لم يستطع الملتقي الثاني لقصيدة النثر، الذي افتتح فعالياته مساء أول أمس بنقابة الصحفيين وقدمته الشاعرة لينا الطيبي، أن يتجاهل حالة الانشقاق التي شهدها مجموعة شعراء قصيدة النثر، وأدت إلي انقسامهم وإقامة ملتقي آخر يعقد باتحاد الكتاب بعد أيام. قال الشاعر عاطف عبد العزيز في كلمة اللجنة التحضيرية: "بذلت اللجنة التحضيرية جهدا كبيرا، فالطعنات جاءتنا من كل اتجاه، في شكل رشوة مقنعة واستخدام المرتزقة وأنصاف الموهوبين، وهنا نشكر نقابة الصحفيين والمؤسسات الأهلية كأتيليه القاهرة وجاليري المشربية، ومجلة شعر ودار ميريت ومجلة الكتابة الأخري ودار أرابيسك، والفنان أحمد اللباد، والمجلس القومي للشباب الذي تدبر إقامة الضيوف ورئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون وغيرهم". وفتحت كلمة "بيان الملتقي" التي ألقاها الشاعر فتحي عبد الله النار علي الجميع بمن فيهم القائمون علي الملتقي فتحت عنوان "صراع الملتقي وجماعات المصالح" قال عبد الله: "تآكلت مؤسسات الدولة الثقافية وأصبحت مجرد أدوات لاستنزاف الثروة واستغلال الجماعة الهشة والمتناقضة لأداء أدوار بسيطة، فجماعات الصراع التي تستهدف الملتقي كثيرة ولا يعني هذا أن الملتقي يمثل قوة ما وإنما هو فعل إيجابي في لحظات التراجع الكبري، وتحول الرموز الأولي إلي أدوات للقمع والتعذيب بطرق أكثر وحشية، وإن كانت أكثر نعومة وفي أشكال تبدو ديموقراطية، ومن أهم هذه الجماعات هي المؤسسة التي استطاعت من خلال الاحتفالات الكرنفالية أن تدمر وتناهض كل التجمعات التي تخلق المعني سواء بشكل مباشر عبر آلياتها المعقدة والمتعددة أو بشكل غير مباشر عبر أطرافها اللينة، ثانيا اليمين بشقيه الديني والمدني لأنه يري أن جميع الأنماط الجديدة في التعبير لا تنتمي لميراثنا الثقافي، وهي نوع من التخريب المتعمد أو التغريب الذي يدمر أشكالنا الخاصة وتطوراتها عبر العصور، وهو ممثل في اتحاد الكتاب، ثالثا الشعراء الذين لم يتحققوا بأي شكل من الأشكال في كل الأجيال والحلقات، فهم يمثلون إحدي جماعات الصراع مع الملتقي وغيره من التجمعات، لأنهم لعبوا أدوارا ثانوية دائما ترتبط بالشعر، وقد وجدوا في هذا الشكل الشعبي والديموقراطي للملتقي فرصة لتحقيق وجودهم إلا أن الملتقي باعتباره بؤرة صراع حقيقي قد زادهم نكوصا وتراجعا بما يتناسب مع مقدرتهم الخاصة، رابعا طبيعة تكوين الملتقي فالقائمون عليه لا يجمعهم إلا الشعر وهم من سياقات اجتماعية ومعرفية متنافرة قد تصل في أحيان قليلة إلي حد التناقض، مما أثر علي توجهات الملتقي خاصة فيما هو سياسي أو إجرائي يتعلق بكيفية الأداء، إلا أن هذه الصيغة المعرضة دائما للانفجار قد دفعت كل العناصر إلي أداء دورها وإن بتوتر شديد أو الاستسلام لما تمليه الجماعة في شكل ديمقراطي". وعبرت كلمة الشاعر منذر المصري في كلمة الشعراء العرب عن استغرابه إذ قال: "شعوري بالغرابة لهذه الدرجة لكل ما أراه يجري حولي، هذا الاحتفاء، هذا التكريم، ماذا يعني إقامةُ ملتقي ثانٍ وثالث لقصيدة النثر، لماذا كل هذه البهرجة، أي منفعة في ذلك!؟ هل صحيح أن قصيدة النثر، الملعونة، اللقيطة، ابنة الحرام، قاطعة الطريق، تصلح ليقام باسمها مهرجانات ومنتديات، هل صحيح أنها قد تكرست لهذا الحد وصار لها معابدُ ومذابحُ وتُقدم لها الأضاحي ككل دين..!؟ هذا يذكرني بتعريف أخرق آخر للشعر، بأنه كالحب وكالله، إما أن تؤمنَ بإلوهيته وتعبُدَه وإما أن تكفر. ولكن بالنسبة لي، وربما أيضاً بالنسبة إليكم، فإننا نؤمن بالشعر ونكفر به في نفس الوقت. وفي كلمة اللجنة الثقافية بنقابة الصحفيين قال علاء ثابت: "في الملتقي الأول أظلتنا رحابة القصيدة، فتوحدنا ولعل البعض قد استكثر النجاح فسعي إلي الاستئثار به ونحن نفتح قلوبنا للجميع". أما كلمة الشعر المصري فقدمها الشاعر عبد المنعم رمضان قائلا: "كنت أعتقد أن الكتابة هي عدم إجبار اللغة علي قول أي شيء بالقوة والشخص الذي يفعل ذلك سيتفوه بالكثير من الحماقات خاصة وهو ما يتجلي في الشعر الذي يرفض فصل الفن عن الحياة وفصل الحب عن المعرفة والرجل عن المرأة ويسعي لتوسيع الحدود ويرفض تمثيل الجديد والقديم والغياب والحضور، ولا يحتاج الشعر إلي لعبة أشكال أو أجيال ينتصر بها علي انصراف الجماهير عنه واضطهاد السلطات له". وتساءل رمضان قائلا: "لماذا الشعراء فقط هم من يسعون ولا يكفون عن السعي وراء استقلالهم عن السلطات ومؤسساتها، لماذا هم فقط من تنظر إليهم السلطات كمثيري شغب كمطرودين من أزمانهم فوجودهم غير مرغوب فيه؟"... والأكيد أنني لا أمثل الشعر المصري، هل يوجد ما يمكن أن نسميه الشعر المصري فالشعر لن يخرج برئتين وقلب وجناحين إذا فقس من بيضة الجنسية". وقدم المترجم والشاعر بشير السباعي كلمة الثقافة المصرية جاء فيها: "التجريب الشعري لم يتوقف، وففي عام 1939 عام نشر "الغرفة الرنانة" للشاعر والرسام فؤاد كامل كان موعدا جديدا مع قصيدة النثر العربية التي سوف تعاود الإطلال في عام 1948 مع نشر قصائد مهمة لشعراء من المحزن أنهم هجروا إلي كتابة الشعر فيما بعد ككامل زهيري، عادل أمين، حسن التلمساني، وغيرهم جاءت التسعينيات لتعلن عودة قصيدة النثر بقوة ولتكرس احتلالها الساحة الأوسع للإبداع الشعري في مصر، لكن ما يجب أن يقال دون مواربة هو أن هذه الموجة حملت زبدا كثيرا لا سيما أن النقد بدا متسامحا أكثر من اللازم أو عاجزا عن قراءة المشهد قراءة صحيحة ومعروف جيدا أن التساهل غالبا ما يكون رفيقا للجهل".