الأمر لا يحتاج لتأكيدات، لكن رداً علي الاستفزازات الاسرائيلية الأخيرة ، أكد محسن ربيع مدير الآثار اليهودية بالمجلس الأعلي للآثار خلال حواره معنا أن الآثار اليهودية الموجودة في مصر هي آثار مصرية ونحن أحق بالحفاظ عليها فهي ليست شبهة كي نتحاشي الحديث عنها.. ونفي أن تكون سفارة اسرائيل بالقاهرة قد تقدمت بطلبات للمشاركة في ترميم الاثار اليهودية وأشار الي أن احترام أحكام القضاء المصري كان السبب الرئيسي في تراجع المجلس الأعلي للآثار عن تسجيل قبر أبو حصيرة كأثر. هل هناك حساسية في التعامل مع الآثار اليهودية في مصر؟ - لابد أن نتفق علي أن الآثار اليهودية أثار مصرية ولا يصح أن نقول لا علاقة لنا بها طالما أنها يهودية.. كما كنا ننظر قديما للآثار الفرعونية علي أنها أوثان ومجموعة من المساخيط وليأخذها من يشاء حتي أصبحت متاحف العالم ممتلئة بالآثار المصرية، هل يصح هذا الكلام؟ ولماذا نتعامل بهذا المنطق مع الآثار وهل نتعامل بذلك مع الإنتاج السينمائي والفني الذي أبدعه فنانون مصريون عاشوا وماتوا يهودا مثل داود حسني هل نقول لا علاقة لنا به ولا نسمعه ونشاهده طالما أنه من إنتاج يهود حتي لو كانوا مصريين؟ لابد أن يكون لدينا وعي واضح بهذه المسألة. كم يبلغ عدد الآثار اليهودية الموجودة في مصر؟ - 10 معابد مسجلة، 9 في القاهرة وواحد في الإسكندرية، و5 معابد غير مسجلة وهناك المقابر اليهودية في القاهرة والاسكندرية وليس لها عدد محدد لأنها عبارة عن مساحات منها مقابر جماعية وأخري علي هيئة أحواش، المسجل منها فقط حوش موصيري في البساتين، واليهود كانوا منتشرين في كل المدن والمحافظات وكان لهم معابد ومقابر ومع الوقت اندثرت ولم تعد موجودة وبعضها ظل مهدما ومهجورا لسنوات طويلة والطائفة اليهودي معابدها لم تعد تقام فيها الصلاة فباعت العديد منها. ولماذا لم يتم تسجيل 5 معابد؟ - لأنها لا تحتوي علي أي عناصر معمارية وأثرية مميزة، مجرد حوائط وجدران ولا توجد فيها زخارف أو أي أشياء تستحق التسجيل والقانون يقول العمر الزمني 100 عام ويستثني من ذلك أي مبني مميز أو له قيمة تاريخية والمعابد غير المسجلة لا تتوفر فيها هذه الشروط مثلها مثل كثير من المساجد والكنائس غير المسجلة. هناك شكاوي أن المعابد والآثار اليهودية في مصر لاتحظي بالاهتمام؟ - هذا الكلام غير صحيح ويقال إما لعدم دراية أو لأغراض أخري ،بدليل أن المعابد بعضها تم ترميمه والآخر يجري الترميم به حاليا والباقي مدرج ضمن خطة المجلس للترميم مثله مثل باقي الآثار، نحن لا نستطيع أن نعمل في ترميم الآثار كلها في كل مكان في وقت واحد،الترميم يتم وفقا لخطة محددة مسبقا. وماذا عن مطالب بعض الجهات الخارجية بالمشاركة في ترميم المعابد والآثار اليهودية؟ - نحن لا نتعامل مع الأثر اليهودي بمعيار مختلف عن بقية الآثار المصرية بأنواعها المختلفة ويحكمنا في التعامل معها قانون حماية الاثار ونطبقه عليها جميعها، الاسلامي مثل اليهودي مثل المسيحي مثل المصري،ومن يريد تقديم مشروع ترميم أو صيانة للآثار، يقدمه للمجلس الأعلي للاثار ويبحثه ولابد أن تكون جهة علمية معروفة ولدينا بعثات أجنبية كثيرة تعمل في ترميم الآثار. لا أقصد بعثات لكن اسرائيل مثلا؟ - لم تتقدم أي جهة خارجية بمشروع لترميم الآثار بما فيها اليهودية، كما أن المجلس الأعلي للآثار يهتم بالآثار اليهودية علي قدم وساق وبنفس مقدار اهتمامه بالآثار الاخري، بدليل إدراج المعابد اليهودية في الترميم، بن عذرا تم ترميمه وتجري له صيانة دورية، معبد شعار هاشامايم رمم في ذكري مئوية بنائه العام الماضي،معبد "القرائين- موشي درعي" في العباسية يرمم حاليا وموسي بن ميمون تم الانتهاء منه، حوش موصيري تم ترميمه والصيانة تتم له بصورة دورية، الترميم والصيانة مستمرة ومن يدعي غير ذلك يتحمل مسئولية ادعائه. ولماذا لا تستجيب الآثار لمطالب اليهود المصريين مدعومين بجهات خارجية بانشاء متحف لآثارهم في مصر؟ - هذا الطلب طرح بالفعل وتكرر عدة مرات خلال الفترة الأخيرة، ربما شعور اليهود أن أعدادهم قلت كثيرا جدا في مصر والمعابد الخاصة بهم ومنذ فترة طويلة لا تقام بها العبادات والشعائر اليهودية، وهم يرون أن الأشياء الموجودة داخلها طالما أن لا أحد يتردد عليها، توضع في متحف، لكن المجلس كان له رأي آخر أعلنه "د.زاهي حواس" فهذا الموضوع له جوانب أخري يجب مراعاتها خاصة فيما يتعلق بالرأي العام وارتباطه بالأحداث الجارية الخارجية ولابد من حل القضية الفلسطينية وتحرير فلسطين كي نستجيب لمثل هذه المطالب والرأي العام والاعلام لهما دور في هذا. هل عدد الآثار اليهودية الموجودة في مصر يكفي لانشاء متحف؟ - ممكن تكون جزءًا في متحف أو قسم في أحد المتاحف المصرية وكما قلت المسألة لها أبعاد أخري ويجب أن توضع في الاعتبار حتي قبل التفكير في مناقشتها لا الموافقة عليها. هل مثل هذه المطالب وراءها أغراض سياسية؟ - السياسة دي عالم تاني،خليني انا في الاثار،عاوز أقول ان الاثار اليهودية دي أثار مصرية ،والمعبد اليهودي من بناه ،يهود مصريون، هذا أثر مصري في بلدنا وعلي أرضنا، هذا ملك مصر ولا علاقة لذلك بمن هم خارجها ومحافظتنا عليه نابعة من مصلحتنا في الحفاظ علي تراثنا القومي والتاريخي. ماذا عن أوراق الجنيزا وما يثار حولها من جدل؟ - كان من عادة اليهود قديما أن يحتفظوا بالأوراق والكتب القديمة خاصة الدينية والتي أصبحت تالفة ولا تصلح للاستخدام وطبقا لمعتقداتهم يدفنوها في مقابر خاصة بها، كلمة الجنيزا تعني الدفن، وأحيانا يضعونها في حجرة بأحد المعابد مثل معبد بن عزرا بمصر القديمة وهي والذي عثر فيه علي آلاف الأوراق والكتب والقصاصات وهي المجموعة الاشهر والأهم في العالم كله لأنها ظلت قرونا طويلة محتفظة بخصائصها حتي اكتشفها عالم الدراسات اليهودية البريطاني شختر عام 1896 ومصر في ذلك الوقت كانت تحت الاحتلال الانجليزي واستطاع هذا الرجل نقلها الي جامعة كمبريدج وأخذت شهرة كبيرة لأنها كانت تضم مجموعة كبيرة من الأوراق اليهودية القديمة التي كانت تحتوي علي كل ما يتعلق بالحياة اليومية لليهود الذين عاشوا في مصر، زواج وطلاق وعقود البيع والشراء وغيرها، وتمثل رصدا للتاريخ المصري لأن اليهود سجلوا فيها حياتهم من جميع النواحي و تفيد الدارسين والباحثين في التاريخ والدين اليهودي واللغة العبرية، تسجل الحياة غير الرسمية بعيدا عن حياة الملوك والرؤساء وجوانب كثيرة لم يسجلها التاريخ الذي كان يهتم بالنواحي الرسمية. ألم تكن هناك محاولات لاستعادتها مرة أخري؟ - في ذلك الوقت للأسف كان الاهتمام بالآثار كلها بصفة عامة ضعيفًا جدا، لم يكن هناك وعي ولا قوانين سواء عند الناس ولا مسئولين، وكان ينظر لمثل هذه الاشياء علي أنها شأن ديني خاص باليهود ولا يجب التدخل فيه. هل هناك أماكن أخري بها أوراق جنيزا؟ - حوش موصيري مسجل كأثر وبه مقبرة كاملة للجنيزا ،وقد قام المجلس الاعلي للاثار بعمل مشروع في الثمانينيات لاستخراج نماذج منها ودراستها بالاشتراك مع معهد الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة وتم نشر نتائج هذه الدراسات، وأوراق الجنيزا التي تم استخراجها من المقبرة محفوظة الآن في دار الكتب والوثائق القومية. اليهود المصريون بالخارج زعموا أن تلك الوثائق تثبت أن لهم ممتلكات تركوها في مصر وروجوا لشائعات عن تهريبها وسرقتها لهذا السبب؟ - لم يحدث هذا أبدا والمرة الوحيدة التي شهدت خروج الجنيزا كانت عام 1869، أما بخصوص أملاك اليهود، من يمتلك أوراقًا وإثباتات لدينا حكومة وقضاء يفصل فيها، وهناك الكثير من اليهود الذين عاشوا في مصر يرغبون في الحصول علي كل ما يتعلق بالتاريخ اليهودي، إلا أن هذه آثار مصرية ولا توجد أي دولة تسمح أن تعطي ممتلكاتها الثقافية والتاريخية لمن هم خارج حدودها، نحن نحافظ علي تراثنا أيا كان نوعه. قبر أبو حصيرة أثار ضجة بالمولد الذي يقام فيه، هل تم تسجيله كأثر؟ - القبر حاليا ليس أثرا، المجلس كان قد سجله كأثر وتراجع عن ذلك بعد صدور حكم محكمة بوقف تسجيله. وما هي الشروط التي دعت المجلس الي تسجيله؟ - كونه أحد النماذج للمقابر اليهودية ومحط اهتمام تاريخي بجانب المدي الزمني حيث يرجع تاريخ انشائه الي عام 1882م أي أنه تجاوز ال100 عام الذي حدده قانون الاثار لتسجيل الاثر، الا أن المسألة ليست تاريخًا وزمنًا بل هناك اعتبارات أخري يجب مراعاتها، فالبعض أقام دعاوي قضائية تفيد تضررهم من هذا القبر لما يثيره زواره من الاسرائيليين واليهود من ضجيج واستفزاز لمشاعر المصريين وطالبوا بايقاف تسجيله كأثر وما كان من المجلس الا الالتزام بحكم القضاء. تتردد أنباء من حين لآخر عن سرقة آثار يهودية وتهريبها للخارج؟ - هذا الكلام غير صحيح تماما لأن المعابد والمقابر اليهودية مؤمنة تماما وعليها حراسة ومفتشو الآثار يمرون عليها بصفة دورية مثل باقي الاثار الموجودة في مصر. وما صحة طلب بعض الجهات الخارجية مراقبة المعابد اليهودية بعد حادثة الانفجار الأخيرة أمام المعبد اليهودي في شارع عدلي؟ - لكننا لم نتلق مثل هذا الطلب، ثم أنني كإدارة آثار يهودية فوقي قطاع ومجلس ووزارة وأؤكد لك أن المعابد مؤمنة تماما ولا نحتاج وصاية من أحد للحفاظ عليها. ترميم الآثار الاسلامية والقبطية جاء علي حساب الآثار اليهودية؟ - بالطبع لا، لكنها مسألة نسبة وتناسب، الآثار اليهودية قليلة ولا تضاهي الاثار القبطية ولا الاسلامية في العدد، كما أن حالة الاثار هي التي تحكم بغض النظر عن نوعه،عندما يكون لدينا أثر علي وشك الانهيار لابد أن نبدأ به، وجميع الاثار تحتاج الي صيانة حتي التي تم ترميمها لابد وأن تجري لها عمليات صيانة دورية، وبالتأكيد لا توجد لدينا قدرة علي ترميم الاثار كلها في وقت واحد، هناك أولويات وخطط نسير عليها. من هو فرعون الخروج؟ حتي الآن لم يعرف من هو،وان كانت آراء ترجح أنه اما رمسيس الثاني أو ابنه مرنبتاح، لكن الموضوع صعب والتهمة سيئة جدا وليس من السهل لصقها بفرعون عظيم مثل "رمسيس الثاني" الذي ترك آثارا عظيمة وحقق انتصارات طالما أننا لسنا متأكدين، واليهود يلصقون هذه التهمة بفراعنة عظام ليشوهوا صورتهم في التاريخ، لذلك يجب أن نكون حذرين جدا في تحديد من هو فرعون الخروج، والاثار المصرية لا يوجد بها أي دليل علي من هو فرعون الخروج، وربما عدم معرفة من هو حتي الان حكمة من الله كي يكون رمزا للحاكم السيئ الذي يضرب به المثل في الظلم والكبر، كما أنه لايوجد أي دليل قاطع علي ذكر يهود بني اسرائيل في الاثار المصرية،ولا شاهد ولا لوحة ولا حجر، حتي اللوحة الموجودة في المتحف المصري وتسمي"لوحة مرنبتاح" التي يتحدث فيها عن انتصاراته، جاء فيها جملة"قضي علي بذرة بني اسرائيل" وهذه الكلمة مشكوك في ترجمتها،وحتي لو صحت، هذا لايعني أن مرنبتاح هو فرعون الخروج. ومطالبات تخصيص قطاع مستقل لكل من الآثار الإسلامية واليهودية والقبطية؟ - هذه مسألة إدارية بحتة ولا علاقة لها بالعمل الأثري الفني، وان كنت أري من وجهة نظري أن التخصص شيء مهم والتقسيم سيؤدي إلي تسريع العمل وسهولته والتغلب علي المعوقات. هل كونك مديرا للآثار اليهودية يسبب لك حرجا؟ - ليس حرجا بالمعني المفهوم وهذا الموضوع يتعلق بوعينا أن هذه آثار يهودية وموقعي كمدير للاثار اليهودية تكليف وعمل لابد أن أنفذه، ودعنا نتساءل من يرممون الاثار اليهودية؟هل هم يهود؟ انهم مصريون مسلمون ،ونحن نحافظ علي هذه الاثار لأنها تراثنا وتاريخ بلدنا. فكرة ضم المقابر اليهودية في البساتين للآثار أحدثت جدلا؟ - زاهي حواس"الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار اقترح هذه الفكرة وتم تشكيل لجنة بحثت الموضوع ووصفت المكان علي الطبيعة وأنه لا يحتوي علي أية عناصر معمارية أو زخارف أثرية مميزة ورأت أنها لا تصلح أن تكون آثارا ورفعت تقريرها الي اللجنة الدائمة للآثار التي أيدت رأيها بعدم الموافقة علي تسجيل تلك المقابر كآثار، والمسجل منها فقط ومنذ الثمانينات هو "حوش موصيري" وسط عدد كبير من مقابر اليهود في المنطقة. في فترة احتلال سيناء زعم الإسرائيليون وجود آثار يهودية فيها.. ماذا عن ذلك؟ - أثناء الاحتلال قام الإسرائيليون بعمل حفائر كثيرة في سيناء واستخرجوا منها آثارا كثيرة كلها تعود لعصور مصرية تاريخية مختلفة ولم يكن فيها أبدا أي آثار يهودية، هذه الآثار عرضت في اسرائيل لفترة ثم استعادتها مصر كاملة.