بعد أن تأكدنا أن الخطاب الديني هو الخطاب القادر علي تحريك الجماهير ثم أدركنا أن هذا الخطاب بطبيعته وتكوينه يرفض الآخر حيث يتحدث عن مطلقات ومقدسات ويركز علي الذات ويدعو الآخر للانضمام إليه نأتي اليوم لنجيب عن سؤال مهم هل الخطاب الديني واحد أم عدة خطابات والحقيقية نحن نري أن الخطاب الديني في مصر عدة خطابات نحاول أن نوضحها فيما يلي: أولاً: الخطاب الديني الثائر: وفي هذا الخطاب تستخدم المصطلحات التي تهيج النفوس ضد الفساد والظلم والكفر.. إلخ، وهنا يكون الصوت المرتفع والنبرات المعبرة بحيث يخرج الناس من أمام الخطيب وهم في حالة ثورة ضد البشر الفاسدين والكافرين فإذا بهم يمتلئون حنقاً علي كل من يركب سيارة فارهة ويعتبرونه لصاً وكل من يتبع ديناً آخر ويعتبرونه كافراً فإذا حدث أي نوع من الاحتكاك يكون التدمير. ثانيا: الخطاب الديني الساخر: وفيه يقوم الخطيب بمناقشة عقائد الآخر المختلف بطريقة ساخرة يسفه فيها ما يؤمن به الآخرون المختلفون دينياً ويجعل المستمعين إليه يضحكون هازئين وهنا يتولد نوع من احتقار الآخر بسبب غبائه أو حماقة ما يؤمن به وعند حدوث أي شراره أو احتكاك يخرج هذا الفكر في شكل عنف شديد ضد الآخر وممتلكاته. ثالثا: الخطاب الديني المتجهم: وهذا النوع ليس بتائر فهو يتحدث بهدوء وتؤدة وليس بالساخر فهو يرفض السخرية تماماً لكنه خطاب تجهمي تشاؤمي رافض لكل رأي مخالف له أو رؤية مختلفة عن الرؤية التي يتبناها يعبر عن أفكاره الدينية التي تدعو إلي أن الدين قد جاء يدعو الناس إلي التقشف ومذلة الإنسان وأن أي مظاهر للفرح أو البهجة أو العلاقات الاجتماعية هي من الشيطان بل إن الموسيقي والفنون كلها من عند إبليس لذلك فكل فنان فاسق وكل موسيقي منحرف.. إلخ وهو يشحن النفوس ضد أي مظهر من مظاهر المدنية وضد أي عقيدة مختلفة بأسلوب فظ عنيف. رابعاً: الخطاب الديني الثروي: وهذا الخطاب يركز علي أن الغني من الله وأن الإنسان الذي يغتني فهذا معناه حصوله علي الرضا الإلهي فالغني مكافأة من عند الرب وقد ظهر في الآونة الأخيرة دعاة هم النموذج للخطاب الثروي حيث يرتدون حللاً من أفخر الموديلات العالمية وساعات ذهبية ويشجعون الأغنياء بل يقيمون دورات تعليمية دينية لهم سواء لسيدات المجتمع أو لرجال الأعمال وقد أطلق علي هذه النوعية من الخطاب الديني في الغرب لاهوت الرفاهية حيث ينتقل الدعاة في طائراتهم الخاصة ويسكنون في قصور فخمة وقد نسي هؤلاء أن معظم الأنبياء كانوا من الفقراء وأن جميع الأديان تدعو إلي التقشف المقبول ولا تفرق بين غني وفقير أمام الله فالجميع سواسية وهذه النوعية من الخطابات تدعو الأثرياء لاستخدام أموالهم في إغراء الآخرين للدخول في دينهم مما يصنع نوعاً من الصراع بين أثرياء الوطن وبعد أن كان الأغنياء بعيدين عن التعصب صاروا متورطين فيه. خامساً: الخطاب الديني الرسمي: أو ما يدعونه الخطاب الديني الحكومي وهذا الخطاب يميل كثيراً إلي الاعتدال وإلي الإسلام الصحيح والمسيحية الصحيحة من خلال المؤسسة الكنسية إلا أن هذا الخطاب يفقد مصداقيته بسبب ما يشيع حوله من أنه يحاول تبرير وتمرير قرارات الدولة هذا بالنسبة للخطاب الإسلامي وهو أيضاً خطاب يميل إلي المواءمة السياسية في الخطاب المسيحي وهناك حاجة ماسة لفصل هذا النوع من الخطابات عن الالتصاق بالدولة أو المواءمة مع الدولة والسياسة العامة. سادساً: الخطاب الديني الشعبي: وهذا الخطاب نجده حاضراً بقوة في الموالد الشعبية حيث يختلط الجميع معاً كمسلمين ومسيحيين ففي مولد العذراء تجد مسلمين كثيرين وفي مولد السيد البدوي تجد مسيحيين وهو يتميز بتقديم النذور والتشفع بالأولياء والقديسين وهو خطاب بسيط لكنه بالطبع ساذج ويحتاج إلي تأصيله وتعميقه إن كان قابلاً لذلك فميزته في تلقائيته. في النهاية نحن بلا شك نحتاج إلي خطاب ديني يستطيع أن يحقق قبول الآخر بحسب الفكر الديني الأصيل لكن أمام هذه النوعيات المتعددة كيف يمكن للإنسان المصري العادي الفصل بين الغث والسمين؟ وهل للدولة والإعلام دور في التركيز علي الخطاب المعتدل والشعبي الذي يدعو الناس للتفكر؟! إنه سؤال يحتاج إلي إجابة.