أغمض الممثل القدير عينيه للمرة الأخيرة، ولم تكن أيام ما قبل الرحيل إلا انتظارًا لتلك اللحظة التي يُسدل فيها ستار النهاية، فقد ضاق بالدنيا وضاقت به. حاصرته جيوش الاكتئاب والشعور بالغربة والوحدة، ولم يعد في الحياة ما يغري بالمقاومة والطموح إلي الاستمرار. في الثامن والعشرين من يناير سنة 1984، وعن عمر يناهز الخامسة والسبعين، فقدت السينما المصرية فارسها المتمكن عماد حمدي، أبرز نجوم الخمسينيات وأكثرهم شهرة وانتشارًا، فهو فتي الشاشة الذي يعرفه الملايين من خلال عشرات الأفلام التي تألق فيها وجسد كل الشخصيات والأنماط، ولعل الشرير هو الدور الوحيد الذي لم يقدمه، ذلك أن الموهبة الخارقة التي تسكنه لا تصل إلي الدرجة التي يتجاوز بها طبيعته وفطرته، وما توحي به ملامحه المصرية الصحيحة من وداعة وطيبة. من السوق السوداء مع المخرج كامل التلمساني سنة 1945، إلي سواق الأتوبيس الذي أخرجه عاطف الطيب سنة 1983، رحلة ممتدة من العطاء المتميز، كما وكيفا، وفي محطات هذا الزمن الطويل، انتقل عماد حمدي من البطولة المطلقة إلي البطل الثاني، وصولاً إلي أدوار تبدو هامشية ثانوية، بالنظر إلي عدد المشاهد التي يظهر فيها، لكنه في هذه الأدوار يتألق ويتوهج ويفرض بطولة القيمة والنضج. عماد حمدي هو الشاب الرومانسي الحالم، والرجل المتزن الجذاب، والكهل المحبوب الوقور، والعجوز الذي يأسر القلوب بلا عناء. لا ينسي عشاق أدائه الرفيع أفلاما عبر فيها عن جوهر وأعماق الشخصية كأنه يقدم الدروس، أليس هذا ما فعله ببراعة في الرجل الذي فقد ظله والمذنبون وسونيا والمجنون؟! مثل المعلم سلطان في رائعة سواق الأتوبيس لعاطف الطيب، امتد العمر بعماد حمدي ليشهد الانحسار وتغير القيم. لم يعد كلاهما يملك إلا أن يغمض عينيه بعد أن اشتد به الإرهاق، ويرحب بالنهاية الحتمية تشبعا بالحياة وشبعا منها وزهدا فيها، ولم يبق إلا الرحيل.