«هذا ما جناه أبي عَلَي وما جنيت علي أحد» هكذا يقول لسان حال أبناء قرية «الحجيرات» التي تشهد منذ نصف قرن من الزمان خصومات ثأرية دفع المئات من الأطفال والشباب والكبار أرواحهم ثمنًا لتبعات وأخطاء ماض مظلم تسبب فيه آباؤهم وأجدادهم ولم يتوقف عند هذا الحد بل حول حياة أسرهم إلي جحيم انتظارًا للموت في أي لحظة بدلت ليلهم إلي نهار ونهارهم إلي ليل وغيرت أحوالهم من غني إلي فقر وجهل وبطالة. وأضحت «الحجيرات» من القري الأكثر فقرًا وخيم الظلام علي منازلها وشوارعها ودروبها، حتي أن أسلاك الكهرباء في أعمدة بها تكاد تقترب من الأرض بسبب إهمالها فضلاً عن آبار المياه الملوثة بها والتي تجعل أطفالها ونساءها يضطرون إلي حمل «الجراكن» لملئها من حنفية تابعة لمركز دشنا. وها هو الثأر يطل برأسه مرة أخري بين أبناء العمومة علي البلدة التي هدأت مؤقتًا حاصدًا أرواح 7 أشخاص وأصاب ثلاثة آخرين في مجزرة تدمي لها القلوب داخل سرادق عزاء استنكرها أهلها بشدة وصار مشهد الأحزان هو الغالب علي مسرح الأحداث هناك. وكأن التاريخ يعيد نفسه في القرية حيث شهد عام 1960 حادثًا مماثلاً بين عائلتي «العمارنة» و«عبدالمطلب» راح ضحيته 7 قتلي وثلاثة مصابين. مئات الأروح الحاج مدني علوان والشيخ أحمد الزمقان يتذكران الأحزان التي شهدتها القرية وحصدت مئات الأرواح طوال عشرات السنين، في البداية أكدا استنكارهما لما حدث مساء الخميس الماضي، موضحين أنه خرق لكل العادات والقواعد الإنسانية، فلم يحدث أبدًا أخذ بالثأر داخل واجب عزاء خاصة أن أبناء عائلة «عبدالمطلب» كانوا في ديوان عائلة «العمارنة». أما بداية حوادث الثأر فتعود إلي ما قبل عام 1950 بين عائلتي عبدالمطلب والعطلات وراح ضحيتها العشرات حتي عام 1960 عندما دخلت عائلة العمارنة للخصومة بجريمة قتل خطأ ارتكبتها عائلة عبدالمطلب والحادث الأخير يعد امتدادًا للحادث الأول وأهل القرية جميعهم أبناء عمومة من الجد حجير ونجليه محمد وأحمد وكانت أخطر الخصومات في بداية السبعينيات عندما انقسمت القرية (7 نجوع) إلي خصمين أبناء أحمد وأبناء محمد، واستمرت أيامًا وقتل فيها حوالي 20 شخصًا من الطرفين، وفي عام 1976 تحديدًا وقع أكثر الحوادث التي مازالت عالقة في الأذهان حيث تم قتل عمدة القرية وخفيرين بدعوي إرشاد الأمن عن أماكن السلاح والمتهمين وحتي اليوم لم ينتخب أو يعين عمدة بالقرية ويقوم أقدم شيخ في القرية بأعمال العمدة، رغم أن صلة القرابة بين أهل القرية يفترض أن تقربهم إلا أنها كانت أكبر أسباب انتشار الثأر خلال فترة الثمانينيات والتي بدأت بين عائلتي السروان وشاهين وانضم كل منهما عائلات أخري مثل إمبابي وداود والحوال والخطاطبة والفولي والخصاص بدعوي المساعدة بالسلاح والمال للطرف الآخر، ويعد نجع المعلا هو أخطر النجوع حتي اليوم وأطلق عليه نجع الصراخين لكثرة القتلي فيه وكثرة صراخ النساء الدائم ويتذكر أهالي القرية الضابط خضر عبدالرحمن الذي كان رئيسا لمباحث مركز قنا خلال فترة التسعينيات وارتبط بعلاقات طيبة مع جميع العائلات وكانت له مصادر في كل عائلة وانخفضت حدة الثأر خلال 5 سنوات قضاها في مركز قنا، وأطلق العديد من الأهالي اسمه علي أبنائهم الذين ولدوا في هذه الفترة. ويلاحظ في القرية اشتراك الجميع في الثأر فالسيدات يشحذن الهمم والأطفال يراقبون الطرق كما أن الطبيعة الجبلية للقرية تساعد علي الهروب والاختفاء. 10 مصالحات أما المصالحات فقد نجحت الأجهزة الأمنية كما يقول العمدة هشام شكري في إجراء أكثر من 10 مصالحات في القرية خلال 3 أعوام أنهت جميع الخصومات بما فيها الخصومة الأخيرة التي توقفت تمامًا منذ 5 سنوات بعد إجراء الصلح ورسميا فالخصومة الوحيدة في القرية التي لم يتم فيها الصلح حتي الآن هي خصومة عائلتي شحات وعبدالغفار وقتل فيها 4 أشخاص عام 2007 وتشعبت لتضم عائلة السروان التي قتل فيها شخصان عام 2009 وتقوم حاليًا لجان المصالحات بجهود كبيرة لإنهائها خاصة أنها تضم عائلات في نجعين مختلفين هما المعلا وأبو عروق. أما عن القرية فإنها تعاني إهمالاً شديدا في البنية الأساسية كما أن الفقر والبطالة يهددان معظم أبناء القرية. يقول عصمت عبدالمجيد موظف بالصحة أن القرية مازالت تشرب من مياه الآبار الملوثة ويوجد موتور مياه كبير أحضرته مديرية الإسكان يضخ مياهاً جوفية غير صالحة ونستخدمها فقط للاستحمام أو سقاية المواشي أما مياه الشرب فنحصل عليها بالجراكن من حنفية وحيدة علي حدود القرية مع قرية أبودياب التابعة لمركز دشنا كما يستخدم الأهالي حتي اليوم الطلمبات الحبشية للحصول علي المياه في المنازل. وقال صلاح عبدالكريم دبلوم تجارة أن القرية التي تضم 7 نجوع كبيرة كل منها يمثل قرية لا يوجد بها إلا مركز شباب وحيد مغلق دائما وبه ملعب مفتوح تم إنشاؤه منذ سنوات ونتيجة الاهمال وعدم الصيانة تكسرت أرضياته ويصاب أي شاب يلعب عليه وأصبحت تسليتنا الوحيدة هي «السيجة» و«الدومينو». وقال حسنين عمر أحمد رئيس جمعية تنمية المجتمع بالقرية: إن الفقر والبطالة يعمان القرية كلها حيث يوجد بالقرية التي يبلغ سكانها 30 ألف نسمة 12 ألف فدان فقط نصفها مملوكة لأربعة أشخاص وبقية أهل البلدة معظمهم يعملون باليومية في الزراعات أو البناء والشباب الحاصل علي مؤهلات عليا ومتوسطة لا يجد فرصة عمل ولا حتي وسيلة ترفيه فمن الطبيعي أن يتجه تفكيرهم لأي شيء خطر وأقربه الأخذ بالثأر. شوارع الظلام وقال حمدالله عبدالغني عامل أن الظلام يحيط بالقرية فلا يوجد أي شارع به كشافات اضاءة باستثناء مدخل القرية أما بقية الشوارع فهي مظلمة تماما كما أن الأسلاك الكهربائية قديمة ومتهالكة وتسقط ولم يتم تجديدها منذ عام 1982 مما يؤدي إلي سقوطها في الشوارع كما أنه لم يتم تدعيم القرية بمحولات جديدة وهو ما يؤدي إلي الانقطاع الدائم للكهرباء خاصة خلال فصل الصيف. وقال السيد عبدالغفار محمد أن أغرب شيء قد تسمعه في هذه القرية هو نسبة التعليم التي تفوق معظم قري المحافظة وتتعدي نسبة 75% من الأهالي ولا يوجد تسرب من التعليم في مرحلة التعليم الأساسي إلا بنسبة 1% فقط وتخرج من المدارس القرية 6 مستشارين و3 ضباط و4 مديرين عموم ولكنهم جميعا لا يحضرون القرية علي الاطلاق وأضاف: إلا أن المشكلة الوحيدة حاليا هي ارتفاع كثافة الفصول في المدارس الابتدائية والإعدادية والتي تزيد عن 65 تلميذا في الابتدائي و70 تلميذاً في الإعدادي حتي تم تحويل فصول الصف الأول الإعدادي إلي فترة مسائية بالمدرسة الابتدائية. طباع الناس وقالت محروسة متولي وهبه ممرضة بالوحدة الصحية بالقرية أنه تم إحلال وتجديد الوحدة خلال العام الحالي وطباع الأهالي جيدة باستثناء حدتهم في التعامل والنساء لا يقمن بتنظيم النسل إلا بوسيلة واحدة وهي الحقن فقط لأنهن ينسين مواعيد الحبوب واللوالب ممنوعة عليهن، وطالبت غادة هنائي رائدة ريفية بالقرية وناهد عبدالرازق مديرة مشروع تكامل الصحة الإنجابية بتطوير الوحدة الصحية لتصبح مستشفي تكامليا به حجرات للعمليات الجراحية البسيطة بالاضافة إلي شراء سيارة اسعاف خاصة بالوحدة وهو ما يعاني منه الأهالي في حالة حدوث أي طوارئ وهي كثيرة كما طالبن بضم القرية لمشروع تطوير الألف قرية الأكثر فقرًا وتساءلن هل هناك قرية أفقر من الحجيرات. وقال جمال عبدالمتجلي موظف أن ترعة أم هارون تخترق القرية من منتصفها ويستخدمها الأهالي في إلقاء الحيونات النافقة والمخلفات وأصبحت مصدرا لنشر الذباب والباعوض والأوبئة خاصة في فصل الصيف وطالب بتغطية أجزاء من الترعة علي مراحل في المناطق السكنية.