لم يعد السكوت ممكنا ولا مشرفا وأنت تتأمل وتتابع وتشاهد ما يحدث علي أرض فلسطين من مهازل وجرائم الاحتلال الإسرائيلي وأيضا سخافات الخلافات الفلسطينية لا تضيع إسرائيل ثانية واحدة من الزمن لتنفيذ مخططاتها وخططها لشطب فلسطين تماما من خريطة الحياة والعالم ومازالت الرموز الفلسطينية سواء في السلطة أو المعارضة في الضفة أو في غزة يتقاتلون ويتناقشون حول المصالحة! ووسط هذا البؤس والظلام الفلسطيني ظهرت «شمعة فلسطينية» تضيء هذا الظلام الدامس اسمها «وقفة حق» وهي وثيقة مهمة بل بالغة الأهمية أصدرها ست عشرة شخصية مسيحية فلسطينية في ديسمبر 2009 وأكدت هذه الشخصيات المسيحية أن الاحتلال العسكري لفلسطين خطيئة ضد الله والإنسان لأنه يحرم الإنسان الفلسطيني حقوقه الإنسانية الأساسية التي منحها إياه الله ويشوه صورة الله في الإنسان الإسرائيلي المحتل بقدر ما يشوهها في الإنسان الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال ونقول إن أي لاهوت يدعي الاستناد إلي الكتاب المقدس أو العقيدة أو التاريخ ليبرر الاحتلال إنما هو بعيد عن تعليم الكنيسة لأنه يدعو إلي العنف والحرب المقدسة باسم الله ويخضع الله سبحانه وتعالي لمصالح بشرية آنية. وتضيف الوثيقة قائلة: لقد أرسل الله إلي هذه الأرض الآباء والأنبياء والرسل يحملون إلي العالم رسالة كونية شاملة واليوم نحن فيها ثلاث ديانات: اليهودية والمسيحية والإسلام أرضنا هي أرض الله كباقي بلدان العالم وهي مقدسة بحضور الله فيها لأنه وحده القدوس والمقدس فمن واجبنا نحن الساكنين فيها أن نحترم مشيئة الله فيها وأن نحررها من شر الظلم والحرب الذي فيها هي أرض لله فيجب أن تكون أرضاً للمصالحة والسلام والمحبة وهذا أمر ممكن بما أن الله وضعنا فيها شعبين ونقر فيها العدل والسلام. وجودنا نحن الفلسطينيين مسيحيين ومسلمين علي هذه الأرض ليس طارئاً بل له جذور متأصلة ومرتبطة بتاريخ وجغرافيا هذه الأرض مثل ارتباط أي شعب بأرضه التي يوجد فيها اليوم وقد وقع في حقنا ظلم لما هجرنا أراد الغرب أن يعوض ما اقترف هو في حق اليهود في أوروبا فقام بالتعويض علي حسابنا وفي أرضنا حاول تصحيح الظلم فنتج منه ظلم جديد، إن استخدام الكتاب المقدس لتبرير أو تأييد خيارات ومواقف سياسية فيها ظلم يفرضه إنسان علي إنسان أو شعب علي شعب آخر يحول الدين إلي أيديولوجيا بشرية ويجرد كلمة الله من قداستها وشموليتها وحقيقتها. ثم تضيف الوثيقة قولها: إن الظروف القاسية التي عاشتها وتعيشها الكنيسة الفلسطينية جعلتها تصقل إيمانها وتتبين دعوتها بصورة أوضح نحن نحمل اليوم قوة المحبة بدل قوة الانتقام وثقافة الحياة بدل ثقافة الموت. قال السيد المسيح لنا: أحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا وقد أوضح كيف تكون المحبة وكيف يكون التعامل مع الأعداء قال سمعتم إنه قيل أحبب قريبك وابغض عدوك أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم وصلوا لأجل الذين يضطهدونكم فتكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات فهو يطلع شمسه علي الأشرار والصالحين ويمطر علي الأبرار والظالمين فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم السماوي كامل وقال القديس بطرس لا تردوا الشر بالشر والشتيمة بالشتيمة بل باركوا فترثوا البركة لأنكم لهذا دعيتم. ثم تربط الوثيقة بين المحبة والمقاومة فتقول بوضوح لا لبس فيه: هذا كلام واضح، المحبة هي وصية المسيح لنا وتشمل الأصدقاء والأعداء وهي دليل واضح لنا إذا ما كنا في ظروف يجب علينا فيها أن نقاوم الشر أيا كان نوعه، المحبة هي رؤية وجه الله في كل إنسان كل إنسان أخي وأختي ولكن رؤية وجه الله في كل إنسان لا تعني قبول الشر أو الاعتداء من قبل بل تقوم المحبة بإصلاح الشر ووقف الاعتداء. والظلم الواقع علي الشعب الفلسطيني أي الاحتلال الإسرائيلي هو شر يجب مقاومته هو شر وخطيئة يجب مقاومتها وإزالتها تقع هذه المسئولية أولاً علي الفلسطينيين أنفسهم الواقعين تحت الاحتلال فالمحبة المسيحية تدعو إلي المقاومة إلا أن المحبة تضع حداً للشر بسلوكها طرق العدل ثم تقع المسئولية علي الأسرة الدولية إذ أصبحت الشرعية الدولية اليوم هي التي تحكم العلاقات بين الشعوب وعلي الظالم نفسه أخيراً أن يحرر نفسه هو من الشر الذي فيه ومن الظلم الذي أوقعه علي غيره. ثم تضيف الوثيقة قولها: إذا ما عرضنا تاريخ الشعوب وجدنا فيها الحروب الكثيرة ومقاومة الحرب بالحرب والعنف بالعنف وسار الشعب الفلسطيني في طريق الشعوب ولا سيما في مراحل صراعه مع الاحتلال الإسرائيلي كما أنه ناضل نضالاً سلمياً ولاسيما خلال انتفاضته الأولي ومع ذلك كله فإننا نري إنه يجب علي الشعوب كلها أن تبدأ مساراً جديداً في علاقاتها بعضها مع بعض وفي حل نزاعاتها فتتجنب طرق القوة العسكرية وتلجأ إلي الطرق العادلة وهذا ينطبق علي الشعوب القوية العسكرية أولاً صاحبة القوة والفارضة ظلمها علي الشعوب الضعيفة. ونقول - أي أصحاب الوثيقة - إن خيارنا المسيحي في وجه الاحتلال الإسرائيلي هو المقاومة فالمقاومة حق وواجب علي المسيحي ولكنها المقاومة بحسب منطق المحبة فهي مقاومة مبدعة. لكن ما الذي قصدته وثيقة «وقفة حق» بمصطلح «مقاومة مبدعة» الإجابة تستحق الانتظار للأسبوع المقبل في مقال جديد!