اليوم.. الأوقاف تفتتح 10 مساجد بالمحافظات    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    فلسطين.. تجدد القصف المدفعي الإسرائيلي على المناطق الشرقية لدير البلح وسط قطاع غزة    خالد جلال: مدرب الترجي يعتمد على التحفظ    هيثم عرابي: فيوتشر يحتاج للنجوم.. والبعض كان يريد تعثرنا    انتهاء الموجة الحارة.. الأرصاد الجوية تكشف حالة الطقس اليوم    عائشة بن أحمد تكشف سر العزوبية: أنا ست جبانة بهرب من الحب.. خايفة اتوجع    هشام ماجد: «اللعبة 5» في مرحلة الكتابة.. وهذه قصة صداقتي مع شيكو    وفاة إيراني بعد سماعه نبأ تحطم مروحية رئيسي، والسر حب آل هاشم    بايدن: لن نرسل قوات أمريكية إلى هايتى    وزير خارجية السعودية يبحث هاتفيًا مع رئيس وزراء فلسطين الأوضاع فى الضفة وغزة    السفير رياض منصور: الموقف المصري مشرف وشجاع.. ويقف مع فلسطين ظالمة ومظلومة    بوتين يصل إلى بيلاروس في زيارة رسمية تستغرق يومين    تمنحهم رعاية شبه أسرية| حضن كبير للأيتام في «البيوت الصغيرة»    كسر محبس مياه فى منطقة كعابيش بفيصل وانقطاع الخدمة عن بعض المناطق    وليد صلاح الدين: لدىّ ثقة كبيرة فى فوز الأهلي بأفريقيا وهدف مبكر يربك الترجى    الزمالك ضد فيوتشر.. أول قرار لجوزيه جوميز بعد المباراة    منتخب مصر يخسر من المغرب فى ربع نهائى بطولة أفريقيا للساق الواحدة    سيد معوض يكشف عن روشتة فوز الأهلي على الترجي    وفد قطرى والشيخ إبراهيم العرجانى يبحثون التعاون بين شركات اتحاد القبائل ومجموعة الشيخ جاسم    إصابة 5 أشخاص إثر حادث اصطدام سيارة بسور محطة مترو فيصل    «حبيبة» و«جنات» ناجيتان من حادث معدية أبو غالب: «2 سواقين زقوا الميكروباص في الميه»    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 24 مايو 2024    متحدث الوزراء: المجلس الوطني للتعليم والابتكار سيضم رجال أعمال    تشييع جثمان شقيق مدحت صالح من مسجد الحصرى بعد صلاة الجمعة    أصداء «رسالة الغفران» في لوحات عصر النهضة| «النعيم والجحيم».. رؤية المبدع المسلم وصلت أوروبا    الهندية كانى كسروتى تدعم غزة فى مهرجان كان ب شق بطيخة على هيئة حقيبة    كاريكاتير اليوم السابع.. العثور على مومياء أثرية ملقاة بالشارع فى أسوان    سورة الكهف مكتوبة كاملة بالتشكيل |يمكنك الكتابة والقراءة    يوم الجمعة، تعرف على أهمية وفضل الجمعة في حياة المسلمين    شعبة الأدوية: التسعيرة الجبرية في مصر تعوق التصدير.. المستورد يلتزم بسعر بلد المنشأ    الصحة العالمية تحذر من حيل شركات التبغ لاستهداف الشباب.. ما القصة؟    وفد قطري يزور اتحاد القبائل العربية لبحث التعاون المشترك    سعر الدولار مقابل الجنيه بعد قرار البنك المركزي تثبيت أسعار الفائدة    بعد تثبيت الفائدة.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 24 مايو 2024    المعمل الجنائي يفحص آثار حريق داخل محطة تجارب بكلية الزراعة جامعة القاهرة    مقتل مدرس على يد زوج إحدى طالباته بالمنوفية: "مش عايزها تاخد دروس"    إخفاء وإتلاف أدلة، مفاجأة في تحقيقات تسمم العشرات بمطعم برجر شهير بالسعودية    «الوضع الاقتصادي للصحفيين».. خالد البلشي يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    استقالة عمرو أنور من تدريب طنطا    يمن الحماقي: أتمنى ألا أرى تعويما آخرا للجنيه المصري    افتكروا كلامي.. خالد أبو بكر: لا حل لأي معضلة بالشرق الأوسط بدون مصر    «صحة البرلمان» تكشف الهدف من قانون المنشآت الصحية    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الحصول على العضوية الكاملة تتوقف على الفيتو الأمريكي    حظك اليوم برج الحوت الجمعة 24-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. فرصة للتألق    حظك اليوم برج الجدي الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حزب الله اللبناني يعلن استهدف جنود إسرائيليين عند مثلث السروات مقابل بلدة يارون بالصواريخ    إصابة فتاة إثر تناولها مادة سامة بقنا    خبطة في مقتل.. تفاصيل ضبط ترسانة من الأسلحة والمخدرات بمطروح    أسعار الدواجن البيضاء في المزرعة والأسواق اليوم الجمعة 24-5-2024    "فوز الهلال وتعادل النصر".. نتائج مباريات أمس بالدوري السعودي للمحترفين    لمستخدمي الآيفون.. 6 نصائح للحفاظ على الهواتف والبطاريات في ظل الموجة الحارة    «فيها جهاز تكييف رباني».. أستاذ أمراض صدرية يكشف مفاجأة عن أنف الإنسان (فيديو)    انتهاء فعاليات الدورة التدريبية على أعمال طب الاسرة    انعقاد الجلسة الخامسة لمجلس جامعة الدلتا التكنولوجية    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال    ما حكم سقوط الشعر خلال تمشيطه أثناء الحج؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    رجل متزوج يحب سيدة آخري متزوجة.. وأمين الفتوى ينصح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



5 أغنيات فقط لمبارك في 30 عاماً..عندما تصبح فرحة الشعب تهمة
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 08 - 04 - 2010

البعض اعتبر أغنية شيرين نفاقًا.. فماذا عن 70 أغنية غناها عبدالحليم لناصر والسادات؟
لا يهتم رئيس تحرير «الدستور» بسيكولوجية الغناء الوطني ويعتبره نوعاً من «النفاق» لأنه لا يدرك أن مردود هذه الأغاني ليس لتبييض صورة الرئيس فهو لا يحتاجها وإنما لترسيخ مبادئ الحب والترابط بين فئات الشعب بأسلوب متحضر يمسح مرارة القلق والتوتر التي خيمت علي النفوس خلال أسبوعين تمت فيهما العملية الجراحية، مخطئ من يدعي أنه لم يكن يقلب صفحات الجرائد بحثاً عن خبر أو كلمة تؤكد الحالة الصحية للرئيس، ومن منا لم يتابع الأخبار في الفضائيات ليشاهد التقرير المصور للرئيس مع أطبائه في ألمانيا ومن منا لم يتابع لحظات عودة الرئيس ونزوله من علي سلم الطائرة ومعه السيدة قرينته كلنا تفاعلنا مع الحدث بلا قيود ولكن أن يتم ذبح المطربين والفنانين علي مقصلة رئيس تحرير «الدستور»، فهذا أمر مبالغ فيه، لأن الرئيس مبارك خلال مشواره ومنذ عام 1981 وعلي مدار 30 عاماً لم تتجاوز الأغنيات الخاصة خمس أغنيات أشهرهاً «اخترناك» عام 2005 في حين أن عبدالحليم حافظ غني 7 ألبومات لعبدالناصر والسادات بمعدل 70 أغنية في 20 عاماً، وكانت بعض الأغاني تصرح باسم عبدالناصر جهاراً نهاراً وعندما غني عبدالحليم أغنية «عاش اللي قال» بعد انتصارات أكتوبر أراد أن يذكر في كلماتها اسم السادات والذي رفض ذلك لأن النصر باسم كل العرب ولم يقل أحد أن عبدالحليم منافق لأنه يغني لرئيس تلو الآخر ولم تقاطعه الجماهير ولم يفتعل أحد ضجة كبيرة مثلما تفعل «الدستور» وبرامج التوك شو ضد شيرين عبدالوهاب مع أن الأغنية لاقت ترحيباً من الجمهور ولم يلتفت أحد للرسالة التي تحملها في كلماتها التي تقول:
رئيس وأب وقلب كبير إرادة صلبة وعمره ما خاف كلنا من غير ما نقصد جينا من غير اتفاق مصر عايزة اللحظة دي.. مصر عايزة الانتماء..
ولا يقلل من صدق الأغنية أنها من إنتاج قطاع الأخبار في التليفزيون المصري مادامت تخدم الصالح العام، فقد كسبنا عملاً فنياً متميزاً لأننا شعب يسجل أحداثه التاريخية ويؤرخها بالغناء، ففي كل مناسبة منذ قيام ثورة يوليو والأغنية تفسح لنفسها مكاناً في المشهد السياسي وأغنية شيرين رصد دقيق لخمسة عشر يوماً من حياة الشعب المصري ولكن برؤية شاعرية ولحن حميم لا يخلو من مذاق شعبي ونزعة ملحمية من التراث المصري القديم وخاصة في المقطع الذي يقول:
«لما قالوا إنك في شدة.. شوفت صورة أبويا فيك.. نفسي أطير وفي ثانية واحدة.. امد إيدي المس إيديك.. ريسنا.. ريسنا.. ده إحساسنا».
الأغنية تستمد قوتها من دفء التعبيرات العامية والتي تذكرني بالأجواء العاطفية التي غناها المصريون لأبطاله القدامي مثل «قولوا لعين الشمس ما تحماشي» وغيرها من الأغاني التي تقترب من قلوب الناس وأجمل ما في الأغنية أنها ترصد الجانب الإنساني في شخصية الرئيس والذي لا يختلف عليه إثنان كما أن مطلعها يتحدث بلغة الجموع الشعبية «نتلم.. بنقلق.. بنهتم.. وبينا محبة وعشرة ودم.. وبندعي ونقول يارب».
مبارك آخر الزعماء التاريخيين وأول من يتسامح في حقه الشخصي
فهل يغضب رئيس تحرير «الدستور» من هذا الإجماع الشعبي علي سلامة الرئيس ، «الأغاني والتهاني» في عرفنا وسيلتان للتواصل بيننا كما أنهما مؤشران جيدان علي أن الرئيس مبارك يحتفظ برصيد هائل في بورصات قلوبنا واستفتاء جماهيري يصل إلي الرئيس مبارك، رغم أن كل كلمة في الأغاني الموجهة إليه لا تفي بقدره ومكانته فهو آخر الرؤساء التاريخيين في عمر المنطقة وأول من يتسامح في حقه الشخصي عن طيب خاطر إلا أنه لا يتسامح في حق بلده، فقد ظل 4 سنوات كاملة يفاوض إسرائيل علي كيلو متر مربع في طابا وعندما تذكر الأغنية أنه صاحب الضربة الجوية التي صنعت الانتصار فهذا لم يكن اعتباطاً لأنه أشرف علي 6 آلاف طلعة جوية ضد مطارات إسرائيل خلال أسبوعين وهذا يدل علي ضآلة الأغاني والتهاني لأنها لن تفي بحقه ولكنها تسجيل صوتي للدور الذي قام به فمن بين هذه الأعمال القليلة تبقي أغنية عمرو دياب وهي تتويج لكل هذه الأغنيات لأنها تقوم علي دعم الروح الوطنية في النفوس لدرجة أنك تشعر أنها تتحدث عن كل عاشق لهذا الوطن ومحب له وتقول كلماتها:
«اللي ضحي لاجل وطنه.. لاجل ما يعود النهار واللي اسم مصر دايماً.. كان له دايما طاقة الانتصار
اللي حلمه حلمنا.. واللي فرحه فرحنا
اللي نهر النيل بيجري جوه دمه ودمنا.. يبقي واحد مننا».
والأغنية التي كتب كلماتها د.مدحت العدل ولحنها عمرو دياب تعني في مضمونها الكثير لأنها تلخص مصر في كلمتين وذلك عندما تقول: «مصر إيه غير الأصالة والقلوب الطيبين».
وتبقي لنا كلمة وهي أن الرئيس مبارك عندما هنأ نجيب محفوظ في عيد ميلاده عام 2005 في كلمة مكتوبة أكد خلالها علي أن الكاتب الحق هو الذي يدافع عن المبادئ التي سعت المجتمعات الإنسانية لتحقيقها عبر تاريخها الطويل وأهمها قيم التسامح النابذة للغلو والتطرف، وهذا هو الجوهر الذي يعبر عن شخصية الرئيس فما أحوج كتابنا لهذه المبادئ التي يتخلون عنها في أول طريق.
«الأغاني والتهاني»: استخفاف بوضع مصر السياسي
مقال رئيس تحرير «الدستور» «الأغاني والتهاني» نموذج لصحافة تخلط الحابل بالنابل وتستمد قوتها اليومي من المغالطات والتلاعب بأوراق التاريخ فلا تدقق في اختيار التشبيهات ولا تلقي بالاً لما تثبته من هجوم بل تقيم لنفسها مباراة في التخبط علي شاكلة «خدوهم بالصوت» وذلك لأنني عندما قرأت كلمات الكاتب الذي أكن له كل احترام وتقدير شعرت أنني في «كودية زار» لا مجال فيها للعقل والمنطق وإنما للاستخفاف والتنكر والتضليل أولاً: الاستخفاف بوضع مصر السياسي في المنطقة ودورها كرمانة ميزان في الشرق الأوسط وخطورة أن يصاب رئيسها لا قدر الله بأي مكروه في ظل ظروف عالمية وإقليمية تكاد «تعصف بالشعوب» ولو كلف رئيس تحرير «الدستور» نفسه قليلاً واستعرض 30 عاماً من حكم الرئيس لعرف أن وجوده بيننا كان صمام الأمان الذي أنقذنا من مؤامرات سياسية دخل إلي مصيدتها رؤساء آخرون وراح ضحيتها صدام حسين وشعب العراق ودمرت بسببها المؤسسات والبيوت في لبنان، لكن مصر لن تكون بفضل حكمة الرئيس مجالاً للتلاعب بها لأن قائدها يفطن دائماً لما يعترض طريقة من فخاخ وهمية ومؤامرات محبوكة يتجاوزها بعقله وذكائه، لذلك كان حرص المصريين علي الاطمئنان علي صحته والشعور بالرضا لعودته فهذا معناه أن يسير البلد الآمن المطمئن في اتجاهه الصحيح ولا يصبح ورقة خفيفة في مهب الريح، هل يتمني رئيس تحرير «الدستور»أن تعود مصر إلي عصر الضحك علي الذقون وتهيئة الشعب للعيش في الأوهام والزهو بالانتصارات الزائفة كما حدث في 1967 أم يريد أن تكرر مصر عهد التحولات المفاجئة والقفزات غير المحسوبة والارتداد من النقيض إلي النقيض كما حدث في 1979، إن عصر مبارك ليس هذا ولا ذاك لأنه يضع الحقائق علي رءوس الأشهاد بكل الواقعية وبكل ما لديه من صراحة ومنطق أصيل جعله يكتسب مصداقيته أمام شعبه وأمام العالم الخارجي فهل إذا واجهه المرض ألا يكون ذلك مقلقاً لشعبه ومؤثراً في منظومة الاستقرار الخاص بالمنطقة كلها؟!
مقالات رئيس تحرير «الدستور» تقول إنه صانع كلام وليس كاتبًا مفكرًا
إن نظر رئيس تحرير «الدستور» لهذا الأمر بالاستخفاف يدل علي أنه صانع للكلام وليس مفكراً يرصد أبعاد موقف سياسي له نتائج ومضامين ولا أريد أن أتطرق إلي مصر التي ترتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل والعصف بهذه الاتفاقية يمكن أن تكون له مردودات كثيرة تقلب الأمور رأساً علي عقب ولولا وجود الرئيس مبارك بعد اغتيال السادات لما كان لأحد أن يتوقع ما كانت ستؤول إليه الظروف، فقد تسلم الرئيس الحكم عام 1981 ومعاهدة السلام لم تنفذ بعد والمرحلة الثالثة من انسحاب إسرائيل من سيناء لم تتم، واستطاع أن يحافظ علي المكاسب السياسية التي حققها السادات رغم ارتفاع بعض الأصوات في إسرائيل التي تقول: «إن السلام كان بين إسرائيل ورجل قد رحل»، ولكن الرئيس مبارك حقق معادلة صعبة لا يقوم بها إلا هو وهي إعادة العلاقات العربية والاستمرار في خيار السلام ودعم القضية الفلسطينية لتفرض حضورها داخل الواقع الإسرائيلي علي الأرض المحتلة بما يعني تطويق الاطماع الإسرائيلية، وهو الأمرالذي لم تفلت منه إسرائيل حتي الآن، رغم الألاعيب الصهيونية خلال حرب غزة الأخيرة التي كان الهدف منها توطين الفلسطينيين في سيناء ليكون حل القضية علي حساب إحدي الدول العربية وهو ما فطن إليه الرئيس مبارك وقام باحباط خطته علي كل المستويات.
الأمريكان لم يسخروا يومًا من رموزهم
مقال رئيس تحرير «الدستور» مثل الطبل الأجوف لا يعكس مضمونا فكريا سواء في مظهره أو في باطنه ولا يصدر إلينا إلا نزعة تهكمية في واقع ثقيل الظل لا يخلو من الهموم السوداء.
هذا التهكم الذي يزهو بالسخرية لا يليق بكل الأعباء التاريخية التي تحملها مصر فوق رأسها ولا يتناسب مع كل التغييرات الهادرة لموازين القوي في العالم، مما يدعو إلي التأمل والتفكير، وليس التشدق بالعبارات الرنانة، والجمل الطنانة، والاستظراف.
لأن الاهتمام الشعبي والإعلامي والفني بصحة الرئيس جاء علي نفس القدر من أهمية دوره السياسي، أما إذا كان رئيس تحرير «الدستور» لا يريد الانتباه لقيمة هذا الدور وتأثيره في الخارج والداخل فإنه يذكرني بالمرشال عتريس الذي كان يجوب شوارع الحسين في الأربعينيات وينسج من بنات خياله بعض القصص والتخيلات ويضفي عليها نوعا من الفخامة والالقاء يجعلك تشعر بأنك تسمع كلاما موزونا لكنك ما أن تفكر فيه حتي تكتشف أنه يتحدث لمجرد الحديث، وهذا ما يمارسه رئيس تحرير «الدستور» في مقاله «الأغاني والتهاني» لأنه أورد العديد من المغالطات لا تتفق مع المنطق ولا تتسق مع العقل بدءا من اعتبار مصر دولة تعيش في القرون الوسطي وتساؤله عن الفرق بين ما يحدث للرئيس في 2010 وما كان يحدث لأي قيصر من القياصرة منذ مئات السنين؟
ولو سمح لي الكاتب الساخر صاحب الرأي أن أوضح له الفرق وهو أن عصر الرئيس مبارك هو عصر الحرية وإذا لم تكن هناك حرية وديمقراطية لما استطاع أن يواصل مقالاته وهو آمن مطمئن لا يخشي علي نفسه ولا علي معتقداته فلا قيصر ولا كسري ولا الخليفة الأموي ولا العباسي كان سيسمح له بأن يتطرق بأحوال الأمة وتطال انتقاداته شخوصهم وأسرهم وتفاعل الشعب معهم، ولا يوجد واحد منهم كان سيصدر قرارا جمهوريا بالعفو عن أحد الصحفيين، بعد أن حكمت عليه المحكمة بالسجن مثلما فعل الرئيس مع رئيس تحرير «الدستور».
ولو عاش هذا الكاتب في ظل هؤلاء لعرف الفرق ولفهم أن هامش الحرية الذي منحه الرئيس مبارك للصحفيين كان من أجل خدمة البلد وليس ترك مصالحها والتحدث عن أغنية «شيرين» أو جعل المقالات الصحفية مجرد اسكتشات كاريكاتيرية تتطرق إلي التقارير الاستراتيجية وتتخيل في أسلوب فج ما الذي يدور علي مائدة الرئيس؟
أين الثقل السياسي الذي يتعاطي به رئيس تحرير «الدستور» مع أهم الملفات المحيطة بمصر في المنطقة أم أنه سعيد كل السعادة بكلام المصاطب ويستقي مؤشرات مواقفه السياسية من جروبات «شباب النونو» علي الفيس بوك.
ألم يلتفت الكاتب إلي أن هولاء الشباب الذين لا يتعدي عددهم طاقم الإعداد في جريدته وهم يلوحون بمقاطعة شيرين قد خرجوا من جلودهم بدءا من الارتماء في أحضان الثقافة الغربية والنزعات الماركسية ومرورا بكتابة اللغة العربية بحروف لاتينية إلا أننا نختلف عنهم لأننا مصريون قلبا وقالبا وتحكمنا عادات وتقاليد شرقية تسيطر عليها مشاعر التسامح والخوف علي بعضنا.
فنحن نهتم بمريضنا حتي يشفي وغائبنا حتي يعود، والغناء جزء أصيل من تكويننا النفسي والاجتماعي، وهذا هو سر ترابطنا وتلاحمنا علي هذه الأرض ومقارنتنا بالشعب الأمريكي نوع من العبث.
فلا يوجد في أمريكا شخص قبطي يفقد حياته لإنقاذ فرد مسلم من الغرق لأن هذا شأن مصري خالص يحمل علامة «صنع في مصر»، ولا يوجد في أمريكا أناس يودعون رئيسهم بالغناء مثلما حدث في جنازة عبدالناصر، فهذا أيضا ملمح بارز من طباعنا وهو أن نصطف كلنا عندما يعود فرد منا إلي مستقره ومستودعه.
فكيف يريد رئيس تحرير «الدستور» أن يجعلنا مع الأمريكيين في خندق واحد ضاربا بمشاعرنا الوطنية عرض الحائط وكأنه مقرر لجنة قطع الألسنة.
وكيف يصادر علي حريتنا ولم يصادر أحد علي حريته، أليس ذلك نوعا من الشطح الإعلامي السمج واللخبطة غير المقبولة.
كما أنه لا حق له في سلب صفة «الأب» من الرئيس الذي أصبح تعداد سكان مصر هو الضعف تقريبا للعدد الذي كان عليه منذ أن تولي الحكم، أي أنه تولي مسئولية شعبين ولا أحد يمكن أن ينكر أنه أرسي مبادئ إنسانية كثيرة في التعامل مع كل الأمور وعبر بنا إلي بر الأمان. فلسنا السودان الذي يتصارع شماله مع جنوبه ولسنا لبنان في معاركه الطائفية ولسنا العراق في تفككه الداخلي.
ولسنا الجزائر في تخبطاتها السلفية الدموية، ولسنا سوريا في عزلتها، وإنما نحن أسرة واحدة تضم كل الألوان والأشكال وعلي رأسها الأب الذي يجنب أسرته كل المهاترات.
وقد شعرت بمرارة فقد الأب وعشت هذه التجربة وأعرف تماما ما الذي يعني أن يكون الأب الكبير ورئيس مصر في ظروف صحية تتطلب منا الدعاء والمثابرة والمؤازرة الوجدانية، صحيح أن الرئيس لا يريد منا شكورا، ولكن عروق النخوة والشهامة المصرية لا يمكن أن تموت.
وبدلا من أن نوجه الشكر والامتنان إلي شيرين وأيمن بهجت قمر علي مشاعرهما النبيلة نجد بعض الأقلام تحاول أن تسيء إليهما وتطالب بمقاطعة كل فنان يحافظ علي علاقته بالنظام وكأنها دعوة للهمجية والانفلات السياسي والإعلامي لا تعكس روحا متحضرة ولا سلوكا راقيا في الوقوف يدا واحدة لمواجهة التحديات المستقبلية، فما الذي سنستفيده من شق الصفوف وقلب طاولة الالتحام والترابط، وبذر الضغائن بين القلوب؟
الغريب أن رئيس تحرير «الدستور» يري في الاحتفاء بسلامة الرئيس نوعاً من الاستبداد والتخلف السياسي مع أن الدول التي استشهد بها في مقاله تضع مبدأ الانتماء لوطنها ورموزه علي أولويات اهتماماتها.
فالأمريكان الذين يستشهد بهم لا يقبلون أن تسخر من سياساتهم أو رموزهم بأي حال من الأحوال ويبحثون سبل دعم هذا الانتماء بكل ما يملكون من طاقة لو اختل هذا الميزان لما استمرت أمريكا متحدة في 50 ولاية وأقول للكاتب الكبير لكل شعب طريقته في التعبير عن مشاعره فلا يخلو منزل في أمريكا من العلم الأمريكي بل نجد صور أوباما مطبوعة علي «تي شيرتات» الأمريكان.
ومن هنا يتضح أن الولاء للرئيس ليس ولاء لشخص وإنما لكيان حضاري يمثل وجود البلد نفسه في أصدق تعبير وهذا دليل علي أن التخلف السياسي هو أن تقلل من مشاعر الانتماء لتفكك وحدة الشعوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.