تعتبر قضية صناعة المقاولات للخارج، خاصة الدول الأفريقية من القضايا المهمة والحيوية التي تقوم الدولة بتفعيلها والوقوف إلي جانبها من خلال المحافل السياسية والعلاقات الطيبة التي تربط مصر بشقيقاتها الأفريقية، وعلي الرغم من السباق العالمي والمنافسة الشرسة من جانب العديد من الشركات الأجنبية والعربية للاستحواذ علي هذه الأسواق الواعدة والمفتوحة إلا أن الشركات المصرية قد قامت بالانتشار في كثير من هذه البلاد وأثبتت وجودها وقد حققت شركة المقاولون العرب كبري شركات المقاولات بالمنطقة علي مدي أكثر من 50 عاما سمعة طيبة لشركات المقاولات المصرية ونجاحا كبيرا من خلال تنفيذها للعديد من مشروعات خطط التنمية في بعض دول أفريقيا. وفي إطار دعم الدولة للتصدير بوصفه أحد محركات عملية الاستثمار كانت شركة المقاولون العرب في مقدمة من فكر في تصدير صناعة البناء إلي خارج مصر بصفة عامة ودول أفريقيا بصفة خاصة لما لهذه البلاد من حاجة إلي إنشاءات وتعمير وبناء وتطوير نظرا لكثرة خيراتها التي تحتاج إلي من يحولها إلي إنشاءات ومشروعات تخدم أبناء دول القارة السمراء. وقد تواجدت مشروعات الشركة في القارة السمراء في كل مجالات البناء والتشييد حيث شملت المباني العامة والكباري والطرق والانفاق والمطارات والإسكان ومشروعات المياه العامة ومحطات الكهرباء ومصانع الأسمنت والموانئ والسدود والمستشفيات والاستادات الرياضية والري وتوريد الخرسانة الجاهزة والأعمال الكهروميكانيكية والاستشارات الهندسية وتصنيع وتركيب المنشآت المعدنية. لقد ساهمت شركة المقاولون العرب في إعمار أفريقيا بالرغم من وجود منافسة قوية وحقيقية مع شركات عالمية تمثل دولاً مختلفة إلي الصعوبة في تمويل الاستثمار ونقص المعلومات التفصيلية عن المشروعات في هذه الدول إضافة إلي ارتفاع درجة المخاطر السياسية والأمنية في أفريقيا وعدم وجود أفضلية للشركات العربية وصعوبة إيجاد الكم المطلوب من الكوادر الفنية إلا أن الشركة استطاعت أن تقدم إنجازات في كل مجالات البناء والتشييد وتمثلت تلك الإنجازات في عدد من المشروعات العملاقة في أفريقيا، حيث يتركز 80٪ من أعمال الشركة بالخارج في أفريقيا. * "روزاليوسف" حاورت المهندس إبراهيم محلب رئيس شركة المقاولون العرب حول الاستثمار في أفريقيا.. وسألته عن قضية التصدير؟ - محلب: نحن نضع نصب أعيننا قضية التصدير كهدف قومي ونسير وفق خريطة معينة لتحقيق التوسع والانتشار خارج مصر وقد بدأت المقاولون العرب نشاطها في قارة أفريقيا في ليبيا عام 1965 وفي السودان عام 1978 وفي نيجيريا عام 1992 وقد تعددت أوجه استثمار المقاولون العرب في أفريقيا ومنها الاستثمار المباشر من خلال تنفيذ مشروعات التشييد عن طريق فروع لها في بعض الدول الأفريقية في كل من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وتشاد وبنين والسودان أو عن طريق إنشاء شركات مشتركة مع الشركات المحلية لتنفيذ مشروعات التشييد في كل من غانا ونيجيريا ورواندا وبتسوانا وأوغندا وغينيا الاستوائية وفي كلتا الحالتين يتم الحصول علي المشروعات عن طريق الدخول في مناقصات إما محلية أو دولية. وتتواجد الشركة في 16 دولة أفريقية منها 6 دول عربية من أجل دفع عملية التنمية بتلك الدول والمساهمة في الإعمار والتطوير بفكر متطور وعطاء قادر علي التنافس. التمويل * روزاليوسف: وكيف يتم تمويل هذه المشروعات؟! - محلب: يتم تمويل هذه المشروعات إما عن طريق الحكومات أو عن طريق هيئات التمويل الدولية وهذا النوع الأخير هو الذي يحظي باهتمام الشركة لأن مخاطره محدودة ومستحقاته المالية مضمونة من خلال الجهة المانحة، وعلي سبيل المثال لا الحصر قامت المقاولون العرب بتنفيذ عدد من المشروعات الهامة بالقارة السمراء منها مطار الناضور بالمغرب العربي وبناء 1500 وحدة سكنية بمشروع إسكان أولاد فايت ووزارة المالية بالجزائر والذي يعد أضخم مجمع إداري بقارة أفريقيا وفندق أنجامينا بتشاد وطريق نواديبو بموريتانيا وطريق الكحل - الرقم بسلطنة عمان وطريق النجيما كوبي بغينيا الاستوائية ومركز خدمات البردا بليبيا وكوبري شندي المتمة بالسودان ومشروع صرف صحي بالمغرب والطريق الدائري بغينيا الاستوائية، وقد وصل حجم الأعمال التي قامت المقاولون العرب بتنفيذها علي مدار الخمسة أعوام الماضية في قارة أفريقيا حوالي 7 مليارات جنيه والجاري تنفيذه 12 مليار جنيه والمرحل 8 مليارات جنيه أي بإجمالي 27 مليار جنيه. المعوقات * روزاليوسف: ما هي المعوقات التي تواجهها المقاولون العرب في أفريقيا؟! - محلب: المقاولون العرب والشركات المصرية بصفة عامة تواجه في أفريقيا عدة معوقات تحول دون توسع استثماراتها فيها الأمر الذي ينعكس بالسلب علي واقع ومستقبل العلاقات المصرية الأفريقية وسبل تطويرها وتنميتها وبصفة خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية، وقد أظهرت الإحصائيات الرسمية أن حجم التجارة مع هذه القارة بسيط جدًا ولا يذكر من حجم التجارة المصرية مع دول العالم رغم الأهمية السياسية والاقتصادية للدور المصري في أفريقيا ورغم أننا أمام سوق مفتوحة تضم أكثر من 700 مليون نسمة ويصل حجم التجارة فيها أكثر من 80 مليار جنيه. أما أهم المعوقات التي تواجه المقاولون العرب والشركات المصرية وتحول دون زيادة استثماراتها صعوبة تمويل الاستثمارات حيث تحتاج المشروعات إلي تمويل منذ بدء دراستها كعطاءات ونقص المعلومات التفصيلية وهي من المشكلات الكبري التي تواجه أي شركة مصرية تستثمر في أفريقيا رغم الجهود التي تقدمها الجهات الرسمية (وزارتا الخارجية والتعاون الدولي) حيث تضطر الشركة إلي إرسال مندوبين لتوفير المعلومات الفنية المتخصصة وزيادة مواقع المشروعات وذلك إلي جانب المنافسة الشرسة من الشركات الأجنبية التي كانت متواجدة قبل تحرير هذه البلاد من المستعمر الأجنبي ومازالت تعمل بقوة وبمساعدة قوية من حكوماتها وهناك مشكلة أخري وهي ارتفاع درجة المخاطر السياسية والأمنية في أفريقيا حيث تحجم البنوك المصرية عن تمويل المشروعات الاستثمارية في هذه القارة وحتي وإن قبلت فهي تقبل بشروط صعبة غير قابلة للتنفيذ إلي جانب ذلك هناك صعوبات حقيقية في إيجاد الكم المطلوب من الكوادر الفنية ذات المستوي الفني المطلوب والتي تتحدث اللغات الأجنبية في نفس الوقت لحساسية العمل في مجال المقاولات. روشتة العلاج * روزاليوسف: ما هي الحلول التي تقترحها للتغلب علي هذه المشاكل؟ - محلب: زيادة الجهود التي تقوم بها وزارة الخارجية المصرية ومكاتب التمثيل التجاري لتوفير معلومات تفصيلية ونوعية تساعد الشركات علي فهم البيئة الأفريقية لاتخاذ قرارات استثمارات صحيحة والاستفادة من الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا لمساهمته في تمويل دراسات الجدوي للمشروعات التي تتم في أفريقيا وشراء كراسات المناقصات للمشروعات الإفريقية وأن يتولي بنك الاستثمار الوطني إصدار الضمانات البنكية اللازمة للشركات المصرية أو الشركات المنبثقة منها لتمكينها من المشاركة في العطاءات بالدول الأفريقية وما يمكن تلك الشركات من المنافسة في العطاءات بشكل أكثر جرأة. وأطالب كذلك بإنشاء مؤسسة مصرية قوية للاستثمار في أفريقيا علي غرار شركة الاستثمارات الليبية أو بالتعاون معها وتعميم اتفاقيات مع الدول الأفريقية لمنع الازدواج الضريبي واتفاقيات تشجيع وحماية الاستثمارات واتفاقيات التبادل التجاري والتنسيق بين الشركات المصرية بحيث لا تتنافس في نفس البلاد وإنما يمكن أن تتعاون في بلاد معينة أو تخصيص مناطق نفوذ لكل شركة مع وضع نظام متكامل لضمان عدم المخاطر للصادرات المصرية وخاصة خدمة التشييد إلي الدول الأفريقية ودراسة قيام شركات التأمين المصرية بإصدار وثائق تأمين جماعية لتغطيتها، وأخيراً بناء رؤية مصرية شاملة للاستثمار في السوق الأفريقية سواء من قبل المؤسسات الحكومية أو رجال الأعمال والقطاع الخاص فالكل يتعامل مع هذه القارة الواعدة بنمط (المقاولة السريعة)التي ما أن تنتهي حتي يخرج منها المستثمر المصري ليبحث عن مقاولة أخري، الأمر الذي يستلزم تحركاً جاداً وحقيقياً من أجل وضع خريطة للفرص الاستثمارية في أفريقيا والاستفادة منها. * روزاليوسف: ولكن لكي تتواجد الشركات المصرية بأفريقيا.. ما المطلوب منها؟ - محلب: لكي تتواجد الشركات المصرية بالسوق الخارجية لابد أن تمتلك نفس الأسلحة التي تمتلكها الشركات المنافسة من تنمية وتدريب الخبرات الهندسية والكفاءات الفنية الموجودة لديها علي التقنيات الحديثة في هذا المجال بجانب الجودة والأداء المشرف والالتزام بالخطة الزمنية للأعمال، ويري أن اندماج الشركات الصغيرة لتكوين كيانات كبيرة هو عامل أساسي للقدرة علي المنافسة وانتشارها بالخارج، وهناك الأمثلة الكبيرة علي اندماج العديد من الشركات الأجنبية العملاقة لتكوين تكتلات ضخمة بالمنطقة. الجزائر وإسرائيل * روزاليوسف: أثارت أزمة مباراة الجزائر وما تبعها من اعتداءات علي العمال والمعدات والمنشآت المصرية في الجزائر ردود فعل سلبية لدي الشارع المصري الذي طالب بتصفية أعمالنا هناك.. فكيف تري الموقف؟ - محلب: ما حدث في الجزائر باختصار يمثل خرقاً خطيراً لأواصر الوحدة العربية والأفريقية معاً حيث ساهم التعصب الأعمي في التعدي علي المعدات ومقارالشركة المنتشرة في جميع أنحاء الجزائر مما اضطرنا إلي وقف الأعمال في المشروعات هناك خوفاً علي حياة 400 عامل مصري يعملون إلي جانب ألف جزائري في مشروعات متنوعة منها مجمع سكني وتجاري وسط العاصمة الجزائر ومشروع مطار عنابة وسوق تلمسان.. والحمد لله لم تحدث أي خسائر في الأرواح. * روزاليوسف: ولكن هل سيدفعكم هذا إلي وقف المشروعات في الجزائر؟ - محلب: هذه سحابة صيف لن تستمر طويلاً ثم تنقشع فالعلاقات بين البلدين العربيين والأفريقيين أقوي من أية مباراة وهذه الأحداث لن تجعلنا نصفي شركتنا هناك ولكن سننتظر عما تسفر عنه الأحداث.. كما أن هذه الأحداث لن تدفعنا إلي وقف مشروعاتنا التنموية في أفريقيا فالمقاولون العرب بوابة مصر في أفريقيا فمن ثم لن نتراجع عن مساعدة الأفارقة للنهوض ببلادهم. * روزاليوسف: وماذا عن التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا.. هل يوجد دور للشركات المصرية هناك؟! - محلب: في الحقيقة وجود إسرائيل في أفريقيا ليس مؤامرة ضد مصر فإسرائيل تسعي لمصالحها الخاصة والحديث السياسي عنها ليس في محله فالتجارة والاستثمارات لا تعرف نظرية المؤامرة بل الانتماء للمصالح و"البيزنس". * روزاليوسف: أين تتركز أنشطة المقاولون العرب؟ - محلب: تستحوذ أفريقيا علي 80٪ من حجم أعمال الشركة بالخارج وأغلبها حصلنا عليه بنظام الأمر المباشر نظراً لثقة هذه الدول في المقاولون العرب.. وتحتل نيجيريا المركز الأول في استثماراتنا بافريقيا ثم تليها السودان والتي تمثل أهمية خاصة بالنسبة لمصر نظراً لوحدة وادي النيل. * روزاليوسف: وماذا عن أثيوبيا؟! - محلب: شرعت المقاولون العرب في تأسيس شركة أثيوبية مصرية لتكون مفتاح العمل في أثيوبيا حيث تعد أحد مفاتيح بيزنس السوق الأثيوبية.. وهذه الشركة ستديرها المقاولون العرب بنسبة 99 ٪ . * روزاليوسف: وكيف تواجهون مشكلة العمالة؟ - محلب: نحن نحاول قدر الإمكان الاستعانة بالعمالة المحلية لأنه الأفضل من الناحية الاستثمارية إلي جانب أنه يشيع نوع من الود والمحبة مع الأفارقة ويعطي ثقة في المقاولون العرب ومن ثم مصر.. ولكن إذا لم تتوافر هذه العمالة المدربة فإننا نضطر إلي الاستعانة بالعمالة المصرية. * روزاليوسف: وماذا عن المعدات؟! محلب: ننظر إلي الأمر نظرة استثمارية فإن كان الأفضل هو نقل المعدات من مصر فيتم ذلك عن طريق السفن وإن كانت هناك معدات متوافرة في هذه الدول أو دول أخري مجاورة نشتريها أو نؤجرها أيهما أفضل وأقل تكلفة.