الحياة بطعم الموت تلك التي يعيشها ما يقرب من 20 ألف نسمة في قرية عرب أبوساعد بمحافظة حلوان.. القرية التي تبلغ مساحتها 60 فدانا يوجد بها حوالي 680 مصنعا مختلف النشاط ما بين الحديد والصلب والطوب ومسابك الرصاص والسماد والزجاج، وتفرز هذه المصانع جميع أشكال السموم والملوثات مما أدي إلي تفشي أمراض الدرن والصدر والحساسية والفشل الكلوي بين الأهالي. يقول أشرف سلامة -34 عاما- صاحب سنترال: عانيت الأمرين بسبب قرب منزلي من مصنع السماد فأولادي الأربعة دائمو التردد علي طبيب الأمراض الصدرية للحصول علي جلسات الأكسجين يتراوح سعر الواحدة منها ما بين 50 و60 جنيها نظرا لإصابتهم بضيق في التنفس بسبب الأدخنة المتصاعدة من المصنع، لافتًا إلي أن ضيق الأحوال المادية هو الذي يمنعه من الرحيل من هذه القرية خاصة أنه ولد ونشأ فيها. ويضيف سلامة: لي جار متزوج منذ 5 سنوات ولم يرزقه الله بأطفال، وعندما حملت زوجته كانوا في غاية السعادة ولكن فرحتهم لم تدم طويلا حيث أجهضت زوجته في الشهر الثالث بسبب الغازات المتصاعدة من مدخنة المصنع. ويوضح محمد سلامة أن المصنع يبدأ عمله بعد صلاة المغرب من كل يوم وتتصاعد الأدخنة حتي شروق الشمس في اليوم التالي.. ويؤكد أن الأدخنة تزداد بسبب إيقاف الفلاتر عن التشغيل مما يحدث نوعا من الشبورة والضباب تحجب الرؤية لبعض الوقت 3 أمتار وهو ما يتسبب في وقوع حوادث طرق أحيانا. خالد عيد -38 سنة- صاحب سوبر ماركت يقول يوجد في قرية عرب أبوساعد ما يقرب من 680 مصنعا لمختلف المجالات مثل الطوب ومسابك الرصاص وبعض مصانع العظم والغراء ومصنع الزجاج.. ولذلك هي منطقة خطرة جدا علي صحة قاطنيها. ويؤكد عيد: كل هذه المصانع جاءت بعدنا ولم نسكن نحن بعد إنشائها.. كما أن هذه المنطقة بها أكبر محطة صرف صحي وهي لا تبعد عنا أكثر من 500 متر، إلا أننا نعيش دون صرف صحي مما يزيد مأساتنا.. ويقول عيد: ذهبنا لكل المسئولين ولكن دون جدوي وما أثار غضب الأهالي هو فتح مصنع جديد للبلاستيك مساحته تتخطي ال15 فدانا.. وأشار إلي فساد الأرض الزراعية بكل المنطقة وإصابتها بالبوار نظرًا لتأثرها بمخلفات هذه المصانع والسموم الناتجة عنها. ويقول محمد إسماعيل -40 سنة- "فران": فوجئنا منذ حوال شهرين بإصابة العديد من أهالي القرية بالكلي، حيث أصيب أكثر من 10 أفراد مرة واحدة وتتراوح أعمارهم ما بين 15 و40 عاما، مما دفع بعض أهالي القرية إلي التهجم علي العاملين بالمصنع وضربهم وسبهم وحرق سياراتهم الشخصية لتهديدهم والضغط عليهم لقفل المصنع أو ترك العمل به حتي يتوقف.. ويقول عبدالله حامد -61 عاما-: أصابني الدرن منذ إنشاء هذا المصنع بالمنطقة ولسوء حظي فإن منزلي لا يبعد عنه سوي كيلو متر واحد فقط، موضحًا أنه لا يمانع من العيش بأي مكان آخر شريطة أن تعوضه الحكومة بمبلغ مادي مناسب ليستطيع من خلاله توفير مسكن آخر له ولبناته. فيما تعاني نجاح عبدالحليم -57 عاما- "ربة منزل" منذ 10 سنوات بحساسية علي الصدر ولا يوجد عائل أو عائد مادي لها سوي معاش 70 جنيها رغم أنها تنفق ما يقرب من 150 جنيها شهريا علي العلاج.. مؤكدة أنها تقطن في قرية عرب أبوساعد منذ أن كان المكان عبارة عن صحراء وبعدها بدأ الناس يتوافدون للعيش في القرية بعد تشييد العمارات والمنازل.. ثم فوجئنا بعد ذلك بانتشار المصانع في المنطقة ولكننا لم ندرك خطورتها لذلك لم نبال، منذ بداية الأمراض أصبحنا نقطن في منطقة صناعية وأصبحت المصانع تحيطنا من كل الجهات ويعمل معظمها في مجالات وصناعات خطيرة كمصنع فحم الكوك والحديد والصلب ومسابك الرصاص حتي أصيب معظم سكان المكان بأمراض مختلفة كالكلي والصدر والدرن بالإضافة إلي عدد السيدات الحوامل اللاتي أجهضن في الأشهر الأولي من الحمل نتيجة لما يستنشقنه من أدخنة متصاعدة من المصانع. ويقول نادي الطماع "عضو مجلس محلي محافظة حلوان" قدمت الكثير من طلبات الإحاطة للمحافظة وناديت بتوفير جهاز لقياس نسبة التلوث في القرية من جهاز حماية البيئة، بالإضافة إلي توفير مستشفي بها ووحدة للأكسجين والرعاية نظرا لكثرة الحالات التي تحتاج إلي جرعات من الأكسجين أسبوعيا، حيث إن القرية لا يوجد بها سوي مستشفي واحدة، واعتبر أنه في حالة اتخاذ الحكومة قرارا بنقل المصنع لن ينفذ ما بين يوم وليلة، خاصة أننا حتي الآن لسنا متأكدين من شرعية المصنع هل هو قانوني أم مخالف؟.. حيث تم تشييده منذ 10 سنوات.. وعلي الرغم من عدد طلبات الإحاطة التي قدمت في المحافظة إلا أنها باءت بالفشل ولا استجابة من المسئولين.