كتب كثير من الفقهاء المعاصرين عن الزواج وحكمته وغايته ومن هؤلاء الشيخ سيد سابق - رحمه الله - حيث يقول: الزوجية سنة من سنن الله في الخلق والتكوين، وهي عامة مطردة، لا يشذ عنها عالم الإنسان، أو عالم الحيوان أو عالم النبات: قال تعالي: (من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) {الذاريات آية}: (49) وقال تعالي: (سبحان الذي خلق الأزواج كلها، مما تنبت الأرض، ومن أنفسهم، ومما لا يعلمون ) {يس آية}: (36) وهو الأسلوب الذي اختاره الله للتوالد والتكاثر، واستمرار الحياة، بعد أن أعد كلا الزوجين وهيأهما. بحيث يقوم كل منهما بدور إيجابي في تحقيق هذه الغاية: ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي ) {الحجرات آية}: (13) ( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ) {النساء آية}: (1) ولم يشأ الله أن يجعل الإنسان كغيره من العوالم، فيدع غرائزه تنطلق دون وعي، ويترك اتصال الذكر بالأنثي فوضي لا ضابط له. بل وضع النظام الملائم لسيادته، والذي من شأنه أن يحفظ شرفه، ويصون كرامته. فجعل اتصال الرجل بالمرأة اتصالا كريما، مبنيا علي رضاهما. وعلي إيجاب وقبول، كمظهرين لهذا الرضا وعلي موافقة ولي المرأة (علي رأي الجمهور) وعلي إشهاد، علي أن كلا منهما قد أصبح للآخر. وبهذا وضع للغريزة سبيلها المأمونة، وحمي النسل من الضياع، وصان المرأة عن أن تكون كلاء مباحا لكل راتع. ووضع نواة الأسرة التي تحوطها غريزة الأمومة وترعاها عاطفة الأبوة. فتنبت نباتا حسنا، وتثمر ثمارها اليانعة. وهذا النظام هو الذي ارتضاه الله، وأبقي عليه الإسلام، وهدم كل ما عداه من الأنكحة التي كانت شائعة قبل الإسلام هدمها الإسلام فمن ذلك: نكاح الخدن: كانوا يقولون: ما استتر فلا بأس به وما ظهر فهو لؤم، وهو المذكور في قول الله تعالي: ( ولا متخذات أخدان ) الآية. ومنها: نكاح البدل: وهو أن يقول الرجل للرجل: أنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك، رواه الدار قطني عن أبي هريرة بسند ضعيف جدا. وذكرت عائشة غير هذين النوعين فقالت: كان النكاح في الجاهلية علي أربعة أنحاء: ( 1 ) نكاح الناس اليوم: يخطب الرجل إلي الرجل وليته أو ابنته، فيصدقها ثم ينكحها. ( 2 ) ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها، أرسلي إلي فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها حتي يتبين حملها. فإذا تبين، أصاب إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد. ويسمي هذا النكاح الاستبضاع. ( 3 ) ونكاح آخر: يجتمع الرهط ( ما دون العشرة ) علي المرأة فيدخلون، كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت، ومر عليها ليال، أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع، حتي يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم ما كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها، لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل. ( 4 ) ونكاح رابع: يجتمع ناس كثير، فيدخلون علي المرأة لا تمتنع ممن جاءها - وهن البغايا - ينصبن علي أبوابهن رايات تكون علما، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت، جمعوا لها، ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط به ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك. فلما بعث محمد صلي الله عليه وسلم بالحق، هدم نكاح الجاهلية إلا نكاح الناس اليوم. وهذا النظام الذي أبقي عليه الإسلام، لا يتحقق إلا بتحقق أركانه من الإيجاب والقبول، وبشرط الإشهاد. وبهذا يتم العقد الذي يفيد حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر علي الوجه الذي شرعه الله. وبه تثبت الحقوق والواجبات التي تلزم كل منهما وصدق من قال لا يعرف الإسلام من يعرف الجاهلية، فحينما يقارن المسلم بين نظام النكاح في الجاهلية وبين نظام الإسلام يدرك بداهة عظم شأن هذه التشريعات التي ما شرعت إلا لصيانته وحفظه. وللحديث بقية