منذ حوالي عام وفي حديقة حيوان ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدةالأمريكية، وقعت حادثة غريبة في منطقة النمور بالحديقة.. كانت النمرة قد وضعت ثلاثة توائم من النمور الصغيرة الضعيفة التي ولدت قبل ميعاد ولادتها، ولذلك كانت غير مكتملة النمو وماتت بعد ولادتها بقليل.. ولم تكن المشكلة هي موت الصغار، ولكن تدهور حالة النمرة الأم بسبب عدم وجود أطفالها حولها.. بدأت النمرة الأم تنهار بالرغم من أن الأطباء البيطريين بالحديقة كانوا يؤكدون أنها جسديا بصحة جيدة. كان الحل الوحيد هو استحضار نمور صغيرة تتبناها الأم وتهتم بها لتعوضها عن فقدان أبنائها حتي تتعافي.. وبالاتصال بحدائق الحيوان الأخري المتاحة تبين عدم وجود نمور صغيرة السن بما يتناسب مع الذين فقدوا، وحتي يمكن للنمور نفسها التعود علي أم بديلة.. وعادت المشكلة لنقطة البداية.. فلا يوجد أبناء من النمور للنمرة الأم! صار البديل المتاح - بالرغم من غرابته - هو البحث عن مواليد جديدة من حيوان آخر غير النمور ووضعهم للتبني من قبل الأم المكلومة التي فقدت أبناءها.. ومن المعروف أن تلك الحالة قد تنجح أحيانا في عالم الحيوان.. وبالبحث السريع كان الأيتام المعروضون للتبني هم مجموعة من الخنازير البيضاء الصغيرة التي ماتت أمهم حال ولادتهم.. فما كان من المسئولين بحديقة حيوان كاليفورنيا إلا احضار الصغار ووضع قطع من فراء النمر علي ظهور كل منها لمحاولة تشبيهها قليلا بالنمور، ثم وضعوها أمام النمرة الأم. وتقبلت النمرة الأم صغار الخنازير بشكل جيد، كما تقبلها الصغار كأم لهم.. فاحتضنتهم، وأمنوا لها.. وتحسنت حالتها وحالتهم.. والتقطت صور عديدة للأم وأولادها يكاد لا يصدقها الرائي.. كيف لا تلتهم النمرة هؤلاء الصغار من الخنازير؟ وكيف يأمن الصغار لهذه المفترسة ويعتبرونها أماً لهم؟ وكيف ينامون بجانبها آمنين وهي التي من المفترض أنها عدوتهم المفترسة؟ هل تعرف الحيوانات في مثل تلك الحالة أنها تقوم بما هو فوق الطبيعة وفوق قوانين الغابة؟ هل تعمل غريزة البقاء علي أن يتقبل الطرفان الأمر هكذا بالرغم من غرابته لرغبة كل منهما في الأمومة والبنوة، حتي ولو كان هذا علي حساب طبيعة كل منهما؟ إنها حادثة غريبة تبعث تساؤلات عديدة تتعدي عالم الغابة وحديقة الحيوان، وتسري علي عوالم الإنسان.. لماذا لا يستطيع الإنسان أن يفعل مثل النمرة والخنازير؟ لماذا لا يقبل اختلاف الآخر ويتسامح معه، بل ويتجاهل تلك الاختلافات تماما لدرجة تمكنه من الحياة مع هذا المختلف؟ لماذا لا يعمل العقل الإنساني - كما تعمل أحيانا الغريزة الحيوانية - فيعترف بأنه في حاجة إلي هذا الآخر حتي لو كان مختلفا، وحتي لو كان أقل قوة، وأقل ذكاء، وأقل جمالا؟ النمرة قبلت أبناء لا ينتمون لقوتها وجمالها وذكائها وشراستها وسرعتها.. والإنسان لا يقبل الإنسان لمجرد أنهما مختلفان في مصادر القوة والضعف. عجيب عالم المخلوقات.. نتندر علي الحيوان وهو في بعض الأحيان أفضل منا.. ونتباهي بعقولنا التي لا توجد لأي مخلوقات أخري غيرنا مع أنها أحيانا تبعد بنا عن الصواب.. ويعتقد كل منا في داخله أنه نمر ولا يمكن أن يقبل الخنازير، مع أن الآخرين قد يرون في أنفسهم نمورا لا تستطيع أن تتقبله!