عن دار "مدبولي" صدرت منذ أيام الطبعة الثانية من الرواية الفائزة بجائزة "نجيب ساويرس" للأدب "الدكتورة هناء"، الراوية ريم بسيوني أهدت روايتها إلي "كل مصري يعشق" بغزارة، ويكره بغزارة، ويأكل الحلويات الشرقية".. كما تهديها إلي "كل امرأة شرقية تمسك بالقلم لتكتب قصتها، أيا كان نوع القلم، فلها شرف المحاولة". تبدأ الكاتبة التي تعمل أستاذة للأدب واللغة بجامعة يوتا بالولايات المتحدة، الرواية بفقرة تصف من خلالها حال بطلة الرواية تقول فيها: "هناك أيام في حياة الإنسان تمر في هدوء ورتابة، وهناك أيام تمر في نشوة عارمة، وأيام تمر في ضيق وكسل، وأيام ربنا يكفينا شرها، وكان هذا اليوم بالذات يبدو كئيبا، طويلا كأيامها الماضية، وبصفة خاصة لأن هذا يوم عيد ميلادها الأربعين". ببساطة، وبمهارة وجرأة ودون عناء أو تكلف في رسم تفاصيل الشخصية، تكشف الكاتبة مصير بطلة الرواية "الدكتورة هناء" تلك الفتاة الخيالية، التي كان لديها منذ 20 عاما، ما جعلها تقسم بأن تدعو زوجها للاحتفال بعيد ميلادها الأربعين، وأقاربه، وأصدقاء أولادها، وكل الضباط وكل الموظفين، وكل ربات البيوت، وكل من له سلطة اتخاذ القرار، وكل من يملك مصيره بيده، وكل من يصنع قدره، وكل العمال والفلاحين.. "وعندما جاء اليوم، كانت وحيدة، وحدة تضيق منها القطط البرية، في بيت امرأة عانس". رغم هذا فإن "هناء" كما تحدث نفسها مستقبلها واضح وطريقها مرسوم بدقة، هي في التاسعة صباحا ستذهب لزيارة أستاذتها التي أصيبت بجلطة خفيفة، ثم تحاول مقابلة رئيس القسم، قبل أن تجهز نفسها للسفر غدا إلي المؤتمر العلمي في أمريكا، وقبل السفر تتمني أن تدق علي رأس عبد الحميد، سكرتير الدكتور سامي رئيس القسم بمطرقة، حتي تري وتشعر بدمائه علي يديها وأنفها وعينيها، كان يقول لها بلهجة الحاكم بأمر الله يوم أن منع الملوخية وحرق شوارع القاهرة: يا دكتورة قلتلك الدكتور سامي مشغول، لكن غطرسة رئيس القسم الذي طلب منها تصحيح 500 ورقة امتحان لمادة لم تدرسها قبل أن يوافق علي سفرها تربكها، كما يربكها عيد ميلادها الأربعين، وفي شقتها التي ورثتها عن والديها، ستفكر دون أن تتذكر كيف كانت قبل 40 عاما، إنها عندما تتزوج ستقيم احتفالا كبيرا، تدعو له الدكتور سامي، رئيس القسم، وسكرتيره عبد الحميد، وأخاها، وأختها، والبواب، ونجاة الشغالة. تتحدث الكاتبة في أغلب صفحات الرواية عن شخوص الرواية بلغة الماضي، "هناء" كانت قوية وتعشق التحدي والانتصار، شجاعة تتخذ خطوة المبادرة، وخالد تلميذها الذي أغوته كان قبل تلك الليلة طالبا مثاليا، وكان مطيعا، وكان خدوما، ومتدينًا، وترفض"هناء" رشوة البواب بعشرة جنيهات كي يتوقف عن ابتزازها بهمهمات تؤكد أنه يعلم، "إذا كان عليها في هذا البلد أن تشرح نفسها للبواب، فإنها ستذهب غدا إلي مكان أكثر تحضرا، في أمريكا حيث يعيش رامي زميلها وحب حياتها". تتطرق الرواية دون الخوض في التفاصيل لحياة رامي في أمريكا، الذي كان هادئا، ومترددا، وخجولا، هو أيضا أستاذ جامعة، دس دبلة زواجه في أحد أصابعه ونساها للأبد، ليس سعيدا، بل هو أقرب للتعاسة، زوجته تكره أمريكا كما تكره أمه وهو كما قال "علي تحمل أمريكا وزوجتي وأمي". تتعمق الكاتبة في حنايا الشخوص وتقلباتها ومشاعرها وعشقها وطموحها، وتعكس في 10 فصول من 311 صفحة من القطع المتوسط، الصراع بين الولاء والنساء والرجل والمرأة، والحرية والعدالة والديمقراطية.