يؤرخ نائل الطوخي في روايته الجديدة الصادرة عن دار "ميريت" للثورة من أجل الانتصار للقصيدة علي حساب الرواية بتاريخ 1 فبراير 2006، وهو في نفس الوقت العنوان الذي اتخذه للرواية "الألفين وستة...قصة الحرب الكبيرة"، دون أن تكون لهذا التاريخ دلالة محددة لدي نائل، بل كان "مجرد تاريخ عشوائي". تدور أحداث الرواية حول قيام رجال ضخام الأجساد حليقي الرؤوس بثورتين، الأولي ثورة من أجل تخليص الرواية من شعريتها، والثانية من أجل الانتصار للشعر، مما يفتح الباب أمام تأويلات كثيرة منها، علي سبيل المثال، السخرية من بعض النقاد والكتاب الذين يطلقون من وقت لآخر نداءات ومطالب تتعلق بوضع الحدود القاسية بين الأنواع الأدبية، وهي الحدود التي يقول عنها نائل :"أنا لا أعتقد بوجود حدود فاصلة بين الفنون وبعضها بعضًا مثلما أنني لا أعتقد بوجود حدود فاصلة بين أي شيء، دائما الكون في حالة سيولة والفنون تتأثر ببعضها بعضًا"، ويؤكد أن سخريته أشمل من هذا قائلا: "أنا أسخر من فكرة الثقافة في حد ذاتها، ومن الاعتقاد بأهمية الثقافة". ويبرر نائل سخريته من فكرة الثقافة، ويقول: "أفترض مبدئيا أن كل البشر مثقفون بدرجات متفاوتة وفي مجالات متفاوتة، فلماذا يسمي بعضهم دون الآخر "مثقف"، وأعني هنا من يمارسون أو يستقبلون الفنون، والمتخصصون في العلوم الإنسانية!؟ لماذا لا يصبح الأستاذ في الاحتباس الحراري مثلاً مثقفاً، أو الخبير بكرة القدم، أو المتخصص في الموبايلات"، والأكثر من ذلك أنه يري أن " تحديد الثقافة بمجالات العلوم الإنسانية والفنون هو فكرة استعلائية"، كما يري أنها تعطي شرعية لطائفة من البشر وتسلبها عن طائفة أخري. ويستعير خوف الروائي حمدي أبو جليل الذي عبر عنه في أحد حواراته من "أن يصبح مثل أشخاص يراهم مؤمنين أكثر من اللازم بأهمية الأدب"، ويري نائل أن هذا الإيمان مضحك جدا، لأنه -كما يقول- يكتب الأدب ليستمتع مثلما يستمتع آخرون بمشاهدة الكرة، أو الغناء، أو الطبخ، أو التنظيف، أو إعداد القهوة، ويسقط نائل هذا الكلام علي روايته ويقول: "عرضت فيها كيف يمكن لمجموعة من "المثقفين"، بالمعني التقليدي، أن يحكموا العالم، وعرضت الكوارث المختبئة وراء هذا. ففي النهاية، أبطال الرواية، هؤلاء المثقفون التقليديون، لا يفهمون غير صراع الرواية أمام الشعر، وقصيدة النثر أمام التفعيلة، وهذه كلها فنون هامشية جداً، مثلها مثل فن طبخ المكرونة، لا أحد يتصور أن يحكم العالم شخص لمجرد أنه خبير بطرق طبخ المكرونة، أليس كذلك!؟ من هنا فإن كل الكلام عن ارتباط مفهوم الإنسانية بالشعر، أو بالموسيقي، أو بالرواية، أجده كلاما مضحكا جداً". لكن لا يفضل نائل التأويل الذي يؤكد أن روايته تناقش موضوعات قديمة تطرح طوال الوقت علي المقاهي وفي اللقاءات الثقافية من قبيل: تغيير مواقف الكتاب والأدباء من المؤسسة الرسمية "الشاعر عبدالعزيز" وتقديم أدب فارغ من القيمة، والسعي نحو عمل مجلات وصحف لخدمة أغراض بعض الشلل الثقافية والسعي نحو الشهرة ويقول: "أنا لم أتحدث عن مشاكل المثقفين، ولست مهموما بحلها، كل التفاصيل التي أوردتها في الرواية ومتعلقة بحياة المثقفين إنما جاءت لبناء دراما العمل، دراما حول خمسة أشخاص يصنعون ثورة كوميدية وتختلف مصائرهم بعد ذلك، ولا بد لكي تكون الرواية مقنعة من إيراد تفاصيل يعرفها القارئ عن هذا النوع من الأشخاص بالضبط". ولا يري نائل أي أثر لتأثره بحس السخرية الذي تميز به الكاتب الشاب الراحل محمد ربيع، وهو ما لاحظه بعض قراء الرواية، سوي في البذاءة، ويقول"هي البذاءة التي نتعلمها كلنا من الشارع، أسلوبي في هذه الرواية هو استمرار لطريقة كتابة تعلمتها من مدونتي الشخصية، التي أكتب فيها منذ حوالي الأربع سنوات تدوينات ساخرة بمزيج من العامية والفصحي، لكن هذا لا يمنع أنني أحب كتابة محمد ربيع للغاية رغم افتقارها للقوانين، والقوانين هي المادة الخام للعب المحترف في رأيي، ولذا فلا أستطيع أن أعدها فنا خالصاً، وهذا لا يعني أنه ممنوع علي الاستفادة أو التعلم منها"، ويبدو أن هناك منابع أخري يستفيد منها نائل في كتاباته ويقول: "يمكنني أيضا الاستفادة والتعلم من عشرات المصادر الأخري، مثل أفلام المخدرات (فيلم العار مثلا)، والغناء الشعبي (عبد الباسط حمودة وشعبان عبد الرحيم)، وأدبيات الثورة والخطب السياسية وروايات ساراماجو ومصطفي ذكري وخالد إسماعيل وأحمد وائل وميلان كونديرا وأحمد ناجي، بالإضافة إلي نقاشاتي مع الأصدقاء علي الفيس بوك ومتابعتي للأحداث الجارية ومواصلتي أساليبي المتعددة في الكتابة (في الصحافة - المدونة - الأعمال الأدبية السابقة)" ثم يعود ليقول: "لا تتوقعي أن أجيبك بصدق تام عن هذا السؤال، لاحظي أن المصادر الحقيقية للتأثير دائما ما يخفيها الكاتب، لماذا لا أكون قد تأثرت مثلا بالأدب العبري الذي أقوم بترجمته!؟ يعني، كل كاتب له خلطته التي يتأثر بها". أما عن هذا الأدب العبري الذي يترجم نائل بعضًا منه وينشره في جريدة "أخبار الأدب"، إلي جانب إصداره مؤخرا لكتاب" من النكبة إلي غزة.. هو لا يزال احتلالا"، فيرجع اهتمامه به إلي دراسته العبرية في جامعة عين شمس، وهو يتمني أن يواصل ترجمة الأدب العبري كما يفعل في مدونته "هكذا تحدث كوهين"، التي أنشأها، كما قال، لهذا الغرض، ويقول:" أعتقد أنه يجب معرفة الأدب العبري بشكل جيد، فنحن لا نعرف أي شيء عن إسرائيل من الداخل ونريد الانتصار عليها، وهذا لن يحدث في ظل هذا القدر الكبير من الجهل بها. ولا يري نائل في الترجمة إلي العبرية مشكلة، ويقول:" أري دائما أنه علينا البحث عن أكبر قدر من البدائل لهزيمة الطبيعة الصهيونية لدولة إسرائيل، وقد تكون منها الترجمة للعبرية، التي كانت سلاحا مؤذيا ضد دولة إسرائيل عندما حاولت وزارة التعليم الإسرائيلية مثلا تدريس قصائد محمود درويش في مدارسها وما أثاره ذلك من عاصفة" ويتابع: "الشيء الجيد في قضية إيمان مرسال وترجمة أحد دواوينها إلي العبرية، هو أنه تمت مناقشة مفهوم التطبيع بشكل أكثر موضوعية وتم إخضاعه للأسئلة الصعبة، وهذا جيد حتي لا نظل أسري مفهوم واحد لمقاومة دولة إسرائيل". في "الألفين وستة" يقترب نائل قليلا من الواقع ليطرح موضوعات تتعلق بحياة المثقفين، وهو ما يختلف مع العالم الفانتازي الذي بدا مولعا به في روايته الأولي "ليلي أنطون"، فهل يعني ذلك أن ولعه بالفانتازيا أصبح أقل؟، يقول" طبعا لا، المسائل لا تسير في خطوط مستقيمة، كما أن الحدود الفاصلة بين "الرواية الفانتازية" و"الرواية الواقعية" غير محددة تماما، أنا مثلا أري" الألفين وستة" رواية هزلية، وأحب هذا البعد فيها، حتي مع كل التفاصيل التي قد تبدو واقعية، هذا رأيي الشخصي، وربما يري شخص ما أن رواية "ليلي أنطون" هي رواية واقعية، هذا رأيه الشخصي، بالإضافة إلي أن الكاتب يجرب السير في اتجاهات مختلفة، وهذا لا يعني أنه يفضل طريقا علي غيره وإنما يتمرن طوال الوقت علي الكتابة عن مواضيع متعددة. في النهاية، أؤمن أن البصمة الخاصة للكاتب وهم، وأنا أجرب طوال الوقت، وأحاول أن أكتب في مواضيع مختلفة بأساليب مختلفة". ومن بين الشخصيات الخمسة التي تحدث عنها نائل توجد شخصية "مجدي" السيناوي الذي يسرق أسلحة زملائه في الجيش ويبيعها لتجار السلاح الفلسطينيين، ويهرب من رجال الشرطة، وهي شخصية تطرح تساؤلا يتعلق بمدي استجابة نائل، عند كتابته لها،لما يدور في الوعي الشعبي المصري من اتهام للسيناويين والتشكيك في وطنيتهم؟، لكن نائل ينفي عن نفسه هذه الاستجابة، ويقول: "هذه مجرد شخصية، وأهل سيناء بينهم العميل والوطني مثل أهل القاهرة بالضبط، وعندما أبرز شخصية شاعر أفاق من القاهرة مثلا فهذا لا يعني أنني أصم أبناء القاهرة كلهم".