مثلي مثلهم ثم نعود وننظر من فتحات الخوص المضفر في سور البلكونة للكرسي الذي تجلس عليه جدتي فنجدها مازالت في مكانها.
مر بجوار الشاليه صياد يحمل مشنة كيبرة من الخوص علي رأسه ونادي علي الجمبري بلحن وكلمات أغرت الجميع علي السكوت والإنصات له.
ولما تجاوز الفراندة كأنه لا يعبأ بنا، نادته أمي. غمزت لها عمتي وزوجة عمي بما يعني أنهما أيضا يرغبان في الشراء وهمهمت جدتي بكلمة أسكتتهما وهي تعدل وضع عصاها وتتكئ عليها في وضع التحفز.
اقترب الرجل من السلم ووقف ينتظر فدعته أمي للصعود إلي الشرفة. عندما وضع المشنة علي الأرض، كانت المرة الأولي في حياتي التي أري فيها جمبري صاحي!
بعد أخذ وردٍ واستفسار عن الثمن ومقارنته بسعر الجمبري في السوق اشترت أمي المشنة بالكامل، لها وللأخريات. ثم أعلنت أنها ستقضي بقية النهار في الشاليه لتنظيف الجمبري ووضعه في صندوق الثلج استعدادا للطهو غدا.
ذهب الأولاد مع الدادات إلي الشاطئ بصحبة جدتي، وبقيت مع أمي أتأمل كيف تخلص اللحم من قشر الجمبري الساكن والمتحرك بدربة وسرعة تحسد عليهما. بعد الانتهاء من التقشير كنت قد عرفت بما لا يقبل الشك أن هذا المشهد سيكون سببا في قطع علاقتي بالجمبري وبكل ما يسمي فاكهة البحر إلي الأبد.
صور الإسكندرية مختلفة. كأن رأس البر - مثلها مثل جمصة - قد احتفظت ببكارتها وبساطتها علي مر الأيام في ذاكرتي.
أما الإسكندرية فكانت أكثر تعقيداً. البحر هو البحر لكن النزهة الليلية في المعمورة فلا تشبه في شيء نزهاتنا في مدن صغيرة أخري. رحلات المعمورة ارتبطت بمرحلة مختلفة انتقلت فيها الزعامة من المصايف المعتادة في رأس البر وعلي شواطئ الإسكندرية القديمة إلي شاطئ المعمورة الأحدث عمراً.
بعد وفاة جدتي قررت أمي وخالاتي نقل نشاط المصيف للمعمورة، يذهبن إليها بصحبة الأولاد ويخلفن وراءهن الأزواج في القاهرة. نقضي شهرا في شقة كبيرة ونعود للقاهرة وقد صارت جلودنا القمحية أكثر دكنة وابتساماتنا أكثر بياضا.
في المعمورة كانت الملاهي أكبر والمحال أكثر تنوعا، والمقاهي تنتشر في كل مكان لبيع العصائر والآيس كريم والفطير بأنواعه المحشو والمملح والمرشوش بالسكر البودرة والعسل.
وكانت البنات أكثر تحررا والأولاد أكثر شقاوة والموسيقي التي تعلو هنا وهناك يختلط فيها صوت عبد الحليم حافظ بأغنيات الأبا وخوليو اجلسياس وبول أنكا والسهر يمتد لما بعد منتصف الليل.
وعندما نعود في الواحدة صباحا للشقة المطلة علي صف الشاليهات نشعر كأننا قضينا الليل كله في الخارج، وعندما نصحو في العاشرة صباحا نشعر كأننا قضينا النهار كله في النوم. صوري في ألبوم المعمورة كثيرة، تحت الشمسية بالمايوه أقرأ لغزا أو كتابا للشياطين ال13، ومن حولي إخوتي وأبناء خالاتي بمايوهات مضحكة، أمام باب العمارة أجلس علي مقدمة السيارة البيجو ستيشن التي اشتراها زوج خالتي بعد عودته من الجزائر.
في الفراندة المطلة علي حقل الجوافة الكبير في شقة استأجرناها علي أطراف المعمورة ذات صيف بعيد. صور مجتزأة من ماض يبدو أننا نبتعد عنه اليوم بسرعة الضوء ولا أعرف كيف ينسي الناس تاريخهم القريب بهذه السرعة وما الذي فسد منه ومن الذي أفسده علينا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.