الاثنين الماضي.. كان هو اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يحتفل به العالم يوم الثالث من مايو من كل عام.. سألت نفسي باعتباري أحد أبناء هذه المهنة لأكثر من ثلاثة عقود: هل في مصر حرية صحافة؟! نعم إلي حد كبير.. قلتها وأنا علي قناعة تامة بما أقول.. فلا أحد ينكر أن الصحافة بل الإعلام المصري في عهد الرئيس حسني مبارك شهد حرية غير مسبوقة لم تشهدها مصر منذ انتهاء الملكية وقيام ثورة 23 يوليو.. فها هي أجهزة الدولة علي جميع مستوياتها تتعرض كل يوم للنقد بل وفي بعض الأحيان إلي التجريح علي صفحات الصحف وشاشات الفضائيات.. ولم نسمع عن صحيفة أغلقت بسبب آرائها أو قناة تم سحب رخصتها بسبب برامجها الاستفزازية. حين تولي الرئيس مبارك حكم البلاد عام 1981 كانت تصدر في مصر 8 صحف فقط 4 قومية تصدر يومياً «3 صباحية والرابعة مسائية» و4 صحف حزبية صدرت أسبوعيا في بادئ الأمر.. وثلاث قنوات أرضية - علي ما أتذكر - لا يصل إرسالها إلي جميع أنحاء البلاد.. اليوم في مصر مئات من الصحف.. ومئات من القنوات الفضائية.. علي جميع الاشكال والألوان والانتماءات والاتجاهات.. كل يكتب أو يقول ما يحلو له فزادت جرائم السب والقذف ليس بسبب القيود بل نتيجة للتطاول واستخدام حرية الصحافة كسلاح لسب الآخرين دون سند أو دليل. لقد شهدت مصر مؤخراً نماذج عديدة للانفلات الإعلامي.. كلنا يتذكر مثلا الحرب الإعلامية التي دارت بين مصر والجزائر بسبب مباراة في كرة القدم وكادت تؤدي إلي قطيعة بين البلدين.. ولاننسي أيضا قضية مرتضي وشوبير التي لاتزال فصولها مستمرة.. قضايا وحكايات عديدة نعيشها كل يوم تؤكد أن الإعلام تحول فعلا إلي «مصطبة» حسب تعبير السياسي والإعلامي المحنك الأستاذ صفوت الشريف. نعم في مصر حرية صحافة.. لكن بكل أسف اسأنا استخدامها كثيراً فتحولت إلي حرية فوضي.. وبدلاً من أن ننير الطريق للقائمين علي الحكم بعد كشف السلبيات صرنا نمارس دور القاضي والجلاد.. وبكل مرارة لأسباب عادة شخصية وليست وطنية.. وزعمنا أن حرية الصحافة تعني أن الصحافة حرة فيما تقول.. وأن الإعلام حر فيما يكتب وفيما يشاهد وفيما يذاع دون رقيب حتي من ضمائرنا. نعم في مصر حرية صحافة نجحت بعض الصحف القومية في الاستفادة منها إلي حد ما بشكل مهني فيما فشلت صحف أخري.. أما الصحف الحزبية والخاصة فاستغل أغلبها تلك الحرية «المسكينة» أسوأ استغلال لتحقيق أغراض خاصة تحت بند حرية الصحافة!! بقي علي الصحافة القومية أن تمارس دورها بشكل أفضل مستغلة مساحات الحرية التي نعيشها أحسن استغلال لمواجهة صحافة هدفها افتعال الأزمات وتضخيم الأحداث ليعرف الجميع الفارق بين حرية الصحافة.. والصحافة التي تزعم أنها «حرة»!! كلام في الهوا: * مشكلة حكومة الدكتور أحمد نظيف أنها تكاد تكون أول حكومة مصرية تواجه إعلامًا شرسًا ومتوحشًا منذ انتهاء الحكم الملكي وقيام ثورة 23 يوليو.. وبفضل ثورة الاتصالات انطبق علي الدكتور نظيف مقولة «الجزاء من جنس العمل» باعتباره خبيرا دوليا في عالم الاتصالات. * باسم اليوم العالمي لحرية الصحافة.. أبكي زملاء رحلوا قبل أيام وهم مازالوا في العقد الخامس من العمر.. التقارير أكدت وفاتهم وفاة طبيعية.. لكنني أزعم أنها وفاة طبيعية ومهنية.. فالاحصاءات الدولية تؤكد أن أعمار الصحفيين قصيرة.. أنها ضريبة عشق صاحبة الجلالة.. نحبها ونحن ندرك كم هو حجم المخاطر الملقاة علينا!!.