من غير المعقول أبدا أن يكون وزير التربية والتعليم الدكتور بدر قد قصد أنه سيعيد مبدأ الضرب إلي المدارس.. والمقصود بمبدأ الضرب طبعا هو أن يضرب المدرس الطلاب.. وقطعا لم يقصد الوزير أبدا أن يقول أن المدرس قد أصبح (ملطشة) منذ منع الضرب في المدارس.. وبالتأكيد فهمنا خطأ عندما تخيلنا أن الدكتور بدر يربط ضياع هيبة المعلم بغياب مبدأ ضرب التلميذ.. لأنه يعلم علم اليقين أن هيبة المعلم لم تكن مرتبطة قط بتسلطه بالضرب أو بدرجات أعمال السنة أو بغير ذلك من أدوات التسلط علي الطالب.. والمعروف لدي الجميع مدرسين وأولياء أمور بل وحتي التلاميذ الصغار أن هيبة المعلم كانت ولا تزال تعتمد علي صفات وميزات محددة لا تتصل إطلاقا بالضرب.. فالمعلم ينبغي أن يتوافر لديه غني في جانبين رئيسيين لا يحل أحدهما محل الآخر وهما: غني المعرفة وغني الشخصية.. والمقصود بالمعرفة هنا هو توافر المعلومات الكافية عن المادة العلمية التي يقوم المدرس بتعليمها للطلاب.. وهي الميزة التي توافرت لدي معظم معلمي سيادة الوزير الذين كانوا قد تخرجوا من كليات متخصصة في العلوم والآداب واللغات ولديهم كفاءة عالية في تخصصاتهم. أما الجانب الشخصي الذي ينبغي أن يتوافر لدي المعلم ينطلق من أساسين هما القدرة علي تبسيط المعلومات ومتابعة الشرح والتأكد من وصول المعلومات للطالب - وهي قدرة متفاوتة من شخص لآخر وتساعد الدراسة التربوية علي صقلها.. والأساس الثاني هو قوة الشخصية واجتماع الحزم بحب العطاء والقدرة علي إدارة الفصل ليس بالقسوة بل بفرض الشخصية وبقوة صاحبها وبإحساس الطالب بالاحترام لأبوة هذا المعلم. كان المعلم الذي تتوافر فيه هاتان الميزتان لا يفقد احترامه ولا هيبته أبدا.. لأن الطالب ينتظر منه المعلومات والشرح والتوجيه ويتخذ منه قدوة في الشخصية والسلوك والعلم.. أضف إلي هذا أن المعلم - وهي مشكلة المشاكل الآن - لم يكن يعمل بالدروس الخصوصية.. أي لم يكن يقبض جزءًا من راتبه من والد الطالب.. ولم يكن الطالب يعتمد علي مدرس خصوصي ويستهين بمعلم المدرسة الذي لا يحتاج إلي معلوماته. أما الحال الآن فهو عبارة عن مدرس غير مؤهل علميا ولا شخصيا يبحث عن درس خصوصي.. ومدرس آخر مؤهل ولكنه لابد أن يدخل هو الآخر سوق الدروس الخصوصية لأنه منافس جيد.. وطالب جيد أو غير جيد يبحث عن الشرح الذي لا يجده في المدرسة بل لدي المدرس الخصوصي.. وأولياء أمور كل همهم ألا يظهروا بصورة المقصرين أمام أبنائهم وبالتالي يفضلون الدروس الخصوصية وكأنها حصن الأمان للأبناء مهما كانت التكلفة ومهما كانت ظروفهم المادية. وبالتالي إذا عاد الضرب للمدارس سوف يقوم الطلاب بضرب المعلم وسوف يحرر آباؤهم محاضر للمدرسين ويقفون إلي جانب أولادهم حتي ولو كانوا مخطئين.. الضرب ليس هو السبب في فقدان الهيبة، فقدان الهيبة هو السبب في التطاول علي المعلم.. لابد من العقاب ولكن ليس بالضرب.. وينبغي أن يكون العقاب جزءًا من النظام.. فأين هو النظام؟