كانت رواية " عودة الروح " التي صدرت عام 1933 للأديب المصري المبدع توفيق الحكيم واحدة من الأعمال الأدبية التي شكلت وجدان وفكر قادة يوليو 52 بحسب ما تناقل عنهم ، ربما لأنها كانت تشير إلي فكرة ظهور البطل المنتظر الذي سيحيي الأمة من رقادها، وقد صدّرها الكاتب بعبارة مأخوذة من كتاب الموتي "عندما يصير الزمن إلي خلود ، سوف نراك من جديد، لأنك صائر إلي هناك، حيث الكل في واحد "، والتي وافقت هوي شباب الثورة وهم يسعون لتأسيس المجتمع الأبوي ليصير الكل في واحد. وفي سبيل دمج المجتمع وإحكام السيطرة علي مقدراته تبنت جماعة يوليو نهج التأميم لتصير كل مدخلات الإنتاج بكل تنويعاتها المادية والفكرية والخدمية في يد الدولة، وهي تجربة آلت إلي الفشل بسبب وقوعها في براثن أنساق الدولاب الحكومي وتضادها مع طبيعة الحراك الاقتصادي الديناميكي في تلك المشروعات. وفي عام 1972 يعود توفيق الحكيم لينقلب علي الثورة فيصدر رواية جديدة "عودة الوعي" يهاجم فيها بضراوة جمال عبد الناصر يقول في تقديمها "هذه السطور ليست تاريخاً إنما هي مشاهد ومشاعر استرجعت من الذاكرة ولا تستند إلي أي مرجع آخر، للفترة ما بين هذين التاريخين من يوم الأربعاء 23 يوليو سنة 1952 إلي يوم الأحد 23 يوليو سنة 1972 "، واصفا هذه المرحلة بأنها كانت مرحلة عاش فيها الشعب المصري فاقداً الوعي، مرحلة لم تسمح بظهور رأي في العلن مخالف لرأي الزعيم المعبود. وأعلن في كتابه أنه أخطأ بمسيرته خلف الثورة بدون وعي قائلا: العجيب أن شخصا مثلي محسوب علي البلد هو من أهل الفكر قد أدركته الثورة وهو في كهولته يمكن أن ينساق أيضا خلف الحماس العاطفي، ولا يخطر لي أن أفكر في حقيقة هذه الصورة التي كانت تصنع لنا، كانت الثقة فيما يبدو قد شلت التفكير سحرونا ببريق آمال كنا نتطلع إليها من زمن بعيد، وأسكرونا بخمرة مكاسب وأمجاد، فسكرنا حتي غاب عنا الوعي. أن يري ذلك ويسمعه وأن لا يتأثر كثيرا بما رأي وسمع ويظل علي شعوره الطيب نحو عبد الناصر. أهو فقدان الوعي. أهي حالة غريبة من التخدير. وتنقلب مسيرة السياسة بعدها لتنحي باتجاه الانفتاح الاقتصادي، الذي أسماه الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين انفتاح السداح مداح، ثم يستقر مؤخراً في مربع الخصخصة وفقاً لمعطيات انقلابات العولمة، وهو بشكل من الأشكال انقلاب علي نسق التأميم. علي هامش التأميم وبعيداً عن القراءة الاقتصادية انزوي الأقباط في ركن قصي ، شأنهم شأن بقية الشعب، وصارت الكنيسة واحدة من مؤسسات الدولة وصارت المعبرة عن احتياجات الأقباط، في تأكيد علي النهج الأبوي، صادف الأمر وجود البابا كيرلس علي رأس الكنيسة، رجل تقليدي لا يحمل أي طموحات سياسية وليست له طموحات شخصية يفضل الصفوف الأخيرة وفقاً لمنظومة التكوين الرهباني التوحدي. وعلي هامش الانفتاح والخصخصة، كان هناك من يري أن تتخفف الدولة من عبء الأقباط ، في سياق التخفف من تركة الحكم الشمولي وسيطرة الدولة علي وسائل الانتاج، فأوكلت أمرهم إلي الكنيسة لتصبح الممثل لهم، جاء هذا في مناخ تحول دراماتيكي شهد المواجهة العاصفة بين السادات وبين حرس يوليو القديم، فكان أن تم احياء الخلايا الإسلامية السياسية الراديكالية النائمة، فوجد الأقباط أنفسهم محاصرين بين الإقصاء الذي تطور إلي الاختزال، وبين الاستهداف الارهابي لتلك الجماعات، فزاد التجاؤهم للكنيسة كحصن أخير لحماية الهوية وربما الوجود. صادف الأمر وجود البابا شنودة علي رأس الكنيسة ، والممثل لمدرسة مختلفة بخبرات نضالية ورؤية إصلاحية ثورية حفلت بها أوراق شبابه قبل رهبنته بل في ظني انها الدافع المحوري للرهبنة كمدخل قانوني لقيادة الكنيسة، وقد كان. وبين التأميم والخصخصة لم ينتبه أحد لحتمية عودة الأقباط إلي موقعهم الصحيح في الشارع السياسي والمجتمعي، وهو أمر يستوجب التعامل مع الكنيسة باعتبارها مؤسسة دينية وحسب لها دورها الروحي الرعوي وسحب الوكالة السياسية منها، ومكافحة كل اشكال التمييز ضد الأقباط في المجتمع والدواوين وفتح باب المشاركة الفاعلة لشباب الأقباط وتجريم استبعادهم بشكل مباشر أو غير مباشر، ودعم آليات الاندماج الوطني شعبياً وحزبياً، والتعامل بحزم مع القضايا المثارة خاصة فيما يتعلق بحكايات الأسلمة القصرية بإحالتها فوراً الي النائب العام محامي الشعب وكشف حقيقتها، وإحالة مرتكبيها ، وكذلك إحالة مدعيها ومختلقيها، الي محاكمة عاجلة في وضوح وشفافية وحسم تتجاوز التوازنات والمواءمات، وتقنين ضوابط بناء الكنائس والاحوال الشخصية والتعيينات الوظيفية علي أساس الكفاءة وتوفر المواصفات الموضوعية، في غير التفات لشعبوية ردود الأفعال. أما الأقباط فظني أنهم بحاجة الي عودة الروح وعودة الوعي معاً.