"في هذه المرة تواطأت قليلا مع طريقته في تحسس جسدها من تحت العباءة، ثم ابتعدت بسرعة حين أحست برودة يده تعصر لحمها الطري".. هذه واحدة من مشاهد عديدة "تحبس الأنفاس"، يصوّرها شريف صالح، كاتب وصحفي مصري مقيم بالكويت، في مجموعته القصصية الحديثة مثلث العشق. الصادرة مؤخرا عن دار العين للنشر، ومنعت من دخول معرض الكويت للكتاب المنصرم، بعد حجزها داخل فرع مكتب الرقابة التابع لوزارة الإعلام الكويتية بجمرك المطار، بدون إبداء أسباب مكتوبة مثلما أكدت الناشرة د. فاطمة البودي، التي أوضحت أن الإجراء شمل أيضا 12 عنوانا آخر عن الدار، منها كتب: "المقدس والمدنس في فكر الجماعات الإسلامية" لعمار علي حسن، و"شخصيات عرفتها" لحسين أحمد أمين، ورواية "أبناء الجبلاوي" لإبراهيم فرغلي. المثير حقا، أن مصادرة المجموعة وغيرها قبل عرضها وبيعها في المعرض، جاءت عشوائية بامتياز، فبالرغم من أنها تحمل قدرا عاليا من التلامس مع بيئة وأجواء ومفردات منطقة الخليج التي يعرفها المؤلف جيدا، ومزجها بأحداث وصور - متخيلة - تكسر أسوار الحشمة والمحافظة والتقاليد في بلد عربي، إلا أن قرار منعها -لسرعته - لا ينم أبدا عن أن القصص وعددها 11 قد قرأها بشكل أو بآخر أحد من مصدري ومنفذي قرار المنع، علي الهاتف من الكويت، حدثنا شريف عن الرقابة في الكويت، وفي الوطن العربي عموما، عن حذرها الشديد الزائد عن اللازم، وعن تخاذل أو تكاسل الناشر أمام سلطة الرقيب، مؤكدا لنا أن المجموعة إلي الآن تنتظر أن تتشكل لجنة قراءة، أما الأسباب التي أبداها من قابلهم من المكتب أن الكتاب - من غلافه وعنوانه الملف - يحتوي علي "بورنو" وإساءة للدين! هذا الارتباك الثقافي في الكويت، الذي لا يتناسب، بحسب شريف، مع حالة الحراك والانفتاح السياسي والديمقراطي والنيابي في الكويت، لا يبعد كثيرا بشكل أو بآخر عن أجواء المجموعة، صراعات نفسية وتناقضات أحلام وخيالات وهذيان وشهوانية، حالات من الكبت أو التحرّر المكبوت، تأسر جميع أبطال القصص تقريبا، التي كتبت جميعها كما يشير المؤلف - يعمل صحفيا بجريدة النهار - في الكويت بين عامي 2007 و2009، إلا أنها لا تقع كلها في الكويت، بل نصف القصص تقريبا تدور أحداثها في مصر، مفردات منطقة الخليج التي أشرنا إليها تبدو واضحة في أغلب قصص الكويت، حيث الفنادق والسيارات الفارهة، أصناف الطعام والشراب والخمور، أوصاف النساء وحتي الطبيعة، الخادمات الهنديات، سر العاهرة الفلبينية، العمّال البنغاليون، غرف الغضب التي تعزل الأزواج، وفجأة ننزل إلي المقاهي الشعبية والشوارع و"النواصي" بالقاهرة، لكن بمنطق المجهول مرغوب، تصبح قصص الخليج أكثر جذبا ومتعة من القصص القاهرية، التي تشعر في بعض الأحيان أنها خارجة عن السياق. قصة "شعر غجري تتطاير منه الحجارة" أو "نص العاصفة" كما يحلو لشريف وصفه، قد تبدو أجمل قصص المجموعة وأكثرها حدّة في حبس الأنفاس وتعبيرا عن روح المجموعة، عن حالة الشد والجذب في الحياة الزوجية التي يصورها المؤلف في أكثر من موضع في أكثر من قصة، متوترة ومبتذلة، باردة ومنفعلة أحيانا، أزواج في سن الأربعين، وزوجات شابات، يشكلان طرفي المثلث، ثم هي الخيانة أو متلازمة العاشق أو المعشوقة، تشكل الطرف الثالث لمثلث العشق. "قد يسبق الواقع الخيال"، هكذا يجيبني شريف عندما أسأله في كل مرة عن الفارق بين الحقيقة والخيال في مجموعته، لأنه مقيم في الخليج، ولأنه صحفي في المقام الأول، لا تمنع مثل تلك المعلومات ما إن توافرت لقارئ المجموعة، من الاعتقاد بأن ما يسجله شريف مثلا عن لحظة خيانة بين زوجة وعامل هندي في نواد للمساج من المعروف أنها منتشرة بالكويت، وذلك في قصة "سيدة الدانوب الأزرق"، صحيحا، يقول: "من المعروف أن يوجد هناك نوادي مساج، لكنها منفصلة، الرجال للرجال والنساء للنساء، لكن الاختلاط في الخليج من الممكن حدوثه في أضيق حدود ولا أعلم عنها فعلا، لكنه ممكن حدوثه عند الطبقات الكويتية الثرية جدا والارستقراطية". الملفت أن فعل الخيانة أو الجنس أو الخطيئة أو الإغواء والنشوة تظل في جميع القصص تقريبا، ناقصة، غائمة، غير متحققة بالكامل، ربما لأنه يحدث أغلبها في عالم الخيالات لأبطال القصص، أو لأن المجتمع المحيط مأزوم.