مصر تتصدر الدول التي تتمتع بأكبر قدر من الحرية!. المعارضة فيها تتمتع بنفس حقوق الحزب الحاكم وتأخذ حقها "تالت ومتلت" وكذلك كل المواطنين بلا استثناء. وظالم كل من يدعي غير ذلك!. وجود نسبة كبيرة من الفقراء لا يعني أنه لا توجد حرية ففي كل البلاد الديمقراطية يوجد فقراء. ووجود نسبة كبيرة من الفساد لا يتناقض مع الحرية بل هو ما يؤكدها عملا بقاعدة دعه يعمل.. دعه يمر. بما خف حمله وغلا ثمنه.. دعه يفتي.. دعه يبلطج.. دعه يبدع دستورا بنفسه ويطبقه. كل في مجاله واختصاصه. لذلك كانت الفوضي الخلاقة التي دعتنا إليها كونداليزا رايس مضحكة تدل علي جهل الأمريكان.فتعدد الدساتير والقوانين والفتاوي دليل صحة وحيوية وحرية. يتمتع الأطباء والمحامون والقضاة والصحفيون ونقابات المهن التمثيلية والسينمائية واتحاد الكتاب وأي نقابة أو تجمع أو رابطة باستقلال تام عن الدستور. وأصغر موظف أو ساعٍ في مصلحة حكومية يتمتع بنفس الحرية والاستقلال عن قوانين ولوائح العمل. يتمتع الاشتراكي والشيوعي والرأسمالي والوفدي والإخواني وكل عضو في حزب مصري أو حزب غير مصري بحرية في العمل حسب دستوره الخاص. مما يجعلنا بلدا يتميز بالتنوع. فالاشتراكي يطبق بنفسه المبدأ الذي يقول (لكل بحسب عمله) ولو كان عمله أسود أو لا يعمل علي الإطلاق. وكذلك المبدأ الشيوعي الذي لم يحققه أحد وهو (لكل بحسب حاجته).وهو وشطارته.وهو مبدأ يستفيد منه الرأسمالي أكثر، فالبحر يحب الزيادة. المواطن في العالم المسمي بالمتقدم مسكين تقيد حريته حدود لا نهاية لها بدءا من الوقوف بسيارته عندما تكون الإشارة حمراء.وانتهاء بالدستور. يا ساتر يا رب!. في حين أن القضاء عندنا له كل الاستقلال في تفسير الدستور أو تغييره أو تطبيقه أو عدم تطبيقه.لسان حال بعض القضاة يقول (دستوري وأنا حر فيه أطبقه وأفرده وأكويه!). المرأة نالت حقها في النقاب كحرية شخصية، ونال الرجال حق إجبارها علي الحجاب كفريضة دينية ، ونالت السافرة حق أن تمشي وشعرها مكشوف إذا استطاعت!. أو كانت قبطية. في كل العالم يخرج البعض عن الدستور والقوانين واللوائح فينال العقاب. لكننا ننفرد بأن كل مؤسسة أو تنظيم تضع دستورا مستقلا عن دستور الدولة. أصدرت الدولة الدستور في القرن الماضي وألغته وأصدرت غيره ثم جاءت سلطة جديدة أوقفت العمل به وقتا ثم أصدرت دستورا مؤقتا ثم دستورا دائما ثم جددته ثم عدلته ثم أضافت إليه وألغت بعض بنوده. مش سلطة؟ تبقي تعمل ما بدا لها!. البعض يطالب الآن بتعديل الدستور المعدل منذ سنوات قليلة. ففي رأيهم ان الحل هو تغيير الحكومة و النظام كله أولا لتغيير الدستور. لكن المشكلة أن مخالفة الدستور ترتكبها الحكومة، وترتكبها المعارضة التي تنادي بالتغيير، ويرتكبها عامة الناس وفي مقدمتهم ما نسميهم بالنخبة. المشكلة إن تخطي إشارة المرور الحمراء قد يشكل مخالفة وقد لا يكون مخالفة بالمرة في تفسير آخر. مثلا بدعوي أنها حرية شخصية.ونحن طبعا نقدس الحرية!. الشواهد تدل أن عندنا أكثر من دستور فمنذ عدة سنوات تصدر المحاكم أحكاما متناقضة عن نفس الفعل فتحكم مرة بالبراءة ومرة بالردة!. منتهي الديمقراطية!. فما فائدة الدستور الجديد طالما أنه لن يطبق علي وجه واحد؟. القضاء بصفته مستقلا يستنبط قوانين مختلفة في كل قضية علي حدة حسب القاضي. مقلدا بذلك كل النقابات وما يشابهها من تنظيمات لا تعرف إن كانت مهنية أم سياسية أم دينية أم ثورية. مثلا نقابة الصحفيين تعتبر جمعيتها العمومية تجب اللي جابوا أبو الدستور. فجمعيتها هي الدستور الذي لا يعلو عليه.خاصة وهو مطاط يكيل بكيلين فتحقق مع البعض ولا تحقق مع أخريين عن نفس الفعل. وهكذا بدلا من القوانين واللوائح أصبح لدينا عدة دساتير بعدد النقابات والتنظيمات. دستور ناصري يدعي الاشتراكية. ودستور رأسمالي طفيلي يدعي الوطنية. ودستور إخواني سلفي وهابي. ودستور رابع يرفض فكرة الدستور نفسه من الأساس!. ودائما الجمعية العمومية هي عنوان الديمقراطية التي هي عنوان الحق الذي جاء ببوش الأب والابن ورؤساء البلاد الاستعمارية وأولهم إسرائيل فلم يعجبنا كل هؤلاء ولكن أعجبنا الحل الديمقراطي عندما جاء بحماس بانتخابات نزيهة أو بعبد الناصر باستفتاءات شفافة!. الحل إذن هو دستور لكل قاضٍ بصفته مواطنا. يضعه بنفسه أو يختاره من برنامج الحزب الذي يميل إليه. الموقف الأخير للجمعية العمومية للمحكمة الدستورية برفض المرأة في القضاء. يتعارض مع رأي قضاة آخرين. باختصار عندنا قضاة فتح وقضاة حماس كنتاج لسياسة التمييع الذي بدأته حكومات متعاقبة لم تشأ تغيير الدستور حتي لا تفتح علي نفسها فتحة. حسنا الدستور في التطبيق تغير.. ويتغير.. وسيتغير فيتم إلحاقه بجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحت سمع وبصر الحكومة ودون أن يتغير حرفا منه. القاضي بشر يمكن أن يفسد وبعضهم في السجون بالفعل. وأول ما يخطر علي البال إذا اتفق رأيه مع الحكومة أنه ينافقها.وقد حدث من قبل. لكن لماذا لا يكون القاضي الآخر ينتمي لحكومة أيضا مقرها طالبان باكستان مثلا؟!. كان للمافيا الإيطالية قضاة يحكمون لصالحها. وكان المرشد العام للإخوان المسلمين يوما قاضيا، وكان من أوائل من اغتالته جماعته قاضيا حكم عليهم!. قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة بتأجيل عمل المرأة بالقضاء يعني انتظارا منها أن يكون من بين المرشحات للقضاء منقبة.ولا عجب فلا بد أن من بين القضاة من هو منقب وإن كان لا يريد أن يكشف عن وجهه.. الآن علي الأقل. يبقي ملايين المصريين الذين من حقهم أن يصلهم الدعم فنعترف لكل مواطن بحقه في دستور خاص به والأولوية لمن نال شهادة الحقوق من جامعة مصرية وبدرجة مقبول إن كان ابن قاضٍ!.