ستة كتب دفعة واحدة، نحن إذن أمام تجربة مكتملة ومختلفة للكاتبة والمحامية أميرة بهي الدين، مختلفة في أسلوب الطرح المترابط، الذي قدم لنا عدة تجارب إنسانية في أشكال متنوعة ما بين المقالات التي تناولت فيها -تقريبا- جميع ما يمكن أن يكتب فيه (سياسة - اقتصاد - قضايا عامة واجتماعية ...إلخ) ونشرت بانتظام في صحيفة "روزاليوسف" اليومية، وبين مدوناتها أو حكاياتها التي حرصت علي تسجيلها علي مدونتها، التي تتخذ منها نافذة تتواصل منها مع قرائها ومع نفسها، وتمارس من خلال مشاغباتها الكتابية.. منحت أميرة بهي الدين الأجزاء الثلاثة من مدوناتها التي جمعت بها مقالاتها في روزاليوسف منذ بداية إصدار الصحيفة وتحديدا بداية من العدد الرابع في أغسطس 2005، عناوين فرعية هي: "أنا والوطن وخمسون عاما" و"طبعا ذنب الحكومة" و"نفسي الدنيا تصالحنا"، وعن تجربة الكتابة لروزاليوسف تقول: لمقالاتي في روزاليوسف قصة طويلة كبيرة، تحتلني منذ مراهقتي وشبابي، بدأت بحلم وردي عشته كواقع حقيقي بكل تفاصيله، سأكون كاتبة في "روزاليوسف"، هذا ما كنت أتمناه لنفسي، والمستقبل الذي حلمت به، لكن مسار حياتي تغير بدخولي كلية الحقوق... وعندما أتاحت لي الأقدار أن أنضم لزمرة كتاب تلك الجريدة عن طريق صدفة محضة لم أتوقع حدوثها أبدا، صرعتني الفرحة لحظة تحقق العلم وتحوله لحقيقة، فسطع قوس قزح ملون في حياتي".. وبالفعل لونت كتاباتها بألوان "قوس قزح" واختارت لمدونتها الاسم نفسه، فأمسكت بجوار قلمها بفرشاة صبغت بها ما تكتب، فقدمت لنا لوحة كبيرة، صبغت فيها الهم العام ومشاكل السياسة باللون الكحلي، وهموم الناس وأوجاعهم باللون الأزرق، وعن كل ما يخص "تاء التأنيث" باللون الموف البنفسجي، ومنحت الذكريات والأحداث العامة والخاصة لمسة صفراء، ولم يكن هناك مفر من تلوين الأحزان والغضب باللون الأسود، والمساحات الخاصة كان من نصيبها اللون الأخضر، والفنون والإبداع قوة وحضور البرتقالي، والعنف المجتمعي اللون الأحمر، أما الوطن فمنحته لونا جديدا أبدعته وأضافته لقائمة الألوان.. لا يعتمد علي العين فقط لتمييزه، وإنما يحتاج معها لإحساس مرهف وهو: الأبيض المزركش بالبهجة والدفء.. ومن قراءة مقالات "قوس قزح" نكتشف أن الرغبة القديمة في الكتابة لم تكن نابعة من فراغ أو مجرد حلم لا يملك مقومات تحقيقه، إذ نري أنفسنا أمام كاتبة راقية الأسلوب، محددة الهدف والمعني، تتناول قضايا سياسية جافة ومعقدة بأسلوب لا يخلو من الروح التي تبثها بها من خلال استخدامها للغة أدبية تنطق بالحكم والأمثال الشعبية وأبيات الشعر والمأثورات، فلم تخرج مقالاتها تقليدية، بل خرجت حسب تعبيرها في مقدمة أول الأجزاء الثلاثة: "وشمت كل المقالات علي اختلاف مواضيعها ببصمة روحي أنا".. عندما وصفت مدونات أميرة بهي الدين في البداية بأنها تجربة مكتملة ومختلفة، كنت أقصد بالاختلاف تلك الجرأة التي تحلت بها عندما أخرجت هذا العدد من الكتب دفعة واحدة، حتي لو كانت نصوصها ومادتها منشورة من قبل علي الإنترنت، فإن جمعها في نسخة ورقية ونشرها في وقت واحد، لهو مغامرة ممتعة، قد تربكك بعض الوقت، لكنك في النهاية ستصل إلي كشف الطريق الأمثل لقراءتها وتصنيفها وستزداد متعتك عندما تكتشف أن كلا من هذه الكتب يرتبط بالآخر ويؤدي إليه بشكل من الأشكال، فتجد نفسك في النهاية أمام حالة بوح متسارعة الإيقاع، متلاحقة الموضوعات، تنهمر عليك كشلال فتولد داخلك طاقات الأمل والحب والفرح والنشاط.. أما مدونة "الشوارع حواديت.. سيدة محترمة دخل إليها من نافذة الحلم"، فتضعنا وجها لوجه أمام شكل من أشكال السرد الذي يحيلنا إلي موهبة أخري من مواهب الكاتبة، تنقل من خلالها عددا من تجاربها الإنسانية،خاصة تلك التي لا تتوافر تفاصيلها الخاصة والدقيقة سوي لمحامية تمر عليها قصص حقيقية تنافس خيال أكبر المتخيلين، كل ذلك من خلال أسلوب قصصي ينم عن قدرة كبيرة علي الحكي ولغة سهلة غنية لم تستعص علي السرد، ولم يستعص السرد عليها. وفي مدونتها "يااامااا دقت علي الراس طبول"، التي جاءت في جزأين: "روج أحمر لامع" و"الرقص علي نغمات الهزيمة المعتادة"، احتفت أميرة بهي الدين فيها بالحرية.. حريتها في الكتابة بعيدا عن أي قيود فقالت: أنا براحتي وبحريتي ... لا أشعر بعبء الكتابة إطلاقا، لست مقيدة بميعاد للنشر يطاردني أحدهم بسببه، لست مهددة بتعليمات الرقابة، لست أفكر في رأي الناشر...، أكتب كما يحلو لي وقت أحب، لست مقيدة بموضوع، بطريقة كتابة، بمضمون، بشكل، بترتيب، بسياق أو بأطر...". استمتعت بحرية الكتابة علي الإنترنت، فكتبت كأنها تتحدث بصوت عال، فنغمت كلماتها كأنها تنطقها فقالت "يااامااا" بكل هذه الحروف الممدودة التي لا تتيح كتابتها سوي حروف لوحة المفاتيح التي تستجيب للانفعالات لتكرر ما يتوقف عليه أصبع الكاتب. كتبت فيها كما قالت: بحرية وفرح وحزن وبهجة وشجن بعقل بجنون، لن أخجل من البوح، حكيت عن "العرافة العجوز واليمامة البيضاء" وشكوت من "مدينة لا تكلمني شوارعها"، وشربت معكم "فنجان قهوة" وأخذتكم ل"محطة مصر"... في هذه المدونة... أنا نفسي، وشمت جدرانها بأنفاسي وكلماتي، كل ما أبحث عنه... طمأنينة وونس.