يتعجب قارئ هذا الكتاب للوهلة الأولي من صدوره ضمن سلسلة "هوية المكان" عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، فموضوعه عن الأعياد المصرية القديمة! لكننا نكتشف أن الكتاب لمؤلفه د. محمد السيد عبدالحميد، عبارة عن تحقيق لرحلة هيرودوت إلي مصر وأماكنها المختلفة، ورصده لأعياد المصريين القدماء مثل: أعياد تتويج الملوك و طقوس تتويج سنوسرت الأول، وعيد العام الجديد، وعيد تتويج الصقر المقدس، وعيد النصر، وعيد الزواج المقدس، وبالطبع عيد الفيضان، وهناك عيد السكر، وعيد أوزير، فضلا عن الأعياد الزراعية، وأعياد التقاويم، وهناك أعياد الموتي وطقوس الدفن والاحتفال بالراحلين، ومن بين هذه الطقوس ما يخص الاحتفال بمأساة أوزير في معبد الكرنك، ومما يقوله الباحث أن الطقوس المؤداة في هذا اليوم تضمنت كثيرا من المعاني التي تؤديها الندابات. يخبرنا المؤلف أن الأعياد المصرية القديمة خصوصا الدينية كانت تقام إحياء وتكريما لأشخاص أسطوريين، وكانت في البداية ذات طابع ديني، ثم تحولت إلي فرص لإقامة الاحتفالات الكبيرة والمواكب الضخمة والترويح عن النفس ويري أن بداية الدولة الحديثة هي أكثر فترات التاريخ المصري تعبيرا وتصويرا لهذه الاحتفالات بمختلف أنواعها: سماوية، قومية، محلية وسياسية. لكن المشاهدات الخاصة كانت لها النصيب الأوفر حظا في كتابات هيرودوت "أبو التاريخ" عن أعياد المصريين القدماء، إلي جانب ما سمعه من الكهنة، لكن الحكم الذي يستنتجه صاحب المقولة الأمثولة "مصر هبة النيل" من مشاهداته هو أن الأعياد المصرية القديمة اتخذت وضعا عاما شعبيا، حيث يشارك فيها الشعب مع الكهنة. وهكذا بحسب توضيح الكتاب، قدم هيرودوت وصفا حيا متكاملا وواقعيا لأنواع الأعياد المصرية وكل ما يتصل بها من طقوس، من نواح أو رقص وصياح أو غناء وغيرها من مظاهر تصل حد المجون، ويؤكد الكتاب أن كثيرا من هذه التفاصيل غابت عن النصوص المصرية، بينما انفرد هيرودوت بذكر أعياد الدلتا، خاصة إقليم شرق الدلتا، مما جعل كتابه المسمي "تمحيص الأخبار" أول مصنف في التاريخ و في الجغرافيا البشرية، والمرجع الأول والأصيل للأعياد المصرية القديمة. يشير المؤلف في الفصل الثاني من كتابه إلي وقائع زيارة هيرودوت لمدينة "بوباسطيس" أقدم مدينة في التقسيمات المصرية القديمة، حيث كانت تلك المدينة عاصمة المقاطعة الثامنة عشرة من مقاطعة الوجه البحري، وتنسب إلي معبودتها "باستت" وممثلة في القطة حيوانها المقدس، ثم يتطرق المؤلف إلي ما جاء في كتاب هيرودوت عن عيد المعبودة باستت، يقول: "وفي طريقهم إلي بوباسطيس يسلكون هذا المسلك، يبحر الرجال والنساء معا، ويطبل بعض النسوة وبعض الرجال يزمرون، تعلو أصوات أخريات هاتفات ساخرات يشتمن، وبعضهن يرقصن، كما يقف بعضهن رافعات ثيابهن، وعند وصولهم بوباسطيس يقدمون أضحيات ويشربون من النبيذ أكثر مما يشربون في بقية العام كله". الفصل الثالث والأخير يتحدث عن عيد مدينة هليوبوليس، التي حاول هيرودوت تقريب وصفها لليونانيين بذكر أماكن مماثلة لها في بلده، ويعرج إلي عيد المعبود هليوس، وهو إله الشمس وكانت اللحظة الرهيبة في الحفل هي لحظة الكشف عن وجه المعبود.