في اعماق كل مسن.. مأساة حقيقة او صدمة او شعور مميت بالوحدة او عقوق الابناء.. هذه الصدمات قد تكون كفيلة بإنهاء حياة انسان.. ولكنها تتبدد عند دخول هذا المسن لاحدي دور الرعاية فعندها تتحطم كل المآسي علي صخرة الامل.. في ظل المناخ الاسري الذي توفره هذه الدور.. وفي ذلك الوقت فقط يشعر بأنه ليس وحيداً في هذه الدنيا. "روز اليوسف" انتقلت الي دارين للمسنين في عروس البحر والتقت بنزلائهم واستمعت الي ذكرياتهم وتجاربهم وتعرفت علي الخدمات التي تقدم لهم في هذه الدور. رفعت دانيال حنا مدير عام الاتصالات الدوليه سابقا 77 عاماً والذي لم يتزوج يروي قصة اختياره لدار مسنين " أحمس " قائلاً: اخترت بارادتي ان اعيش في الدار وسط الناس وأحضرت معي مكتبتي التي تضم كتبي المفضلة وتبرعت لمكتبة الدار ب370 كتاباً وامارس هوايتي في المشي فترات طويله اما القراءة فهي شيء اساسي في حياتي. وأضاف : بعد بلوغي سن المعاش عملت لمدة عشر سنوات في شركة خاصة ثم استقلت وقررت ان اعيش بحرية فذهبت الي الدار واخذت افكر لمده شهر في قرار الاستمرار بالدار ونقل متعلقاتي الخاصه إليها وبالفعل اقام في الدار باعتبارها فندقاً وليست داراً للمسنين! اما محرم محمود فوزي رئيس مجلس شركة للتكنولوجيا في امريكا 82 عاما فقد قرر ان يترك الولاياتالمتحدة ويعود الي مصر بعد 54 عاماً قضاها هناك بسبب رغبته في ان يدفن ببلده. قال "فوزي" انه يحمل الجنسية الامريكية وتزوج بأمريكيه ورزقه الله بأولاد واحفاد وحياته كانت مستقرة هناك للغايه ويزور مصر لمدة اسبوعين سنوياً مما كان لا يمنحه فرصة للتواصل مع عائلته الكبيرة. وأضاف والدموع تنهمر من عينيه: قرار عودتي الذي اتخذته في عام 2006 كان صائبا ولم اندم علي عودتي لخدمة ابناء عائلتي اما اسرتي في امريكا فأكدت لهم ان قراري لا رجعه فيه ومنذ عام فقط قررت ان اعيش في دار المسنين برفقة شقيقتي التي تقيم في الغرفه المجاوره لغرفتي لان ظروفها الصحيه لا تسمح لها بخدمه نفسها ولذلك لم اشعر ب"الغربة" بعد إقامتي في الدار. ومن المسنات.. قالت علية الحبشي أرمله عميد أمام الكاتب الصحفي بجريدة الجمهورية صاحب العديد من المؤلفات الأدبية ان زوجها توفي بعد حياة زوجية استمرت عشر سنوات وترك لها طفلاً صغيراً وقررت ان تعيش علي ذكراه ولا تتزوج بآخر وتتفرغ لرعاية نجلها الذي اصبح مهندسا كما تمني والده وبعد زواجه بعام واحد توفي نجلها وعمره 27 عاماً لتكون الصدمه الكبري في حياتها. وواصلت "علية" حديثها بصوت حزين قائله: لم اتحمل الاستمرار في شقتي بالقاهره بعد ان شهدت وفاة زوجي ونجلي فتركتها وحضرت للاسكندرية التي ولدت بها وسلمت مكتبة زوجي الضخمه الي الجامعة الامريكيه التي اقامت المكتبه بإسمه تخليداً لذكراه. واضافت: اشتريت شقه في الاسكندرية وعشت فيها لمدة 4 سنوات ثم شعرت بالمرض ولم استطع خدمة نفسي فجئت الي الدار لاعيش وسط صديقاتي وذكرياتي حيث كنت اخرج للنزهة في شوارع عروس البحر ولكن منذ شهور اصبت بألم في ظهري مما منعني من السير. اما الحاجه وديده قنديل 75 عاماً التي انتقلت الي الدار منذ 5 اعوام فتقول ان زوجها توفي في عام 1984 ولم يرزقها اللي بالاولاد وكانت تعمل ناظرة مدرسه وتمتلك مسكنًا فاخرًا في لوران إلا انها فضلت الاقامة في الدار بعد اصابتها بكسر في قدمها واصبحت تعتمد علي الكرسي المتحرك. وعن تفاصيل يومها في الدار اضافت "وديده" : اتناول افطاري في العاشرة صباحا واجلس مع اصحابي واحضر الندوات التي ينظمها الدار ثم انام في الواحدة ظهرا لاستيقظ لتناول الغذاء في الرابعه عصرا ثم اعود للجلوس مع الاصدقاء واصعد الي حجرتي في الثامنه مساء واشاهد التليفزيون واتناول العشاء ثم انام وإذا شعرت بالفراغ اقضي هذه الاوقات في قراءة القرآن والصلاه. وفي دار المواساة للمسنين التقينا بالحاجه فاديه برهان 66 عاماً التي اكدت انها كانت تعمل محاميه في احدي الشركات وتوفي زوجها منذ عشر سنوات ولم تنجب وتركت منزلها لشعورها بالوحدة الشديدة ورفضت الاقامة عند اخواتها خاصة وان كل منهم له حياته الخاصة مما دفعها للحضورالي الدار لتعيش وسط زملائها الذين يحرصون علي الاطمئنان عليها. اما اقسي الحكايات فكانت لضابط طبيب يبلغ عمره 52 عاماً وطلب عدم ذكر اسمه وبدأ في سرد قصته المأساوية قائلاً: اصبت بجلطه في المخ وعمري 40 عاماً نتج عنها شلل في النصف الايسر من جسدي وتم احالتي للتقاعد لعجزي عن اداء العمل بعد حصولي علي كافه مستحقاتي. وأضاف: عندما بدأت انظر حولي وجدت زوجتي لا تقدر حالتي الصحيه ولا تشعر بقسوة احساسي بأنني اصبحت مشلولا وعاجزاً وانا في الاربعين من عمري وبدأت في تناول عقاقير للعلاج تؤثر علي اعصابي وتجعلني اكثر توترا ولم تعد زوجتي والدة طفلتي الصغيرة تتخيل وجودي عاجزاً في الفراش ولذلك فضلت ان اترك منزلي ونجلتي واعيش في دار المسنين منذ سبع سنوات في مناخ اكثر هدوءاً اما نجلتي فتزورني باستمرار.