يحكي أن حصان أحد المزارعين وقع في بئر مياه عميقة ولكن البئر كانت جافة.. بدأ الحيوان بالصهيل واستمر هكذا لمدة عدة ساعات كان المزارع خلالها يبحث الموقف ويفكر كيف يستعيد الحصان.. ولم يستغرق الأمر طويلاً كي يقنع نفسه بأن الحصان قد أصبح عجوزاً، وأن تكلفة استخراجه تقترب من تكلفة شراء حصان آخر.. هذا إلي جانب أن البئر جافة منذ زمن طويل وتحتاج إلي ردمها بأي شكل. وهكذا نادي المزارع جيرانه وطلب منهم مساعدته في ردم البئر كي يحل مشكلتين في آن واحد: التخلص من البئر الجافة من ناحية، ودفن الحصان من ناحية أخري.. وبدأ الجميع بالمعاول والجواريف في جمع الأتربة والنفايات وإلقائها في البئر.. في بادئ الأمر، أدرك الحصان حقيقة ما يجري، حيث أخذ في الصهيل بصوت عال يملؤه الألم وطلب النجدة.. وبعد قليل من الوقت اندهش الجميع لانقطاع صوت الحصان فجأة.. وبعد عدد قليل من مرات الردم بالجواريف، نظر المزارع إلي داخل البئر فصعق لما رآه: فقد وجد الحصان مشغولا بهز ظهره، إذ كلما سقطت عليه الأتربة يرميها بدوره علي أرضية البئر، ويرتفع هو بمقدار خطوة واحدة لأعلي واستمر الحال هكذا: الكل يلقي بالأوساخ إلي داخل البئر فتقع علي ظهر الحصان فيهز ظهره فتسقط علي الأرض حيث يرتفع خطوة بخطوة إلي أعلي.. وبعد فترة امتلأت البئر وعلا الحصان إلي أن اقترب من السطح فقفز قفزة بسيطة وصل بها إلي خارج البئر بسلام.. وإلي هنا انتهت القصة التي تحوي عبرة مذكورة بعدها وعبرة أخري قفزت إلي ذهني من الأعماق كما قفز الحصان من أعماق البئر.. أما العبرة الأولي فهي أن الحياة تفعل بالإنسان ما حدث للحصان، فهي تلقي بأوجاعها وأثقالها عليك وكلما حاولت أن تنسي همومك فهي لن تنساك بل سوف تواصل إلقاء نفسها عليك.. وكل مشكلة تواجهك في الحياة هي حفنة تراب يجب أن تنفضها عن ظهرك حتي تتغلب عليها وترتفع بذلك خطوة للأعلي لتجد نفسك يوماً علي القمة.. ومهما كان هناك أناس يريدون دفنك حيا، لا تنهار ولا تستسلم أبدا.. أما العبرة الثانية في نظري فهي ليست للحصان بل للمزارع وجيرانه.. لا ينبغي أبدا أن نرفض كبار السن، أو نستهين بقوتهم لأنهم في مظهر ضعف جسدي.. كبار السن هم أصحاب الخبرة الذين يستطيعون لا أن يخرجوا من البئر بقوتهم بل بذكاء وفرته لهم الخبرات الحياتية.. وبرؤية واسعة الأفق لا تستسلم للغضب بل تستغل من حولها في عنفوانهم وعملهم الدؤوب لردم البئر حتي يخرجوا هم بسلام منه.. في المجتمعات الأكثر تقدما يحترمون كبار السن جدا جدا.. ومهما بلغ عمر هؤلاء، أو ساءت صحتهم، فهم مبجلون يتم الاعتناء بهم حتي النفس الأخير.. أما الذين يتمتعون منهم بصحة جيدة - وهم ليسوا بقليلين - لا يتم الاستغناء عن خبراتهم بالرغم من توفير الراحة لهم واستخدام الشباب في العمل المنتظم.. أما نحن فما زلنا نتعامل بالطريقة نفسها مع (خيل الحكومة العجوز).. وللحديث بقية..