كتب : أحمد حسام النجار .. وارحل إن من يفهم المزاج السياسي والانتخابي للمواطن المصري ربما استطاع أن يملك شفرة التأثير عليه وتوجيهه وقيادته دون أن يبادر بتقديم أي أطروحات أو برامج أو التزامات تذكر اللهم إلا السيطرة علي عجلة القيادة التي تتحكم في مسار هذا المزاج.. وبحق لا يمكن التعامل علميا أو موضوعيا مع الناخب المصري إلا عبر فهم هذا المزاج ولا غرابة في ذلك الأمر فقد سيطر عبدالناصر علي ألباب الجماهير بالخطابة وإلهاب المشاعر والإثارة إلي حد التوحد والالتحام ولو أدي بهم ذلك إلي الوقوف علي عتبات الجحيم، ومن هنا فقد هبت الجماهير تلقائيا تناشده العدول عن التخلي عن الحكم بعد هزيمة يونيو 1967 . وبفرض نزاهة العملية الانتخابية فإن هناك ضوابط ومعايير لقياس مدي جدية العملية الانتخابية ومدي تعبير نتائجها عن الإرادة الشعبية الصحيحة والملائمة لمقتضيات الحال منها درجة الوعي السياسي لدي العامة والظروف الاقتصادية والمناخ السياسي السائد وحرية الإعلام ومدي ملاءمة الخطابين السياسي والديني السائدين وطبيعة المرحلة وغيرها. والمواطن عبر هذا المزاج إنما يمارس خياراته السياسية ومنها عملية الانتخاب والتصويت عبر مرحلتين منفصلتين كلية عن بعضهما إحداهما مباشرة وتستغرق معظم الوقت وتستهلك كل الجهد وهي مرحلة ما قبل إجراء العملية الانتخابية وبها يطرح هذا المواطن نفسه كناخب يبدو متشبعًا في الغالب بآراء وتوجهات تصلح للمناقشة ويختارها تأسيسًا علي قدرتها علي إقناع الآخرين فتدور المقدمات الانتخابية في هذا السياق وتأتي استطلاعات النتائج لتقرأ وتتنبأ بمن سيفوز إعمالا لهذه الضوابط والمعايير. وهذه المرحلة علي نحو ما سلف تحكمها عناصر موضوعية وشواهد مادية يمكن من خلالها التنبؤ بالنتائج التي تفضي إليها، إلا أن الراسخين في فهم هذا المزاج الانتخابي للمصريين من أرباب الحرس الذي أصبح قديمًا لا يعبأون بمثل هذه النتائج بل لا يعولون عليها في مجملها ولا يعتدون بتلك الأرقام والمعلومات التي سجلتها أجهزة اللاب توب باعتبارها جاءت قبل الأوان. أما عن المرحلة الثانية وهي مرحلة قصيرة جدًا وغامضة ويصعب التنبؤ بها أو قياسها ونقصد بها عملية التصويت الفعلي خلف الستار التي لا تستغرق سوي لحظات قليلة التي هي بالطبع أخطر وأهم المراحل في العملية الانتخابية باعتبار أنها اللحظة الفاصلة التي يفصح فيها الناخب عن خياراته. والمفروض أن ترتبط النتائج بالمقدمات بمعني أن تأتي نتائج الانتخابات وفق الضوابط والمعايير التي أشرنا إليها لا أن تتناقض مع المقدمات المطروحة وتقول إن هذا هو المفترض ولكن يأتي دائمًا الواقع علي نحو مختلف. وبيان ذلك أننا لابد أن نتعرض لسلوك هذا المواطن الناخب خلال لحظة التصويت الفعلي. ولبيان هذه النقطة الفاصلة فلابد أن نعرض لأولوياته التي تحكم سلوكه عامة والمعلوم أن الدين يأتي علي رأس هذه الأولويات وهو قابل للتداخل والتفاعل مع أي قضية وأي موضوع فالمسألة تتوقف إذن علي انتماء المرشح ومدي نجاحه في إلباس قضيته الانتخابية أو السياسية لباسًا دينيا. وللعلم فالخطاب الديني السائد إنما عمل علي تهيئة الأجواء لممارسة اللعب بسهولة بتلك الورقة ومن آثار هذه الحالة أننا أصبحنا نعيش في تلك المساحة الضبابية التي تلتبس فيها الأفكار والمفاهيم والقيم الأخلاقية والدينية ذلك أن المسلم أصبح يمارس حياته اليومية بخياراتها المتنوعة والمتناقضة في سهولة ويسر ودون إدراك لهذا التناقض الصارخ فلا مانع أن يرتشي ثم يصلي ويكذب ثم يصلي. وهذه الازدواجية الخطيرة والشاذة بمقتضاها تحول الدين إلي طقس شكلي ساذج. أما عن الأولويات الأخري فهي تبدأ وتنتهي بالفقر والجهل والعشوائية فالمواطن الناخب في لحظة التصويت إنما يمارس هذه العشوائية عبر متطلبات غاية في الخصوصية والفردية وفي حدود حاجات تقترن أيضًا بغايات غارقة في التواضع والأنانية، ولا شك أنها لحظة فارقة ينفصل فيها عن الواقع كلية ويتحلل فيها من كل انتماء وربما تحكمه في هذه اللحظة عوامل أخري تغلبت عليها وتقترن بها العصبيات والمجاملات والعواطف فضلا عن المقابل المادي في بعض الأحيان. ألم نقل أنها لحظة فارقة وأنه لا مجال للتنبؤ بما تفضي إليه سواء بالعلم أو بالمنطق.. إنه الفقر والجهل والإحباط تلك العوامل التي أدت إلي وجود هذا المناخ الانتخابي والسياسي الفاسد. فضلاً عما سبق فلا يمكن استبعاد التربية السياسية غير الرشيدة التي تمثلت في ذلك الفراغ السياسي الذي أعقب ثورة يوليو بإلغاء الأحزاب وحظر الممارسة السياسية. ومن آثار هذا الفراغ السياسي والعشوائية والجهل.. أن صارت مباراة كرة قدم تحوز علي هذا القدر من الأهمية والتوحد الذي حاز إجماع كل الطوائف. وهذا الفراغ السياسي أيضًا هو الذي يحشد كل هذه الجموع البائسة خلف فصائل الإسلام السياسي معبأة بأسباب الرفض والكراهية والهدم وليس البناء لتمارس خياراتها عبر ثقافة التقدم إلي الخلف. وعلي تلك الخلفية فإنني لا أفهم أي معني لهذه الضجة المصاحبة لطرح اسم الدكتور محمد البرادعي أو غيره لانتخابات رئاسة الجمهورية. ومرد عجبي ودهشتي أنه عندما تتفق النتائج مع المقدمات فإنه يمكن أن يتم إجراء الانتخابات بعيدًا عن هذا المزاج العشوائي المكبل بقيود الجهل والفقر والمرض، فضلاً عن هذا التوظيف السياسي للدين في أسوأ صور وقبل ذلك فنحن نحتاج إلي محاولة إنقاذ سريعة قبل احتياجنا لمرشح لرئاسة الجمهورية.