كتب : محمد عبد الفتاح كالعادة استشاط السيد حسن نصر الله غضبا من مصر لا لشيء غير أنها مارست حقها الطبيعي في تأمين حدودها وشرعت في إقامة جدار علي طول الحدود مع قطاع غزة ويا ليت الأمر توقف عند السيد حسن نصر الله فقط بل إن هذا امتد أيضًا إلي بعض المصريين ومنهم علي سبيل المثال فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي الذي استنكر بدوره هذا الإجراء. وهنا يبرز سؤال بديهي ما هي الجريمة التي ارتكبتها مصر عندما شرعت في مثل هذا الإجراء والسؤال الأولي بالطرح لماذا الآن؟ الجريمة التي ارتكبتها مصر من وجهة نظر المستنكرين لبناء الجدار أن مصر بهذا الإجراء تساعد في خنق القطاع أكثر مما هو مخنوق بالفعل وأنه لا يجوز لا إسلاميا ولا عربيا أن تبني مصر مثل هذا الجدار... ولنا علي هذه الحجة الأولي رد. لا يتصور بحال من الأحوال أن تقوم مصر بإجراء يكون من شأنه التضييق علي قطاع غزة ولا علي سكانه البائسين ولكن المشكلة تكمن أساسًا كما هو معروف في عمليات التهريب التي تجري من خلال قطاع غزة إلي الحدود المصرية في هذه المنطقة الملتهبة وهي العمليات التي طالما أذاقت مصر المرار. فأين هي الدولة التي تسمح أن تكون حدودها مستباحة بهذا الشكل وكيف يتصور أن تقف الأجهزة الأمنية والقيادة السياسية في بلد ما مكتوفة الأيدي أمام عمليات تهريب أسلحة من خلال أراضيها؟ الأنفاق المقامة علي الحدود المصرية الغزاوية تشكل خطرًا بديهيا علي الأمن القومي المصري ولا شك في ذلك ولا يجادل في هذا الأمر إلا كل مكابر يرضيه هتاف الجماهير وإرضاء العامة علي حساب أي شيء حتي لو كان هذا الشيء هو أمن بلده القومي. هذا غير حالات الاستباحة الحدودية التي يمارسها سكان قطاع غزة كلما ضاقت بهم سبل العيش في أرضهم ولاتزال الذاكرة تعي وتتذكر ما حدث من الاخوة الفلسطينيين عندما عبروا جموعا وفرادي عبر الحدود إلي الأراضي المصرية وكان الأولي أن يكون اتجاههم إلي الناحية الأخري من الحدود المشتركة مع دولة إسرائيل لأن إسرائيل هي التي تحتل أرضهم وهي السبب الرئيسي فيما هم فيه من ضنك وليست مصر بل علي العكس إن الدولة المصرية تتحمل جزءًا من تبعات هذه المعاناة بحكم الحدود المشتركة ولكن هذا ليس معناه أن تصبح الحدود السيادية أمرًا مستباحًا لمن يشاء. ونعود مرة أخري إلي السيد حسن نصر هذا الرجل الذي يجد سعادة بالغة في الهجوم علي مصر.. لماذا يغضب السيد حسن نصر الله من شروع مصر في بناء هذا الجدار هل سيمنع هذا الجدار وصول الأسلحة إليه؟ علي حد علمي المتواضع الإجابة بالنفي فالسيد حسن نصر الله لا يمارس مهامه النضالية بأسلحة مهربة من مصر ولكن يمارسه بأسلحة مدعومة من إيران العظمي. سؤال آخر لماذا لا يركز السيد نصر الله في محاولة تحرير بلاده من الاحتلال الإسرائيلي ألا تحتل إسرائيل الجنوب اللبناني حتي هذه اللحظة.. ألم تكن صواريخ السيد نصر الله هي السبب الذي جعلت إسرائيل تشن حربها البربرية والهمجية علي قطاع غزة وهو القطاع الذي يتباكي عليه الآن السيد نصر الله لماذا لا يناضل في مزارع شبعا المحتلة؟ ولماذا لا يحاول أن يحرر الجولان الأسير منذ عقود قد يقترب عددها من سنين عمره. المؤسف أن نوعية الخطاب الذي يمارسه السيد حسن نصر الله يجد له صدي في الداخل المصري نظرًا لما يحتويه من مضمون عنتري يرضي مشاعر عوام الناس الذين يفكرون بقلوبهم وليس بعقولهم. لو أعمل الذين يتبنون خطاب حسن نصر الله عقولهم قليلاً فيما يقول لتنبهوا إلي أن هذا النوع من الخطاب لا يمكن أن يؤدي إلي نتائج واقعية حقيقية يمكن بعدها اتخاذ إجراء يصب في مصلحة القضية الفلسطينية. لقد أحسن المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية السيد حسام زكي حينما قال أنه أصبح يشعر بالملل من جراء تكرار مقولة تخلي مصر عن الفلسطينيين وأن مصر تفرط في حقوق الشعب الفلسطيني وذلك علي الرغم من أن الشاهد للعيان يؤكد عكس ذلك تمامًا. ونأتي لنقطة أخري وهي الشبهة التي أثارها فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي من خلال برنامج الشريعة والحياة حينما تحدث عما يمكن أن يساعد في خنق الشعب الفلسطيني ويصب معه في هذه الحجة أيضًا أحد مشايخ قناة الناس الذي استنكر هو الآخر بناء الجدار قائلاً ما معناه أنه لا يجوز بناء مثل هذا الجدار بين حدود الدول الإسلامية لأن الأمة الإسلامية أمة واحدة.. وهنا لابد لنا من وقفة ونقطة نظام. تكمن المشكلة عند التحاور مع أساطين العقليات السلفية في أنهم يرفضون تمامًا أطروحات الواقع ويعيشون في عالم ماضوي متخيل في أذهانهم أو علي الأقل يحاولون العودة إليه.. لا توجد مشكلة طالما أن هذا المبدأ لا يتعدي الحدود الشخصية، أما إذا تعدت هذه الرؤية إلي ما هو أوسع في الحياة والواقع فلسوف تكون هناك مشكلة بالفعل وما حجتهم في هذا المقام إلا دليل علي ما نقول بمعني أن مفهوم الأمة الإسلامية لا يمكن أن يتجاوز الواقع ومقتضياته ولا العصر ومتطلباته فمسألة تحديد الحدود وتنظيم حركة المتنقلين من قطر إلي آخر لا علاقة له من قريب أو من بعيد بمصطلح الأمة الإسلامية ومفهومه في مخيلة بعض مشايخنا الأجلاء الذين هم بالفعل معزلون عن الواقع وعازلون معهم من يستمعون إليهم.. مسألة تأمين الحدود مسألة بديهية وموضوع ترسيمها ليس فعل استعمار ولكنه إجراء تنظيمي. إن الجدار الذي تقيمه مصر إنما تقيمه داخل حدودها السيادية والتي لا يباريها فيها أحد وتلك بديهية أخري غائبة عن عقول وألباب من يصرخون ليلاً ونهارًا وكأن مصر أقامت سياجا داخل فلسطين وليس داخل الأراضي المصرية التي طالما رويت بدماء شهداء لم تكن شهادتهم بعيدة عن الدفاع الضمني عن فلسطين وشعبها بعد أن خاضوا حربا حقيقية وليست حربا تليفزيونية كما يفعل البعض.