لم يكن هناك في الحقيقة مبرر لقيام تنظيم للإخوان المسلمين في السودان لأن جميع القوي السياسية التي تتولي زمام الأمور به حكومية ومعارضة كلها ذات جذور إسلامية فليس هناك مجال لفصيل جديد يرتدي عباءة الإسلام ويتاجر بها ويروج لها منذ أن بدأت الحركة الوطنية وهي تعتمد علي رجالها وأنصارها في الخلاوي المنتشرة في السودان ومن رجال الطرق الصوفية ومن الطوائف التي كان أشهرها الختمية والأنصار مما يعج به السودان ولذلك فإنه مع بزوغ الحركة الوطنية لم يكن للإخوان حس ولا ذكر فماذا سيقولون أكثر مما يقوله قطبا الرهان المرتكزان علي آلاف مؤلفة من الموالين الذين هم علي استعداد للموت فداء للطائفة التي ينتمون إليها..! تجمعت أحزاب الشمال الوحدوية التي تنادي بالوحدة مع مصر تحت رايات الائتلاف والتفاهم وتوجهوا لأقرب الطائفتين إلي رؤيتهما السياسية وهي الختمية وأصبحت الختمية هي راعية الأحزاب الوطنية الوحدوية رعاية مصالح في الحقيقة! وتوجهت القوي الأخري إلي طائفة الأنصار التي شكلت حزب الأمة يأخذ منها عونا وبركة ودعما وتأييداً. تنبه السيد إسماعيل الأزهري أول رئيس وزراء في السودان إلي هذا الخلل الديمقراطي الذي تقع فيه الأحزاب عندما تكون قوتها مرتهنة بطائفة هي أشبه بالقبائل التي تسود فيها شريعة القطيع فكانت صيحته الأولي التي تطالب باستقلال الأحزاب عن الطوائف حفاظا علي حركتها وتنفيذ أهدافها ومن تحقيق رؤيتها السياسية. الحقيقة تلاه أخيرا السيد الصادق المهدي في هذا المفهوم السليم! إلي هذا الحين لم يكن للإخوان المسلمين أي أثر بالنسبة للحزبين أو الحركة السياسية في السودان والسودان مش ناقص إسلاميين! فعلي جانبي الساحة طائفتان جذورهما إسلامية أكبر وأقوي في الحقيقة كان حسن الترابي مرابطا ينتظر الفرصة في أعماقه حقد دفين إلي أن الإمامة كانت في طريقها إلي بيت جده الشيخ الترابي ولكنها ضلت طريقها إلي بيت المهدي محمد أحمد الذي سمي بالمهدي المنتظر وكان له ما له. فماذا يفعل الترابي ذكر في البداية أنه تلميذ حسن البنا وأنه يعرف حواري القاهرة حارة حارة وحكاياته لا تنتهي عن ذلك وأنضم إلي جماعة الإخوان المسلمين ولكنه أمام فصيلين كبيرين عتيدين لا يستطيع أن يحقق أهدافه في وجودهما ولابد أن يتخذ من الانتهازية سبيلا إلي تحقيق طموحاته والانتهازية إرث تاريخي للإخوان لا أدعي عليهم ولا ألصق بهم تهمة ولكنها حقيقة ثابتة في نهجهم السياسي فهل نفتري عليهم إذا قلنا أنهم لعبوا علي كل الحبال ومدوا حبلا لجلالة الفاروق مبايعينه خليفة أو ليس هم الذين اغتالوا الرجل الشريف محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء وأعلن رئيسهم أنهم ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين! أو ليس هم أساس فكر المتورطين المتهورين في اغتيال الرئيس السادات وذهبوا ليقدموا واجب العزاء؟ أو ليس هم المتورطين في محاولة اغتيال الزعيم جمال عبدالناصر وكذبوا ومازالو يكذبون؟ لهذه الانتهازية الأصيلة ارتكن الترابي في البداية علي اسم البنا ولكن جماعة الإخوان هزيلة هشة ولهذا سرعان ما دلق البنا وأعلن نفسه منظرا ودلق جماعة الإخوان وكون الجبهة الإسلامية في سياقه وجد أن الجيش يحكم والنميري في خصومة معه فأنهي خصومته معه وقبع في القصر الجمهوري مستشارا للرئيس ولما كان النميري قد حل الأحزاب وأبقي علي حزب واحد الاتحاد الاشتراكي السوداني استغل الترابي الفرصة ورتب وكون ووضع كوادره في أهم المواقع وقبل أن يطاح بالنميري بشهر واحد تنبه النميري لخطورته وأودعه السجن وما هي إلا أيام إلا وأطيح بالنميري ذاته وخرج الترابي من السجن كأحد المناضلين ضد النميري ونسي الناس أنه كان مستشاره لسنوات!! زايد علي النميري وزايد النميري عليه ولذلك كانت قرارات سبتمبر 1983 قرارات الشريعة التي زايد النميري بها عليهم جميعا ومازالت وحتي الساعة هي القنبلة الموقوتة التي تنفجر في أي لحظة والتي تسبب توترا دائما في السودان. الحزب الذي يرتجيه ليس لديه قبيلة تشد بنيانه ورأي أن الجيش يحقق له ما لم تحقق له الأيام والظروف الجيش هنا هو قبيلته! شارك في انقلاب 30 يونيه 1989 مع البشير ولأنه يعرف أن وجوده علي رأس السلطة الجديدة سيكون مبعث غضب شعبي لجأوا إلي التمثيل مع أنه حرام وقبض علي الترابي وأودع السجن في حركة مسرحية ثم خرج بعد استتباب الأمر للانقلاب. إذا قيمنا دور الإخوان ممثلاً في حسن الترابي كأشهر اللاعبين الإسلاميين في السودان لقلنا أنهم خربوا السودان ومزقوه وعرضوه لأسوأ العواقب فالرجل طموحه لا يقف عند حد وغروره شديد ودهاؤه أشد ركب انقلاب النميري وشارك في تدبير انقلاب البشير ولما بدأ يمارس أخطبوطيته وتقاطعت المصالح تم عزله استطاع بأسلوب المتهور أن يشارك في تأجيج أزمة الجنوب وبعد أن كان الفرقاء علي وشك الوصول إلي اتفاق إذا به يعلن اسلمة الجنوب بقوة السلاح وهدم ثوابت السودان مع أبنائه وأشعل حربا ضروسا تداعت لها كل القوي الاستعمارية وكل الكنائس المناهضة وأصبح لا خيار في بقاء السودان موحدا ولا مفر من فصل الجنوب عن الشمال ويعلن الترابي أسلمة الجنوب ويلعب بذيله في دارفور. إن دوره في التقرب والتباعد والتآمر والتصالح والاقبال والإدبار وليس دور الفقيه المتحرر، هنيئاً للإخوان تقسيم السودان وهنيئاً بالحركات الانفصالية التي غذوها وأشعلوها ولأن منظرهم يتقلب من اليمين إلي الشمال ومن الصديق إلي العدو فأنني أري أن بعده عنا في مصر خير كبير كفانا شره وشر أفكاره و لا ينخدعن أحد في ابتسامته الثعبانية ولا حركاته البهلوانية ولا دموعه التماسيحيه.