شكّل تنامي نفوذ التيارات الدينية في المنطقة ووصولها إلي الحكم تارة والي مراكز صنع القرار تارة اخري، في البلدان المتاخمة لمصر، تهديدا صريحا للمصالح والعلاقات المصرية بتلك الدول في ظل استهداف هذه الجماعات أو ممثليها الواضح للدور الاقليمي لمصر، ووصل الامر إلي حد اثارة القلاقل علي الحدود كما هو الحال في الشرق علي يد حركة حماس، ولأيضا في الجنوب من كوادر الحركة الإسلامية الحاكمة في السودان. يتضح ذلك في ابعاد الازمة المكتومة بين القاهرة والخرطوم مؤخرا التي ظهرت بعد تشكيل الحكومة الجديدة الشهر الماضي حيث صدر عنها اكثر من موقف ينتقد دور مصر في السودان انتهي إلي اثارة قضية حلايب علي الحدود بين البلدين والتهديد باللجوء إلي التحكيم الدولي. ظهرت المرجعية الدينية للحكومة السودانية الجديدة في ملف وزارة الخارجية حيث اسند الرئيس عمر البشير الوزارة إلي علي كرتي بعد أن كان "وزير دولة" بها و يطلق عليه "الإسلامي المتشدد" لخلفيته العسكرية داخل الحركة الإسلامية حيث كان قائداً لقوات الدفاع الشعبي في أثناء الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، واختار له المؤتمر الوطني الحاكم وزير دولة ينتمي لنفس مدرسة كرتي هو كمال حسن علي الذي كان مديرا لمكتب المؤتمر الوطني في القاهرة، كما ضم تشكيل الحكومة أيضا حاج ماجد سوار وزيرا للشباب والرياضة وهو من قادة "شباب المجاهدين" بجانب وجوه ذات خلفيات عسكرية وامنية بالمؤتمر الوطني . وأثارت سيطرة الإسلاميين المتشددين علي ملف الخارجية جدلا واسعا بالسودان وظهرت مخاوف لدي الاحزاب من الدور الذي قد يقوم به كرتي تجاه القضايا المعقدة التي تهدد استقرار الدولة مثل قضية دارفور والمحكمة الجنائية الدولية التي تطالب بتوقيف الرئيس البشير، فضلا عن استفتاء تقرير مصير الجنوب حيث تعترض حكومة الجنوب علي سياسات كرتي وتعتبرها ليست في صالحها. ظهرت اولي ازمات وزير الخارجية الاصولي بتصريحات مفاجئة ينتقد فيها دور مصر في السودان ووصفه بالضعيف بشكل اثار جدلا واسعا في البلدين، ورغم أن الخارجية السودانية أوضحت أن تصريحات كرتي تم تحريفها إعلاميا، فقد جاءت في وقت يجب أن يشهد مزيدا من التنسيق بين مصر والسودان لمواجهة عدة قضايا اقليمية مشتركة علي راسها ازمة دول حوض النيل ومساأة انفصال الجنوب وتداعياته. يعيد ذلك إلي الاذهان الخطر الذي مثله السودان في فترة حكم "الانقاذ الاولي" تحت سيطرة الاصولي حسن الترابي رئيس حزب المؤتمر الشعبي علي مقاليد الحكم مع الرئيس البشير، حيث فتح ابواب السودان للجهاديين بمن فيهم زعميا تنظيم القاعدة اسامة بن لادن وايمن الظواهري وكان نتيجة ذلك تدبير محاولة اغتيال الرئيس مبارك في اثيوبيا بتخطيط من الحركة الإسلامية وقتها، وانعكس ذلك علي طبيعة العلاقة بين البلدين التي شهدت اسوأ خلاف حول منطقة حلايب وقتها. فسر د.حسن نجيلة رئيس مركز افريقيا للتنمية والسلام اسناد بعض الحقائب الوزارية إلي شخصيات عسكرية وامنية برغبة الرئيس البشير في التعامل بحزم مع الملفات والقضايا التي تواجه الحكومة في الفترة المقبلة مثل قضية دارفور واستفتاء الجنوب وحوض النيل، واشار إلي أن تولي كوادر من الدفاع الشعبي لملف الخارجية سينعكس سلبا علي السودان ويسبب ازمة في العلاقات الخارجية علي المستوي القريب والبعيد بدليل أن علي كرتي افسد وقت أن كان وزير دولة بالخارجية العلاقة مع عدد من دول الجوار مثل تشاد واوغندا وايرتريا. واضاف نجيلة إن كرتي ليس من محبي التعامل مع مصر وينظر إلي العلاقات معها نظرة الند بالند لا دولة جوار وهو ما اتضح في تصريحاته المنتقده لدورها مؤخرا، منوها بأن الحكومة السودانية ارادت في الفترة الأخيرة أن تعبر عن غضبها من مصر بطريقة غير مباشرة في شكل التصريحات الأخيرة، وأن ذلك جاء ردا علي زيارة رئيس حركة العدل والمساواة خليل ابراهيم للقاهرة والدعم المصري لحكومة الجنوب. فيما شدد السفير محمد الشاذلي سفير مصر الاسبق في السودان علي ضرورة عدم الاهتمام كثيرا بالتصريحات السودانية الأخيرة، وقال: يجب الا نلقي لها وزنا لان هناك دوائر داخل وخارج السودان - لم يحددها - تسعي للاساءة لمصر وتريد عزلها عن السودان ضمن مخطط لعزلها عن محيطها الاقليمي. وقال الشاذلي: يجب عدم الوقوف امام التأثير القوي للتيار الاسلامي في دوائر صنع القرار بالسودان والافضل التعامل مع الوضع والتوازنات القائمة حفاظا علي المصالح المشتركة، واكد انه لا يستطيع احد أن يزايد علي دور مصر تجاه استقرار ووحدة السودان لانها أول من اعترف باستقلاله القرن الماضي. الوضع الجديد في السودان بما قد يمثله من تهديد فعلي علي الحدود الجنوبية لمصر يوازي أيضا الدور الذي تلعبه حركة حماس - ذراع جماعة الاخوان في فلسطين - وبخاصة بعد الانقلاب الذي قامت به الحركة في قطاع غزة عام 2007 اذ تشكل محور توتر دائم علي الحدود في سيناء ودخلت الحركة في تحالف دولي يضم ايران وقطر وسوريا بجانب حزب الله في لبنان يستهدف النيل من الدور الاقليمي لمصر وامنها القومي. لكن الخبير الامني اللواء سامح سيف اليزل استبعد أن تكون هناك خطورة امنية من مشاركة الاسلاميين في الحكومة السودانية علي غرار ما يحدث في فلسطين وقال إن وجودهم في الحكومة محاولة من الرئيس البشير لارضاء التيار الاسلامي خوفا من إثارة القلاقل الداخلية ومنعا لظهور جبهات متمردة جديدة بالداخل مثل ما يحدث في دارفور أو الجنوب ومن قبلها الشرق.