تطالب بعض الدول التي تعرضت للاحتلال في القرون الماضية باعتراف واعتذار الدول التي استعمرتها عن الجرائم التي ارتكبت في حق الشعوب والأوطان، بل تطالب بدفع تعويضات عن الثروات التي نهبت والأرواح التي زهقت، لم تتوقف ليبيا عن المطالبة بالاعتذار والتعويض من إيطاليا ولعلها وجدت بعض التعاطف من السياسيين الإيطاليين، وهذا التعاطف لم تجده الجزائر من الفرنسيين، لقد ألمح الساسة الجزائريون إلي أن هذا الاعتراف ضرورة لتحسين العلاقات بين البلدين وعبروا عن دهشتهم لعدم اعتراف الفرنسيين بقتل 54 ألف جزائري طالبوا بالاستقلال في عام 1945 ولعدم إقرارهم بسقوط مليون ونصف المليون شهيد خلال حرب الاستقلال التي دامت ثماني سنوات 1954-1962، لقد تناولت بعض البرامج الحوارية في الفضائيات هذه القضية المهمة التي تتعلق بفترات الاحتلال التي مرت بها الدول العربية، حيث تبين من خلال المناظرة التي بثتها إحدي القنوات أن هنالك قطاعا من المواطنين صدقوا تصريحات بعض رجال السياسة في أوروبا عندما قاموا بتمجيد الاحتلال الأوروبي، وأشاروا إلي أن هذا الاحتلال لدول أفريقيا وأسيا قد ساهم في نهضة هذه البلاد ولولا هذا الاحتلال لظلت هذه البلاد تعاني من ظلام الجهل والتخلف. من المعروف أن المنافسة الشرسة بين بريطانيا وفرنسا في القرن التاسع عشر والقرن العشرين أسفرت عن احتلال بلاد أفريقية وعربية في المشرق والمغرب، في تلك الفترة كانت بريطانيا العظمي تفرض سيطرتها علي الجزء الأكبر من العالم وتليها فرنسا ثم القوي الأوروبية الأخري مثل إيطاليا وألمانيا، لقد كانت بريطانيا تهتم ببضع دول أفريقية مثل جنوب أفريقيا 1879 ومصر 1882 وفي الفترة من 1890 وبداية القرن العشرين بسطت بريطانيا نفوذها علي السودان ونيجيريا وكينيا وأوغندا، أما فرنسا فقد بسطت هيمنتها علي معظم أجزاء شمال وغرب ووسط أفريقيا ومع بداية القرن العشرين كانت فرنسا تحتل موريتانيا والسنغال وغينيا ومالي وكوت دي فوار وبنين والنيجر وتشاد وأفريقيا الوسطي والكونجو وجيبوتي، أما الدول العربية التي تقع في أسيا فقد تم تقسيمها بموجب اتفاقية سايكس - بيكو في عام 1916 وحسب هذه الاتفاقية، فقد تم تقسيم الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا حيث حصلت فرنسا علي سوريا ولبنان ومنطقة الموصل في العراق بينما حصلت بريطانيا علي بغداد والبصرة في العراق وجميع المناطق الواقعة بين الخليج والمنطقة الفرنسية في سوريا. لا يستطيع عاقل أن يقر بأن الاستعمار جاء إلي بلادنا بهدف النهوض والارتقاء بمستوي الشعوب المغلوبة علي أمرها لذلك لا يمكن أن نأخذ موقف البرلمان الفرنسي مأخذ الجد عندما أشار في فبراير 2005 إلي الدور الإيجابي للاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا، وحسب رؤية البرلمان الفرنسي فإن الاحتلال الفرنسي للجزائر مثلا استمر لمدة طويلة من 1830 حتي 1962 أي حوالي 130 عاما، قام خلالها الفرنسيون بإنشاء الطرق ومد السكك الحديدية وإدخال العملة وتطوير الرعاية الصحية والتعليم، لعل الاستعمار قام بجهد واضح في بناء الجسور والكباري في الدول التي احتلها، غير أن ضحايا الاحتلال يؤمنون بأن هذه الإنجازات أقيمت لخدمة جنود الاحتلال وزبانيتهم. من المؤكد أن الاستعمار كان يسعي لخدمة مصالحه في المنطقة، وكان يعمل علي السيطرة علي الشعوب بهدف الاستيلاء علي مقدراتها وثرواتها الطبيعية لقد كانت بريطانيا تهدف إلي دعم سبل التجارة مع الهند وتعمل علي تأمين منافذها وكانت تسعي للاستيلاء علي خيرات البلاد التي احتلتها، ثروات مثل القطن والنحاس والذهب والماس، لذلك سعت لبسط سيطرتها علي مصر ثم سعت لاحتلال جنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا وأوغندا، أما فرنسا فكانت تتبع استراتيجية تضمن لها البقاء أطول مدة في البلاد التي احتلتها وكانت تضع نصب أعينها استمرار الارتباط بمستعمراتها بعد انتهاء مرحلة الاحتلال المنظمة الفرانكفونية التي تأسست عام 1970 ولبلوغ هذا الهدف فقد سعت فرنسا إلي الثقافة كوسيلة أساسية لعل هذا يفسر سر تأثير الاستعمار الفرنسي علي ثقافة الشعوب التي احتلها، فلم يكن الهدف من احتلال الجزائر والدول العربية الأخري هو مد الجسور والكباري وإقامة المدارس والمستشفيات، بل تغيير هوية شعوبها ولم يكن الهدف من احتلال مصر هو المحافظة علي ثقافتها، كلنا يتذكر عندما احتل نابليون مصر في عام 1879 كان يهدف إلي تحقيق هدفين رئيسيين الهدف الأول هو الهيمنة علي المقدرات الاقتصادية التجارية والزراعية، وأما الهدف الثاني فكان يتمثل في أهمية مصر الاستراتيجية في صراعها مع بريطانيا، الغريب أن هذه الأهداف غير المعلنة اختبأت خلف عباءة العلماء الذين اصطحبهم نابليون إلي مصر حيث ألفوا مرجعا مهما هو وصف مصر كما اكتشفوا حجر رشيد حيث استطاع شامبليون من خلاله أن يفك شفرة الحروف الهيروغليفية ومن حسن حظ المصريين أن الاحتلال الفرنسي لم يدم سوي ثلاث سنوات وإلا لعانت الهوية والثقافة المصرية أشد المعاناة.