في تعاملها مع المنطقة خلال فترتي ولاية الرئيس السابق جورج دبليو بوش طرحت الدبلوماسية الأمريكية مفهوم الشرق الأوسط الكبير الذي مثل في جوهره امتدادًا لفكرة الشرق الأوسط الجديد التي طرحها شيمون بيريز منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، وكانت في جوهرها مدخلا للالتفاف حول قضايا الصراع بين إسرائيل وجيرانها العرب علي الأرض من خلال خطط طموحة للتعاون الاقتصادي، وعلي غرار المشاريع الأمريكية السابقة التي استهدفت تطويق الخطر الشيوعي، جاء المشروع الجديد من منطلق مواجهة خطر الإرهاب وتشكيل جبهة موحدة في مواجهة مراكزه الرئيسية، وبصفة خاصة دول محور الشر في المنطقة وعلي رأسها إيران بعلاقاتها المميزة مع سوريا وصلاتها القوية بكل من حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية حماس. وفي هذا الصدد يجدر التذكير بأن المحاولات الأمريكية الرامية لتشكيل تكتل عربي تحت المظلة الأمريكية للتصدي لإيران، قد اصطدمت بمطالبة الدول التي اصطلح علي تسميتها بدول الاعتدال بضرورة النظر إلي الصراع مع إسرائيل باعتباره مصدر الخطر الرئيسي علي المنطقة وليس إيران، التي يلزم إدارة نزاعها مع الغرب بالطرق الدبلوماسية. وعلي الرغم من تلاشي هذا المشروع بمغادرة الرئيس السابق للبيت الأبيض، فإن قمة سرت الأخيرة أعادته إلي الأذهان، وإن كان ذلك من منظور عربي يستند إلي رؤية استراتيجية متطورة لمستقبل المنطقة وعلاقات مكونها العربي بعناصرها الفاعلة الأخري بهدف استثمار العوامل التاريخية والجغرافية لتحقيق المصالح المشتركة في مواجهة الأطماع والأخطار والتحديات التي تواجه المنطقة برمتها بما في ذلك مخاطر الحروب الإقليمية التي دار الحديث عنها في الفترة الأخيرة. وإذا كانت قمة سرت قد شهدت طرح العديد من الأفكار حول مستقبل العمل الجماعي من قبيل إنشاء «الاتحاد العربي»، فقد كان لافتًا للانتباه المقترح الذي تقدم به أمين عام الجامعة والمتصل بإطلاق منطقة جوار عربي تضم دولا أخري شرقًا وجنوبًا، وهو المقترح الذي يستحق الدراسة في ضوء الاعتبارات التالية: 1- إن الدول العربية تقف حاليا في مفترق الطرق فيما يتصل بطريقة التعاطي مع المواقف الإسرائيلية في وقت لا تبدو فيه في الأفق أي مؤشرات علي التقدم في الاتجاه المنشود. وإذا كان القرار النهائي حول الخيارات التي يمكن اللجوء إليها في حالة انهيار عملية التسوية برمتها مازال حبيس المشاورات العربية، فإنه من الواضح أن أي توجه مستقبلي عربي يحتاج إلي مساندة ودعم قوي من قبل أطراف مؤثرة في الاقليم أولاً، ومن خارجه ثانيا. 2- إن تركيا، وهي المرشح الأول لتشكيل نواة هذا التجمع، تتمتع بعلاقات جيدة مع الأطراف العربية كافة، ولها من المواقف المعلنة ما يضعها في مقدمة الفاعلين المؤيدين للحقوق العربية، وانطلاقا من هذه الحقيقة، يصبح توظيف هذا الموقف من خلال قنوات محددة وواضحة أمرًا مهمًا يضيف بعدًا مهما ليس فقط لكونه إقليميا ولكن أيضًا إسلاميا. 3- تعلن إيران عن مواقف مؤيدة للحقوق العربية الفلسطينية، بل وتتبني خطًا متشددًا يصل إلي حد التشكيك في أحقية دولة إسرائيل في الوجود بالمنطقة، كما أن لهاعلاقات مميزة مع عدد من الدول والقوي العربية، وبالرغم من وجود المخاوف والشكوك من التوجهات الإيرانية وما يثار حول مخطط «الهلال الشيعي» أو هدف «تصدير الثورة» إلي الخارج، فإن التعامل الموضوعي مع مثل هذه التهديدات المحتملة أو المتصورة قد يكون أكثر فعالية وشفافية في إطار حوار فعال وجاد بين الأطراف العربية والنظام الإيراني، في ضوء، حقائق الجوار الجغرافي والانتماء المشترك للعالم الإسلامي، فضلا عن التأييد للحقوق العربية، يضاف إلي ذلك أن من شأن هذا الحوار أن يكشف بجلاء عن حقيقة النوايا الإيرانية تجاه المنطقة أو يعيد تشكيلها بما يخدم المصالح المشتركة، خاصة فيما يتصل بالقضاء علي شبح الخلافات والصراعات الطائفية التي عاد شبحها ليطل برأسه علي المنطقة ليهدد أسس العيش المشترك بين مكوناتها المختلفة. 4- إن مبادرة الأمين العام للجامعة لم تكن بمعزل عن التوترات والمخاوف العربية تجاه الجار الإيراني، وهو ما دفعه إلي طرح أسلوب التعامل التدريجي من خلال إطلاق حوار عربي إيراني للنظر في القضايا العالقة، بما يعنيه ذلك من فتح الطريق أمام إيران لإعادة حساباتها وتقييم مواقفها بل وربما تصحيحها خاصة من القضايا التي تهم وتقلق بعض الأطراف العربية، في إطار حسابات متأنية وعقلانية للمكاسب والخسائر. 5- علي خلاف المبادرة الأمريكية التي استحوذت علي الانتباه خلال العقد الأول من القرن الحالي، تبدو مقترحات الأمين العام للجامعة العربية أكثر موضوعية وتناغما مع المصالح العربية، فهي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن توصف بأنها انعكاس لضغوط خارجية، بل تنبع من رؤية عربية خالصة للتحديات التي يلزم التعامل معها، وأولويات التحرك في مواجهة الأخطار التي يتم تصنيفها وفقا لمعايير موضوعية، فضلا عن تعظيم القدرات للتأثير الفعال في مجريات الأمور. 6- يظل احتمال اندماج إسرائيل في المنطقة بشكل كامل غير وارد من وجهة نظر عربية جماعية، بل إن مضمون المقترح، في صياغته الأولي، يترك الانطباع بأن الرابطة المزمع إنشاؤها قد تكون موجهة في الأساس ضد المواقف الإسرائيلية، التي يمثل رفضها قاسما مشتركا بين الدول الفاعلة في المنطقة، خاصة أن تلك السياسات والممارسات والتي تعكس رؤية إسرائيل لنفسها علي أنها «دولة فوق القانون»، تجعل منها في نظر الدول المجاورة لها «دولة خارج القانون» تعيق جهود تحقيق السلام والاستقرار والأمن في المنطقة. 7- إن من شأن الرابطة الإقليمية المقترحة أن تزيد من الخيارات المتاحة أمام العالم العربي في مواجهته المصيرية حول مستقبل القدس، في ضوء هجمة التهويد الشرسة التي تواجهها، وفي تعاطيه مع خطر إطلاق تسابق تسلح نووي بين أقطاب المنطقة، بل إنه يمكن النظر إليها علي أنها أداة جديدة يمكن توظيفها في إيجاد تسوية سلمية للملف النووي الإيراني وتجنيب المنطقة خطر مواجهات عسكرية جديدة، تدفع إسرائيل في اتجاهها للتغطية علي قضايا مصيرية تهم كل من العالم العربي والإسلامي بما في ذلك إيران.