هناك فراغ سياسي واضح علي الأقل بين المهتمين بالشأن العربي.. معظم ما يشغلنا خطوات الإصلاح الداخلي.. وبرغم حالة "الحراك" التي تحيط بنا إلا أن هناك نسبة كبيرة غير منشغلة. وأصبح الاهتمام محصورًا في أزمات وانفراجها. أنا شخصيًا عندما جلست أفكر في مستقبل البلدان العربية وهل سنظل خلال سنوات عمري علي الأقل نستيقظ كل يوم علي مشكلة بين دولة عربية وأخري.. وإيران من حولنا تحاول أن تلعب دورًا علي حساب الأمن العربي، وتركيا تحاول هي الأخري تقديم نفسها للعالم علي أن الشرق الأوسط جزء من مكانتها.. أصبحنا دولاً عربية نلتفت حولنا بريبة، الغريب أن ما نعيشه يؤكد بوضوح تام أن مستقبل المنطقة العربية لم يعد بيد من يعيش فيها، ها هي دول عديدة تتحدث باسم المنطقة ومع الأسف هي خارجها جغرافيا.. لكن السؤال لماذا وصل حال دولنا العربية إلي هذه النقطة التي ضاعت فيها قوتنا؟ لدرجة أن كل دولة عربية لم تعد تهتم إلا بتنمية علاقتها بالخارج.. دون أي تنسيق مع دول عربية أخري باستثناء عدد قليل من المحاور. ما وصل إليه عالمنا العربي بدون شك أمر محزن ومؤلم.. وقد أظهرت مباراة في كرة القدم بين مصر والجزائر ما حدث من تداعيات حولها أن العلاقة بين الدول العربية بعضها وبعض هشة ولا تصمد أمام الرياح حتي البسيط منها.. المواطن في العالم العربي - وأنا منهم - أصبح يعيش في حيرة خاصة تجاه سؤال: ما هو مستقبل العالم العربي؟ أنا شخصيًا أتحدث ببساطة عما أراه أو أشعر به. فالحقيقة المؤلمة أن عالمنا العربي أصبح من أفقر مناطق العالم.. لن أقول إننا أفضل من الصين أو حتي تايوان أو الهند وسنغافورا بل سوف أقارن مع ڤيتنام التي حددت لها هدفا أن تكون أحد النمور في 2020 . عالمنا العربي برغم الموارد والإمكانيات الموجودة في أرضه يعاني من الفقر والجوع والتشرد والأخطر أن مستقبل البلدان العربية غير واضح أو مريح.. بل أزعم أن ما بين بعض الدول العربية والأخري داخل الوطن العربي أكثر تعقيدًا فيما بينها وحتي إسرائيل.. هذه أمور أو مؤشر مزعج جدًا.. ومع الأسف النخبة السياسية في عالمنا العربي تحاول بكل الطرق جذب أنظارنا وأحلامنا إلي أشياء وموضوعات جانبية. لكنهم شغلونا بها حتي لا ننظر إلي ما بعد رغيف العيش والوظيفة ومرور السيارات في شوارع مزدحمة. أنا حزين جدًا علي وضعنا العربي.. ومنزعج علي مستقبل الأمة العربية، وأخشي أن يفقد المواطن العربي كل القيم الجميلة التي يعيش من أجلها. زمان كانت هناك حروب وحركات تحرر ومشاكل اجتماعية وثقافية كان من المهم التفاعل معها.. وقد اختلفت كل المعتقدات.. أصبح العالم يعيش في اكتئاب بعد اختفاء الحرب ومعطيات القوة وتمثيليات الكرامة ولأن السلام عادة ما يكشف الأشياء علي حقيقتها، لذا كانت صدمتنا واضحة عندما علمنا أين نقف؟ وماذا لدينا؟ وما هي عناصر القوة التي نمتلكها؟ وأيضًا التحديات؟ نحن نعيش عددًا من الأزمات نحل واحدة تظهر أخري وهي حياة نمطية عادية في ظل ظروف عالمية فقيرة ارتبطنا بها. الآن لم يعد أحد منا يحلم بالوطن العربي ولا بالعروبة ولا غيرها من الأشياء المهمة التي لعبت دورا كبيرا في عملية التعبئة المعنوية وهي قوة دفع معنوية هائلة لاستمرار حياتنا والتفكير فيما حولنا. أجيب من الآخر.. لا أريد للنخبة أن تطلع علينا بمشروعات قومية علي الورق.. فالحياة علمتنا أن تلك المشروعات لم تعد صالحة. الحل الوحيد الذي أعتقد أننا في حاجة إليه هو الوحدة أو علي الأقل إعلان وحدة عربية بين عدد من الدول ولتكن البداية مصر وليبيا والسودان ثلاثة أنظمة تكمل بعضها البعض.. وهناك احتياج لكل منها لهذا الثالوث.. والشعوب العربية في البلدان الثلاثة لديهم تجارب وأيضا أحلام متقاربة أي أن ما يجمعهم أكبر مما يفرقهم. نحن في حاجة إلي وحدة عربية مدروسة وهادئة ومستمرة.. وأعتقد كما قلت أن البلدان الثلاثة تملك مقومات استمرارها.. مصر تملك مكانة عالمية واستقرارًا سياسيا يتيح للعالم أن يسمعها وحراكًا حزبيا ونظام حكم منح كل من يريد العمل أن يعمل وكل من يرغب في الكلام هو حر.. وإصلاحات اقتصادية وسياسية أعتقد أنها واضحة والأهم القيادة السياسية في مصر تملك من الخبرة ما يتيح لها النجاح في المشروعات التي تقدم عليها بما لها من خبرة ومكانة دولية في ليبيا سوق مفتوح يحتاج لخبرة مصر وفرص اقتصادية جيدة ومؤسسات اقتصادية تحتاج لخبرة المصريين.. والنظام السياسي من السهل أن يحصل علي خبرة مصر والسودان يحتاج لشركاء يتحدثون عنه في الخارج ويساهمون في لم الجراح التي تواجه وحدته.. ويملكون الأرض والتاريخ والرغبة والتطلع إلي مستقبل أفضل لهم ولغيرهم. الوحدة العربية الآن هي الطريق الوحيد لعودة الصفاء لأفكارنا المضطربة ولجذب عيون أولادنا إلي العالم العربي بدلا من التعلق بأوروبا وأمريكا.. شباب العالم العربي في خطر.. فالمشاكل التي يعانون منها أكبر من أي حلول.. والإعلام الآن أصبح يتنقل ما بين العالم حاملا ما يحدث هنا إلي من يعيش هناك أي أننا نعيش وسط قرية صغيرة التجارب تنتقل مع مؤشر التليفزيون. مصر تحمل طول عمرها هموم العالم العربي ومشاكله.. هكذا قرأنا وتعلمنا.. تدافع عنهم.. وهم أمن قومي لنا.. مصر كما قرأت وشاهدت واطلعت هي الأخت الكبري وإذا كانت قد قادت العالم العربي إلي التحرر ولعبت دورا في نجاح حركات التخلص من الاستعمار.. عليها الآن أن تلعب دورا في لم شمل العالم العربي.. وبالتالي إعادة صياغة أفكار شباب العالم العربي.. علي الأقل بزرع أمل من الممكن أن نستيقظ مرة علي تجربة وحدوية مستمرة وأعتقد أن مصر يمكنها أن تلعب هذا الدور.. الشباب في الأفكار العربية لم يعد مهتما بأي شأن عربي ولا بمستقبل أمته.. أصبح لا يعنيه إلا فرصة عمل في أوروبا وهناك تداعيات لهذا التوجه أقلها غياب الانتماء والولاء وحتي الاهتمام بشأن الوطن العربي ككل وبما فيه.. والسؤال: هل يمكن أن نتحرك تجاه الوحدة العربية ولتكن البداية مصر وليبيا والسودان.