في معظم الدول الغربية، يوجد اختبار أساسي عند التقدم لكثير من الوظائف، خاصة تلك التي تتعلق بالاتصال مع الجمهور، أو تتطلب التفاعل مع الناس، وهو الاختبار النفسي.. ويتيح هذا الاختبار الوقوف علي السمات الانفعالية للشخص، ودرجة الاتزان الانفعالي لديه، وقدرته علي معالجة الأمور بشكل سليم.. وتوجد أشكال مختلفة لهذا الاختبار، ما بين اختبارات لفظية، أو رسومات، أو مواقف افتراضية يطلب من الشخص تقديم تصور بشأن حلها والتعامل معها، أو اختيار بديل من البدائل التي تعرض عليه... وقد يكون الاختبار بالملاحظة، بمعني أن يخضع الموظف للملاحظة النفسية فترة معينة للوقوف علي خصائصه النفسية، ومدي ملاءمتها للوظيفة التي يشغلها.. وفي مجال الإعلام، تشترط بعض المحطات الدولية اجتياز الشخص المتقدم لهذا الاختبار، وإن أطلق عليه مسميات أخري في بعض الأحيان، مثل المقابلة الشخصية.. فالتوازن النفسي شرط ضروري للمذيعين ومقدمي البرامج، والقدرة علي ضبط الأعصاب، وعدم التهور شروط ضرورية لأي إعلامي، وإلا لرأينا كوارث علي الهواء... شيء شبيه بهذا وهو أمر حتمي ومطلوب إجراؤه بالنسبة للمتقدمين لشغل وظيفة معلم أو مدرس في المدارس المصرية.. ليس معقولاً أن نترك أولادنا مع أفراد غير متزنين انفعالياً، وهو ما نري نتائجه في كثير من حوادث العنف، والضرب، بل القتل الخطأ والمتعمد.. ليس معقولاً أن يصل الأمر بالمدرس عند غضبه إلي أن يلقي بالتلميذ من الدور الثالث بإحدي المدارس، ولا أن يضربه بالعصا حتي يفقد الطالب الوعي أو أستاذ يعاني من شذوذ نفسي أو جنسي.. هذه النماذج المشوهة، والاستثنائية التي لا يمكن القياس عليها بالضرورة، هي مجرد إشارات تنبيه إلي ضرورة الاهتمام بالجانب النفسي لمن يتقدم لشغل وظيفة مدرس.. الاتزان الانفعالي يمكن تعلمه، ويمكن السيطرة عليه.. ولذلك، فإن من يرسب في هذه الاختبارات لا يعني أنه لن يصلح علي الإطلاق، ولكن معناه أنه يحتاج إلي تأهيل نفسي، ويحتاج إلي تأهيل قبل التحاقه بالوظيفة المقررة وأتصور أن اكاديمية المعلمين يمكن أن تسهم بقدر كبير في هذا المجال.. وإذا كانت هناك حاجة للاختبار النفسي للإعلاميين والمدرسين، فإن هناك حاجة أكبر لإجراء هذا الاختبار للمسئولين، ولمن يكونون مسئولين عن هيئات تتعامل بشكل مباشر مع الجمهور، ومع مصالحهم الحيوية.. الكشف النفسي علي هؤلاء المسئولين ضرورة لتجنب الصدام مع الجمهور، ولتجنب أن يظهر هؤلاء المسئولون عقدهم علي الناس.. ليس عيباً أن يخضع أي فرد للاختبار النفسي، وليس عيباً أن يرسب فيه، مادام هناك مجال للاستفادة، وطرق للتأهيل.. ولكن العيب أن نترك ضعاف النفوس في مواجهة ضعفاء الناس: أطفالاً أو ذوي حاجات معيشية، أو علي باب الله...