(أفول الصهيونية... دراسة في الشعر العبري المعاصر) هو عنوان الكتاب الصادر حديثا عن دار العلوم للنشر والتوزيع للدكتور عمرو عبدالعلي علام أستاذ الدراسات العبرية بجامعة المنوفية ويشير في بداية الدراسة الي مفارقة كبري تمثلت في مساهمات الشعراء الصهيونيين في ارساء مبادئ الصهيونية والتغني بأفكارها وشحذ همم اليهود في التوجه الي فلسطين ارض الميعاد، حيث دخل الشعر العبري في اطار الادب المجند لخدمة أهداف الحركة الصهيونية وتبرير ممارساتها العدوانية والاستيطانية علي ارض فلسطين وأبرز هؤلاء الشعراء (بياليك) شاعر القومية اليهودية كما يطلقون عليه بأرض فلسطين كوطن لجموع اليهود المتناثرة عبر التاريخ. وهذه الحقيقة أكدها الشاعر العبري يهودا عميحاي بقوله : لا يمكن أن نكتب شعر عادي، فالشعر لدينا شعر سياسي، حتي قصائد الحب عندنا شعر سياسي. وقد قام الشعر العبري بدوره كما خططت له الحركة الصهيونية فتناول بعض الشعراء في موضوعاتهم الأولي الواقع اليهودي في الجيتو (مناطق الانعزال اليهودية) واتصال الفرد اليهودي بالثقافات الاجنبية المحيطة به وربطه بيهود العالم وأوضاعهم الحياتية التي طالما شكوا من بؤسها وشقائها تمهيدا لرفض واقع الشتات والعزلة والاضطهاد كما يدعون، ثم الهجرة والاستيطان واقامة وطن قومي خالص لليهود علي أرض فلسطين علي اعتبار انه الحل الأمثل لمشكلة اليهود. ومع توالي الاحداث التي شهدتها المنطقة في أعقاب قيام اسرائيل وادارة عجلة الحروب المتوالية التي خاضتها ضد بعض الدول العربية والتي كان آخرها حرب لبنان 2006 واندلاع الانتفاضة الأولي والثانية، وسأم المجتمع الاسرائيلي من حلقة الحرب المفرغة زاد وضوح الموقف لدي بعض الشعراء والادباء الذين رفضوا الممارسات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين والعرب وأثمر هذا الرفض أدبا كاملا أطلق عليه (أدب الاحتجاج السياسي) ففي عام 1982 عقب حرب لبنان الاولي صدر ديوانان هما: لا فائدة من الحرب والقتل من تأليف حنان حيفر، وموشيه رون، أما الديوان الثاني فكان بعنوان (تخطي الحدود) من اعداد يهوديت كفري عام 1983 ونددوا بمذبحة صبرا وشتيلا وفي مطلع 2005 صدرت المجموعة الشعرية (بقلم من حديد) للشاعرة الاسرائيلية طال نيتسان وتضم المجموعة 99 قصيدة نظمها 45 شاعرا اسرائيليا يتهكمون فيها علي الصهيونية التي أتت بهذه الجماعات اليهودية بكل مشاكلها الي أرض فلسطين مما يعني ان هذه الايديولوجية قد بدأت في الافول علي ايدي هؤلاء الشعراء الصهيونيين الذين اكتشفوا ان اعتماد الدولة علي الصهيونية حتي اللحظة فيه خطأ جسيم قد يضع الدولة علي حافة الهاوية وفي منتصف عام 2008 يطالعنا الشاعر السرائيلي موئيز بن هاروش بديوانه الذي يحمل عنوان (من هناك جئت) ليؤكد ان مشاعر الاضطهاد والغربة والاغتراب ما زالت قابعة في النفس اليهودية داخل اسرائيل، بما يعني ان حلم الصهيونية بالقضاء علي هذه المشاعر لم يتحقق. وهذا الشاعر قادم من المغرب فيقول في قصيدة (وطن) أردت ان تكون المغرب وطني / ولكنها لم تكن وطني / طلبت من اسبانيا ان تكون وطني / ولكنها لم تكن كذلك / أردت من اسرائيل ان تكون وطني / ولكنها حتي الآن لم تكن وطني / أردت ان تكون العبرية وطني / ولكنها أبت هذه الرغبة / اردت ان تكون الاسبانية وطني / ولكنها لم تستجب لي. وعلي الرغم من الامكانيات التي تقدمها اسرائيل لمهاجريها في محاولة لاستقطابهم وقد هاجر اليها الشاعرفي سن مبكرة الا انه لم يشعر انها وطنه، حتي اللغة العبرية التي يكتب بها لم تستجب لرغبته. والادب العبري الحديث يتعرض الي اشكاليات وقضايا جديدة تجتاح المجتمع الاسرائيلي مثل صعوبة التأقلم مع البيئة الجديدة والتفكك الاجتماعي والثقافي الذي يعاني منه هذا المجتمع نتيجة لاختلاف الثقافات والتقاليد والاجناس علاوة علي اقتسام المجتمع الاسرائيلي الي طوائف عدة تصب جميعها في اشكاليات الصراع الديني العلماني، والصراع الاشكنازي السفارادي. وقد تطرق الكثير من الأدباء الاسرائيليين الي تحليل ظاهرة النزوح عن اسرائيل والاشتياق الي الشتات في اعمالهم القصصية والروائية، فأرجعها البعض الي حالة الاحتقان التي يعيشها المجتمع الاسرائيلي داخليا من ناحية، وقد عزا البعض الآخر هذه الظاهرة الي ان الشتات موجود داخل الجينات التكوينية ليهودي، فهو القوة الوجودية التي يحيا بها فيقول الاديب الاسرائيلي يهو شواع ان الشتات موجود داخل الجينات التكوينية لليهودي فهو القوة الوجودية التي يحيا بها والشتات هو مصدرالمشكلات التي يتخبط بها اليهود منذ أجيال عديدة. ومن هنا سواء كان الشتات طبيعة وراثية أم حالة هروب من واقع مؤلم يعيشه اليهودي داخل دولته فان الولاء للشتات يعبر عن اخفاق جديد للحركة الصهيونية من ناحية، وعن حالة الدولة وبعدها عن الحلم الذي كان يراود اليهود من ناحية أخري. ويقول المفكر اليهودي هرتسبرج ان مشاكل ومحن دولة اسرائيل تقوم بدور ايجابي في حياة الشتات.. فهي دولة مثقلة بالمشاكل وتعج بالمحن الوجودية الصعبة. وتؤكد الكاتبة الاسرائيلية تسيبي حوتوبلي انه قد تلاشت علي مر السنين الفكرة التي ميزت الصهيونية في بدايتها والتي كانت تهدف الي احياء اللغة العبرية.