لم تبالغ صحيفة "سبورت" الإسبانية عندما قالت في تعليقها علي مباراة برشلونة والأرسنال في دوري أبطال أوروبا التي أحرز فيها الأسطورة الأرجنتينية ليونيل ميسي أربعة أهداف خارقة.. "لا تقل كرة القدم، بل قل ميسي".. نظرا لأن مجريات الأحداث أكدت أنه من الصعب إيجاد المرادف، أو الصفة التي يستحقها ميسي. وعلي الرغم من حالة العشق غير العادية التي تجمع بين ميسي وجماهير كرة القدم في شتي أنحاء العالم خلال هذه الآونة بعد إنجازاته المتتالية مع برشلونة.. إلا أننا نختلف مع تلك الجماهير ونعترف بأننا نكره هذا اللاعب. وقد يتهمنا البعض بالجنون أو "الاستظراف" عندما نصرح بهذا الاعتراف الخطير، ولكن لقاء برشلونة وأرسنال يؤكد صحة كلامنا، فما حدث في تلك المباراة يماثل أن تفتح لعبة "بلاي ستيشن"، ثم تختار اللعب علي أسهل مستوي تتيحه اللعبة، قبل أن تخوض أي مباراة أو بطولة تريدها. حينئذ لا يهم من هو فريقك أو من هو فريق الخصم لأن اللعبة أساسا مصممة كي تكون في صالحك، وهنا تفقد المباراة معناها، فأنت تجلس في منزلك وتعلم تماما أن الاستحكامات الدفاعية، أو الهجمات المرتدة، أو التسديد البعيد أو ما شابه سيأتي عليه لحظة وينهار تماما أمام هبة ربانية ليس لها مثيل ومن هنا يكمن كرهنا لهذا اللاعب المعجزة الذي يقتل معايير كرة القدم بفنه وسحره. فمع وجود مهارات مثل التي يمتلكها ميسي في الملعب، تختفي كل القوانين المتعارف عليها. فلا يوجد تكتيك أو تعليمات، دفاع أو هجوم، بل قد لا يكون هناك وجود لقوانين الجاذبية الأرضية أيضا! إنجازات خارقة وعلي الرغم من أن ميسي لايزال في الثانية والعشرين من عمره ولا يتجاوز طوله 169 سنتيمترا الا أنه أصبح الأبرز والأشهر حاليا في عالم كرة القدم. سجل اللاعب 39 هدفا لبرشلونة في مختلف البطولات التي خاضها الفريق هذا الموسم، بفارق هدف واحد أكثر من رصيده الموسم الماضي. وفي الوقت الذي أشارت فيه التوقعات إلي أن الألقاب الستة (رقم قياسي) التي أحرزها اللاعب مع برشلونة عام 2009 كانت كافية لإرضاء طموحه وتهدئة رغباته الجامحة صوب المجد، قدم ميسي في الشهور القليلة الماضية عروضا براقة، سواء في الدوري الإسباني أو دوري أبطال أوروبا، ولكنه ما زال طامحا إلي تقديم المزيد. عادل ميسي بأهدافه الأربعة في مباراة الأرسنال الرقم القياسي لأكبر عدد من الأهداف يحرزها أي لاعب في دوري أبطال أوروبا علي مدار مسيرته مع فريق برشلونة وهو الرقم المسجل باسم البرازيلي ريفالدو 25 هدفا. وما زالت الفرصة سانحة بقوة أمام ميسي لتسجيل المزيد وتحطيم العديد من الأرقام القياسية مع برشلونة. ينفرد ميسي حاليا بعشق جماهير برشلونة التي انبهرت في الماضي بنجوم آخرين مثل الاسطورتين الهولندي يوهان كرويف والأرجنتيني دييجو مارادونا. خرج ميسي من أرض الملعب ممسكا بكرة المباراة كجائزة له بعدما حقق ما لم يحققه أي لاعب في برشلونة منذ إقامة دوري أبطال أوروبا بمسماها الحالي بداية من 1992 . والأكثر من ذلك أن ميسي أصبح أول لاعب في تاريخ البطولة يسجل أربعة أهداف (سوبر هاتريك) في مباراة واحدة بالأدوار الفاصلة. لم يجد المدرب الفرنسي، أرسين فينجر المدير الفني لأرسنال، ما يصف به ميسي وما قدمه من أداء في المباراة سوي أن يقول "إنه أداء مثل البلاي ستيشن" مشيرا إلي أنه لا يعرف "كم من اللاعبين في العالم ؟" يمكنهم تسجيل هدف مثل الهدف الرابع لميسي. ومع إصابة واين روني، مهاجم مانشستر يونايتد، أصبح ميسي هو الهداف الأبرز في البطولات الأوروبية في الفترة الحالية. كما أنه أصبح المرشح الأقوي للفوز بجائزة "الحذاء الذهبي" التي تمنح سنويا لأفضل هداف في مختلف البطولات المحلية والأوروبية علي مدار الموسم. ولا يفتقد ميسي إلي الدافع الذي يحفزه علي تسجيل المزيد من الأهداف لأنه سيقود فريقه في مواجهة منافسه العنيد ريال مدريد غدا السبت في مباراة القمة (الكلاسيكو) علي صدارة الدوري الأسباني، كما سيقود الفريق الكتالوني بعد أسبوعين في المواجهة الصعبة مع انتر ميلان الإيطالي في ذهاب الدور قبل النهائي لدوري الأبطال. والأكثر من ذلك أن دوافع ميسي لا تقتصر علي التحديات الكبيرة وإنما يتولد لديه دافع التألق أيضا من التحديات الصغيرة أمام الفرق متوسطة، أو ضعيفة المستوي في الدوري الأسباني. سجل ميسي الموسم الحالي 26 هدفا لبرشلونة في الدوري الأسباني وثمانية أهداف في دوري الأبطال وهدفا في كأس ملك أسبانيا وهدفين في كأس السوبر الأسباني ، ومثلهما في كأس العالم للأندية. ولكن اللاعب لايزال بحاجة إلي لقب وحيد يجعل منه أسطورة جديدة، وهو لقب كأس العالم ، حيث يقود اللاعب منتخب الأرجنتين في كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا خلال الفترة من 11 يونيو إلي 11 يوليو المقبلين قبل أن يحصل علي قسط من الراحة استعدادا للموسم الجديد. لا عزاء لبيليه و مارادونا أثبت ميسي محدودية الصفات التي تكفي له: أرقام خيالية، و"هاتريك" وراء الآخر، وألعاب أشبه بعالم الفيديو "بلاي ستيشن"، طرح معها الأرجنتيني سؤالا تاريخيا مثيرا في سباقه خارج حدود الزمن مع المدير الفني لمنتخب بلاده الأسطورة دييجو مارادونا وأسطورة البرازيل الجوهرة السوداء بيليه. وعلق حارس المنتخب الإسباني المعتزل"سانتياجو كانيزاريس" علي أداء نجم برشلونة "الحقيقة أن ميسي الآن أصبح شيطانا". وقال خوليو مالدونادو أشهر المعلقين بقناة "كانال بلوس" وأحد أكثر عشاق المدير الفني الحالي لمنتخب الأرجنتين: "لم أكن أعتقد أنني قد أقولها في حياتي، لكنني بدأت أتساءل إذا ما كان ميسي أفضل من مارادونا". أما خوان لابورتا رئيس نادي برشلونة فلم يعد يسأل نفسه هذا السؤال، رغم أن ناديه تألق في صفوفه من قبل الجناح الهولندي يوهان كرويف ومارادونا نفسه:"أعتقد أن ميسي هو أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم العالمية". وغامر الظهير البرازيلي داني ألفيس الذي يتقاسم مع الأرجنتيني قيادة الجبهة اليمني الهجومية بالقول:"إنني لا تساورني أية شكوك في إمكانية مقارنته بمارادونا، وميسي لا يزال لديه الوقت لتقديم المزيد، لأنه صغير السن. بالتأكيد سيكون أعظم من مارادونا". وقال المدير الفني لسرقسطة خوسيه أوريليو جاي:"لم يعد لدي صفات. لا أعرف إذا ما كان لاعبا من كوكب آخر أو ماذا، لكنني عدت اليوم إلي مشاهدة مارادونا في أفضل صوره". أما الصحف الإسبانية ، فابتعدت عن تلك المقارنة لتصب اهتمامها علي ازدهار "عصر ميسي". وقالت صحيفة "الموندو ديبورتيفو": "عندما يمر بعض الوقت، سيتم تذكر كل ذلك علي أنه عصر ميسي. وسيكون وقتها من المميز أن يقول المرء لقد عشت عصر ميسي. برشلونة لديه أفضل لاعبي العالم، وجماهير برشلونة تستمتع بذلك". ولم تخجل صحيفة "سبورت" من إغداق المزيد من المديح علي نجم التانجو:"إنه الأفضل في كرة القدم علي مستوي العالم حاليا، كائن راقٍ يمنحه لعبه تألقا أكثر من الآخرين، وهو الصانع الأول وراء أفضل برشلونة علي مر التاريخ. قادر علي الظهور في كل مكان وتقديم كل المهارات. كل ذلك وأكثر هو ميسي، المبدع والمنقذ في برشلونة". حتي صحافة مدريد لم يكن بمقدورها سوي الاعتراف بالمهارات الكبيرة لميسي، حيث قالت صحيفة"أس": "إننا أمام لاعب خارق، وعندما يكون لاعب من هذه النوعية في حالته فإنه قادر علي الفوز بالمباريات وحده". درس في التواضع يتسم ميسي بصفة يفتقدها معظم لاعبي العالم ألا وهي التواضع، حيث يرجع اللاعب الأرجنتيني الفضل دائما في جميع الانتصارات إلي الفريق وزملائه ومدربه، حتي وإن كانت تصريحاته تحمل قدرا كبيرا من الدبلوماسية. فالجميع رأي ما حدث أمام أرسنال في لقاء كانت صعوبته ستتضاعف علي أبناء جوارديولا في حال غياب ساحره الأرجنتيني، حتي وإن وضعت مكانه أي لاعب أخر تريده. وبسبب تواضعه الشديد وأدبه الجم أعاد اللاعب الأرجنتيني الفضل في الفوزالي زملائه ومدربه. ونأمل أن تكون تصرفات ميسي بمثابة رسالة للاعبين المصريين الذي يفتقد معظمهم ثقافة التواضع فعندما يتألق لاعب أو يحرز هدف وليس بطولة يعتقد فجأة أنه أفضل لاعب في العالم ويتحفنا بالتصريحات المستفزة والأمثلة علي ذلك كثيرة ولا داعي لذكر أسماء.. وليس اللاعبين المصريين فقط انما معظم لاعبي العالم وعلي رأسهم كريستيانو رونالدو، الذي لا يمتلك نصف مهارة ميسي أو عشر أدبه وأخلاقياته.