حقيقة لا شك فيها أن الجزائر دولة عربية تقع في شمال القارة الأفريقية! ولا يمكن أن ننسي أن المعز لدين الله الفاطمي، الجزائري الأصل، هو الذي بني القاهرة وأسس جامع الأزهر. لكن الحقيقة الأخري أن الجزائر عانت ولسنوات طويلة من أهوال الاحتلال الفرنسي منذ 14 يونيو عام 1830، وقد لقي الفرنسيون مقاومة شديدة من جانب السكان، وقاد الأمير عبد القادر حركة المقاومة في غرب البلاد. وقد أخرت هذه الثورات عملية السيطرة علي البلاد، وأكمل الفرنسيون احتلال الجزائر سنة 1900م عندما تمكنوا من إخضاع الطوارق في جنوب البلاد وفي سنة 1954 اندلعت ثورة التحرير الجزائرية بدعم كبير ومؤازرة من جانب الزعيم جمال عبدالناصر قائد ثورة 23 يوليو بمصر واستمر هذا الدعم غير المحدود حتي نالت الجزائر استقلالها في 5 يونيو سنة 1962. وخلال سنوات الاحتلال مارست القوات الفرنسية المحتلة كل ألوان الذل والهوان علي الشعب الجزائري ومنها الإبادة الجماعية، التهجير، التعذيب، والتعدي علي الهوية العربية وفرضوا عليهم بموجب قانون الألقاب الصادر عام 1882 أسماء مشينة ليسموا أبناءهم بها ولاتزال العائلات الجزائرية تحمل تلك الأسماء حتي اليوم ويتم تداولها في كل المحررات والوثائق الرسمية ومنها لقب حمار، ولقب بوذيل، ولقب خاين النار، ولقب مجنون، ولقب بومعزة، ولقب كنّاس ولقب بومنجل. وكذلك قام الاحتلال بفرض اللغة الفرنسية لتصير اللغة الرسمية بالبلاد. وحتي الآن يوجد في باريس منطقة مشهورة يقطنها الجزائريون ملقبة باسم بارباس ومعناها البراغيت. وجدير بالذكر أول رؤساء الجزائر بعد الاستقلال كان أحد جبهة التحرير وهو السيد أحمد بن بلة الذي سرعان ما تم عزله من منصبه في سنة 1965 علي يد حليفه السابق ووزير دفاعه هواري بومدين، غير أن الجزائر قد دخلت في التسعينيات في دوامة العنف بعد أن تدخل الجيش ليمنع حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ من تولي السلطة، بعد أن فازت في أول انتخابات شاركت فيها عدة أحزاب وقتل أكثر من 200 ألف شخص أغلبهم من المدنيين، ومنذ تاريخ تلك الأحداث ومن هذا التاريخ سيطر مناخ العنف علي أجواء البلاد وصار العنف سمة من سمات الشعب الجزائري. ويبدو أن قادة الجزائر أرادوا تفريغ شحنة العنف لديهم إلي خارج البلاد، فاختاروا أن يوجهوها ضد الشعب المصري لأنه شعب طيب ومسالم وصاحب حضارة..! وتناسوا أفضال مصر عليهم، وتناسوا المد الثوري ومساعدات جمال عبدالناصر لهم، وتنكروا لفضل المعلمين المصريين الذين كانت تدفع الحكومة المصرية رواتبهم من أجل أن يذهبوا إلي الجزائر ليعلموا أهلها وشعبها اللغة العربية، وتنكروا للشعب المصري الذي استضافهم ودربهم في مصانعه بالمحلة وكفر الدوار، ولا يمكن أن نحصي أفضال مصر عليهم لأنها معروفة وهم يتذكرونها جيدًا، لكنهم عرفوا الحق وضلوا عنه فصاروا وبحق أهل ضلال بعد أن كانوا أهل نضال. والظاهرة الجديدة التي أوجدتها أحداث مباراة مصر والجزائر، هي مقدرة الإعلام علي تحريك المشاعر ودفع الناس بالملايين للخروج من منازلهم للشوارع للتعبير عن مشاعرهم أو للترفيه عن أنفسهم..! لكن المهم أن الجماهير خرجت للشوارع بأعداد تتجاوز مقدرة الأمن علي حفظ النظام؟ وهذه الظاهرة تحتاج لدراسات أمنية واجتماعية وسياسية لأن لها العديد من السلبيات وقد يكون لها مردود سيئ. وبخصوص القول بأن الحكومات قد سيست الرياضة، فهذا شيء قديم ومعروف منذ سنوات الحرب العالمية الثانية وقد استخدمه هتلر في الدورة الأوليمبية التي أقيمت في برلين ابان تلك الحرب. كل هذا لا يمنعنا من أن نكون صرحاء مع أنفسنا ونعترف بوجود قصور من جانب منتخبنا القومي لأنه تراخي في البداية وضيع أكثر من فرصة ما كان يجب أن تضيع، وكانت الفرصة الواحدة إذا أحسن استغلالها، كفيلة بصعودنا إلي المونديال لنحتل الموقع اللائق بمصرنا الحبيبة حفظها الله شعبا وقيادة.