بدأت بنود الصفقة المبرمة بين الوليد بن طلال وامبراطور الإعلام الأمريكي روبرت مردوخ تظهر علي أرض الواقع، فلم يكن بيع 20٪ من أسهم روتانا لشركة نيوز جروب هو نهاية المطاف، وإنما تولت الشركة الجديدة مهمة الإدارة لفرض سياستها في إنقاذ روتانا من كبوتها المالية وتقوم هذه السياسة علي تغطية العجز المالي وتقليل معدل الإنفاق والاستغناء عن المطربين الذين لم تعد أعمالهم الفنية تعود بالأرباح علي الشركة والإبقاء علي النجوم الكبار الذين يسهمون في تحقيق دخل مادي يعوض ما تنفقه روتانا علي إنتاج ألبوماتهم، وقد وصل مندوبو نيوز جروب إلي بيروت وبدأوا بالتواجد يومياً في روتانا ومتابعة نشاط الشركة من داخل مكاتبها، ومع بداية الشهر الحالي تم فصل 15 موظفًا بعد توجيه إنذارات لهم ليتم تغيير وجه الشركة وخطة عملها بالتدريج مع التفكير جديًا في طرح الأسهم مع بداية العام الجديد للاكتتاب. دخول الملياردير الأمريكي روبرت مردوخ إلي روتانا كشريك أساسي فيها سيؤثر حتمًا علي توجهاتها الإعلامية لأن نزول المالك الأساسي لشبكة فوكس نيوز لن يكون منزهًا عن النقص ومتصفًا بكل كمال بل هناك رغبة حقيقية في أن تكون للشركة العالمية يد تحرك من خلالها دفة الرأي العام في الشرق الأوسط وهذه النوايا التي يختفي وراءها الشبح الصهيوني تري في روتانا النموذج الأمثل لذلك فهي تمتلك 6 قنوات تليفزيونية تعقد صلة حميمية بالمشاهد العربي، كما أن روتانا باتت أكبر منتج للأفلام في السينما المصرية مما يعكس مردودًا إعلاميًا واقتصاديًا لا يستهان به بالإضافة إلي امتلاك الشركة لأكثر من 2000 فيلم مصري من كلاسيكيات السينما والذي يعتبر في نظر نيوز جروب ثروة كبيرة. تداعيات الصفقة علي أرض الواقع تنذر بتغييرات كبيرة ليس علي مستوي الإدارة فقط وإنما علي خلفية التدخل من قبل الشريك الجديد في فرض وجهة نظره ورؤيته لبعض القضايا المصيرية التي تخص الشرق الأوسط وهذا الأمر لا يخلو من تخوف البعض من القول بأن جذور روبرت مردوخ اليهودية يمكن أن تؤثر علي توجهاته الإعلامية. أما مصير الأفلام المصرية التي تحتفظ روتانا بالنيجاتيف الأصلي لها فيمكن أن يدخل تحت تصرف نيوز جروب لأن الصفقة لم تستثن ال2000 فيلم من حسابها مما يطرح قضية في منتهي الأهمية وهو تداول هذه الأفلام كرصيد مادي يمكن أن تستغله الشركة لتعويض خسارتها المادية لأن طرح أسهمها للاكتتاب مع بداية العام الجديد يمكن أن يمهد لخطوة أخري وهي بيع هذا التراث كاحتمال وارد، لكن لا أحد يمكن أن يمنعه لأن هذا النوع من الصفقات يتم عادة في إطار من السرية وتكون النتيجة ضياع رصيد كامل يمثل 100 عام من عمر السينما المصرية التي كان لها الفضل في تشكيل الوعي العربي ووجدان الشخصية العربية من المحيط إلي الخليج. وأنا لست مع الرأي القائل بأن المنتج يظل يحمل بصمات صانعه الأول حتي لو انتقلت ملكيته إلي الآخرين لأن التلاعب بالفن السابع وإهدار تراثه سيؤثر سلبًا علي الهوية القومية التي بذلت مصر قرنًا كاملاً من أجل ترسيخ مفاهيمها في الأذهان وعندما تهدر هذه الأفلام سيحل بالطبع مكانها مجموعة من الأفلام التي تحمل القيم الأمريكية وكأن دخول نيوز كروب نوع من الغزو الفكري والثقافي لن يتم اكتشاف آثاره إلا بعد فوات الآوان وهذا هو لب القضية.