أحياناً يحدث تصادم بين شخصين أو صديقين أو حليفين بشأن موضوع ما، ويتصاعد الخلاف بينهما إلي الدرجة التي تظن معها أن علاقتهما قد انتهت إلي الأبد وفجأة يحدث التصالح بينهما فلا تعرف لماذا اختلفا ولماذا تصالحا وكأن هناك سراً "دفيناً" بينهما يخشيان من كشفه للآخرين. عندها نقول "إنهما دافنينه سوا" ما هي قصة ذلك المصطلح الشهير؟ يحكي أن اثنين من ظرفاء فقراء الصعيد كانا يجوبان الأرض بحثاً عن الرزق ومعهما جحش صغير يحمل أغراضهما البسيطة. ومن فرط الجوع والإجهاد مات الجحش المسكين فدفناه في الخلاء في نفس المكان الذي توقفا فيه ثم جلسا متهالكين علي الأرض وقد ركبهما هم ثقيل، بعد لحظات مرت بهما امرأة قروية تسكن قرية قريبة، ألقت عليهما التحية فردا عليها باقتضاب، كانت المرأة فضولية أو لعلها كانت تتمتع ببعض الميول الصحفية فسألتهما لماذا تجلسان هنا في هذا الخلاء القفر؟ من المعروف أن الحزن والإجهاد يولدان عند الظرفاء ميلاً قوياً للمرح والدعابة، فأجابها أحدهما وهو يشير إلي بقعة من الأرض: هذا المكان يرقد تحت ثراه مخلوق عظيم.. ونحن هنا لزيارته والتبرك به.. وفي الغالب سوف نقيم هنا للأبد.. فسألتهما بإلحاح: من هو؟.. ولأي مدي كان عظيماً؟.. هل كانت له كرامات؟ نعم يا سيدتي.. كلنا أكثر المخلوقات علي الأرض طيبة وصبراً وقدرة علي التحمل لم يكن يغضبه شيء، وكان صامتاً يفكر بحكمة طول الوقت.. وكان.. وكان.. اندمجا في الدور، واصلا الحوار مع المرأة يعددان مناقب الفقيد فقالت المرأة في حيرة: لم أسمع عنه من قبل.. شأنه شأن كل العظماء يا سيدتي... لا تعرف الناس فضائلهم إلا بعد أن يموتوا... ماذا كان اسمه...؟ حتي اسمه لا تعرفينه؟ اسمه سيدي الحمار. هل أنتما من بني أهله؟ لا يا سيدتي.. فلا أحد يعرف له أهلاً أو نسباً أو قرابة.. نحن مريدون له فقط. إذا كان الرجل عظيماً لهذه الدرجة.. لماذا لا تبنيان له مقاماً يليق به؟ لقد قررنا ذلك بالفعل.. ولكن لابد من مساعدة أهل الخير من أمثالك. اطمئنا... سأبذل كل ما في وسعي. تركتهما المرأة وسارت في طريقها إلي القرية، بعد ساعتين أرسلت لهما "طاجناً" من الحمام المحشي وملحقاته، وفي الصباح جاءهما طعام الإفطار يكفي عشرين فرداً.. الجبن.. الفول.. القشدة.. عسل النحل.. الفطيرالمشلتت.. وجاء آخرون، بعضهم استقر في المكان، وتحول المكان بالفعل إلي مزار، ثم مولد فخم يقام في كل عام، أما أعظم ما في المكان فقد كان صندوق النذور المصنوع من خشب الماهوجني والمرصع بالصدف والنحاس المشغول وكان يمتلئ ويفرغ عدة مرات في العام، أما في أيام المولد فقد كان يمتلئ كل عدة ساعات. انتعشت حالة صاحبينا الظريفين، أصبحا من أثري الأثرياء، حسابات هائلة في بنوك الداخل والخارج، قصور ذات حدائق غناء، بيوت صيفية وأخري شتوية، وكأي شريكين في مشروع مبني علي الكذب والأوهام بدأ كل منهما يسرق الآخر وذات يوم اتهم أحدهما الآخر بأنه استولي من صندوق النذور والمعونات التي أرسلها أهل الخير علي أكثر مما يستحق فرد عليه مستنكراً: ما حصلش.. والله ما حصل.. تحب أحلف لك بإيه؟ .. طب وحياة سيدي الحمار.. فرد عليه صارخاً: وحياة سيدك مين يا خويا؟ .. ده إحنا دافنينه سوا. هل عرفت الآن لماذا يتشاجر بعض الفرقاء من أصحاب القضايا العظمي ثم يتصالحون فجأة.