القس نصر الله زكريا مدير المكتب الإعلامي للكنيسة الإنجيلية حينما وُلد المسيح هتفت جوقة الملائكة منشدةً: "الْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي وَعَلَي الأَرْضِ السَّلاَمُ وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّة" (لوقا 2:14) وكم كانت الأرض آنذاك ذكما الحال الآن- محتاجة للسلام؟!. وعبر التاريخ جاء دعاة السلام يعقدون اللقاءات العالمية لإرساء السلام وثقافته بدلاً من الحروب وثقافتها التدميرية والعدوانية، وقد نجحت بعض المساعي، بينما أخفق الكثير منها، ومازال الإنسان يسعي ويأمل في أن يحيا في سلام. لكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو: "ما هو السلام الذي يبحث عنه الإنسان والعالم؟، وهل هناك معاني مختلفة للسلام؟ كيف يأتي السلام لعالمنا؟ بحسب ما جاء في مختار الصحاح فقد عرّف العرب كلمة "سلام"، بمعني الصلح، والبراءة من العيوب، وهو اسم من أسماء الله. أما في اللغة العبرية فإن الكلمة "شالوم" وترجمتها "سلام"، دائماً ما كانت تحمل معني دينياً في توافق مع بقية المعاني، فلفظة "سلام" استخدمت في العبرية بمعني: التوافق مع القريب، ومع المجتمع، ومع النفس أيضاً، كما لم تخلو من مدلولها السياسي كما هو معروف الآن. أما في اللغة اليونانية، فقد جاءت الكلمة "إيريني" تحمل نفس المعاني للكلمة العبرية "شالوم"، حتي أن الإنجيل ما هو إلا رسالة سلام الله للإنسان، والمبشرون يبشرون بالسلام (رومية10:15) وشهوة المؤمنين هي العيش في سلام. كما شاع استخدام كلمة "سلام" ليشمل معاني كثيرة منها: التحية بين الأصدقاء والسؤال عن صحتهم، التحية عند الوداع، السلام من الأعداء، وتجنب شرورهم. وقد استخدم السيد المسيح كلمة "سلام"، في التحية (متي 13: 10) (يوحنا 14:27) كما أن التحية والطلبة الرسولية من أجل الكنيسة دائماً نقرأ فيها كلمة "سلام"، نقول: "نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يسُوعَ الْمَسِيحِ (رومية 1:7). وقد لخص أحد البيانات العالمية ويدعي "بيان يموسكرو" حول: "السلام في عقول البشر" بشكل جيد أهم مرتكزات ثقافة السلام - السلام هو أساساً احترام الحياة. -السلام هو أغلي ما يوجد لدي الإنسانية. -السلام هو أكثر من مجرد نهاية الحروب المسلحة. -السلام هو سلوك. -السلام هو اندماج حقيقي للكائن الإنساني في مبادئ الحرية, والعدالة, والمساواة, والتضامن بين كل البشر. -السلام هو تزاوج منسجم بين الإنسانية والبيئة. إذاً السلام هو الأمن والاطمئنان والخلو من الخوف والانزعاج والقلق والاضطراب، سواء لأسباب خارجية أو لأسباب نفسية. كما أنه يعني النجاح والصحة والسعادة مادياً وجسمانياً ونفسياً. وحين وُلِد المسيح شدت الملائكة سلاماً علي الأرض، وكانت تقصد أن ملك السلام، ومانح السلام، وإله السلام نفسه جاء متجسداً ليحلَّ ويحيا علي أرضنا، ويمنحنا سلامه، ومن خلال حياة المسيح وخدمته وموته وقيامته صالح الإنسان بالله، فأصبح لكل إنسان الحق بالتمتع بالسلام مع الله، يقول الرسول بولس: "فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يسُوعَ الْمَسِيحِ" (رومية 5:1) وبهذا السلام يمكن للإنسان أن يصحح مسارات حياته المختلفة، فمن ذاق السلام بينه وبين إله السلام، يستطيع أن يختبر السلام مع نفسه، ويحيا متسقاً مع ذاته، ومن ثم يمكنه تحقيق السلام في مجتمعه، فلا يري في الآخر ذ المختلف معه - عدواً له، السلام مع الآخر، بل يفهم أن الآخر ما هو إلا أخاً في الإنسانية، وعندها سيتسع مفهوم السلام ليتخطي المعني السياسي الضيق المتمثل في غياب الصراعات وانتهاء الحروب إلي تأصيل مجموعة من القيم والمواقف والتقاليد وأساليب الحياة التي تستند إلي الاحترام الكامل لمبادئ السيادة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية والاعتماد علي الحوار والتعاون بين الأمم والثقافات المختلفة. وإذا تحقق السلام انطلاقاً من هذا المعني فيمكن للأرض أن تنعم ولو قليلاً بالسلام. مدير المكتب الإعلامي للكنيسة الإنجيلية