دخلت سوق الغناء المصرية في سكرات الموت منذ ثلاث سنوات فبعد فشل المنتجين في مواجهة تسريب الألبومات علي الإنترنت وانهيار صناعة الكاسيت وقعت أزمة جديدة لا تقل عن الأولي سواء في الأهمية أو في النتائج والآثار فقد تراجع بيزنس إقامة الحفلات فكيف يتجاوز المطربون هذه الورطة وما أسبابها ومن يتحمل المسئولية؟ المطربون أم الجمهور أم المنتجون أم متعهدو الحفلات؟ بلاشك إن الخروج من هذه المشكلة يحتاج دراسة متأنية لوضع الحلول في أزمة متعددة الأبعاد. أبعاد الأزمة دخلت بورصة الغناء إلي منطقة الكوارث لأن الوسط الغنائي يغلي بعد حالة من الركود والإفلاس تسببت في وقف حال المطربين وبقائهم دون عمل فلا توجد حفلات ولا ألبومات ولا حتي أفراح ويبدو أن الأزمة الاقتصادية العالمية قد أعادت توزيع خريطة الفن الغنائي فرغم زحام المطربين هناك نوع من الفراغ في الإنتاج أصاب صناعة الكاسيت فلم يعد المنتجون إلا مجرد مستثمرين في رسائل SMS والنغمات والرنات غير أن الأخطر من ذلك أن حفلات اللايف التي شهدت صراعاً مريراً علي كعكة أرباحها بين المنتجين والمطربين في الماضي قد انفض سوقها مما جعل المطرب وبالاً علي الشركة التي تتبناه فلا هو يضمن تغطية تكاليف ألبومه من خلال المبيعات ولا هو أصبح مطلوباً في الحفلات التي باتت دليلاً قاطعاً علي انهيار سوق الغناء ولم تستثني الأزمة أحداً من المطربين بعد أن فرضت حضورها علي الكبار قبل الصغار والمخضرمين قبل المبتدئين. وبخلاف رأس السنة وشم النسيم لم تعد هناك مواسم لإقامة الحفلات بعد أن كانت القاهرة عامرة بالنشاطات الغنائية لدرجة أننا كنا نتعامل بالتواريخ لنفرق بين مواعيد الحفلات سواء التي كانت تقام في الفنادق أو المسارح أو الشواطئ والنوادي والساحات ولكن كلما قابلت مطرباً بمحض الصدفة وجدته يشكو الحسرة والركود فالكل يدور في فلك فكرة واحدة تقول إن هذا الزمن ليس زمن المطربين والغناء وإنما الدراما والمسلسلات لأن حركة المطرب والمؤلف والملحن لم تجد مخرجاً من الأزمة إلا بتقديم تيترات الأعمال الدرامية التي تزودهم بما ضاع منهم من الربح بعد توقف نشاط الحفلات، الغريب أن ذلك يضم الفنانين الكبار مثل علي الحجار ومدحت صالح ومحمد فؤاد وخالد عجاج وبهاء سلطان ويندرج خلاله أيضا مجموعة من المطربين الشباب مثل إيهاب توفيق وهشام عباس ومصطفي قمر أما المطربون المبتدئون فقد توقفوا في منتصف المسافة ليعبروا عن تذمرهم من إغلاق سوق الحفلات في وجوههم مع إلقاء اللوم علي المتعهدين الذين يرون أنه من غير الممكن اللعب علي الحصان الخسران فالمطرب المبتدئون وإن كان يحقق نوعاً من الشهرة والانتشار إلا أنه لا يتمتع بالجماهيرية التي تغطي تكلفة إقامة الحفلات وبالنسبة للمطربين الكبار فإن أجورهم المرتفعة جداً وشروطهم الكثيرة تفوق كل الإمكانيات لأنهم يحددون مكان الحفل وديكور المسرح والإضاءة بطريقة تجعل المتعهدين يهربون منهم حتي حفلات الجاليات العربية في الدول الأجنبية أصبحت أمراً بعيد المنال ولم تعد تقام بكثافة كالمعتاد مما يدل علي أن الحد من التكاليف وتقليل النفقات أصبح اتجاهاً عالمياً وليس شأناً مصرياً خالصاً، وأعتقد أن هذه الظروف سيكون لها تأثير سلبي علي كل المستويات المتعلقة بالمطربين وتواجدهم علي الساحة وإعادة التفكير في الهروب إلي السينما أو إلي التمثيل في المسلسلات أو تحقيق التواجد من خلال تقديم أغنية سنجل أو فيديو كليب واحد لتحقيق الانتشار وإثبات الذات. أهم الأسباب وحتي الشركات الأخري التي كانت تشتري الحفلات وتدخل فيها كراعٍ رسمي فقد سحبت نفسها ليجد المطرب أنه أمام اختبار صعب بعد طرح التذكرة للجمهور وتكون النتيجة قاسية بعد أن يدخل المطرب إلي المسرح فلا يجد أمامه إلا 300 فرد فيضطر للتراجع والاعتذار عن إقامة الحفلات وقد حدث هذا بالفعل مع العديد من المطربين والمطربات سواء في مصر أو خارجها مما تسبب في إلغاء الحفل قبل موعده بدقائق أو الانتظار وتأخير موعد الحفل لضمان الحد الأدني من الجمهور. وفي الحقيقة إن الفنان وحده لا يتحمل المسئولية الكاملة بالنسبة لانهيار سوق الحفلات لأن الجمهور أيضا قد أصبح طرفاً مهماً في هذه الأزمة ثلاثية الأبعاد فبعد المطرب والمنتج فإن الجمهور قد وصل إلي درجة من الشبع، فلم يعد يقبل علي حفلات المطربين الذين يراهم ليل نهار ويتابع أحدث كليباتهم علي الفضائيات من خلال 20 قناة غنائية تقدم المطرب وأغنياته في مقرر دائم يصيب المشاهدين بالملل والانزعاج، فما الذي يدفعهم للجري وراء حفلاته في الساحل الشمالي وأغانيه تصبح حاضرة بمجرد الضغط علي أزرار الريموت؟، أو التحرك لحضور الحفل في حالة واحدة وهي أن تكون مجانية من خلال دعوات، وهذا هو سر الأعداد الكبيرة التي نراها في بعض الأحيان فدائماً ما تكون هناك شركة راعية قد جعلت الحضور بدون تذاكر أو حتي دعوات بهدف الترويج لمنتجها. وفي الحقيقة أن أجواء الحفلات الحالية لا تشجع المطربات ولا كبار السن من الجمهور علي المشاركة فيها نظراً لعدم النظام والفوضي التي لا تتناسب مع كلا الطرفين فلا سميرة سعيد ولا لطيفة ولا آمال ماهر يمكن أن تحيي حفلاً علي الشاطئ تحضره مجموعة من الشباب بالشورتات والتي شيرتات، ولا الجمهور الكبير في السن الذي كان يرتدي الاسموكنج والبذلات الكاملة في حفلات أم كلثوم يمكن أن يحافظ علي وقاره بعد أن تحولت الحفلات إلي ديسكو يرقص فيه الشباب، هناك نوع من الاضطراب ينعكس علي سلوك المجتمع تجاه الغناء فاللون الشعبي والغناء الغربي والطرب العربي الأصيل هي ثلاثة روافد تتصارع لتثبت وجودها مما جعل الساحة الغنائية أشبه بألوان الطيف التي تفقد الثوابت والمميزات. تحريك الركود لقد أدرك مطربو لبنان حجم المشكلة وأبعادها منذ وقت طويل وتأكدوا أن هذه المرحلة وإن كانت تعاني من ركود مادي فإنه يجب ألا يصاحبها ركود فني بمعني أن يشارك المطرب في الحفلات الخيرية ليثبت حضوره وتواجده في نفس الوقت فيحصل بذلك علي المكانة الفنية ويحرك نشاطه علي كل المستويات مثل وائل جسار وعاصي الحلاني حيث يقومان بإحياء الحفلات الخيرية التي تحسب له سواء في مصر أو في خارجها وهنا نقطة مهمة يجب أن أؤكد عليها وهي أن الربح المادي للمطربين اللبنانيين يأتي من خلال النغمات والرنات والبرامج التليفزيونية، وهي ثلاثة أمور تتوقف علي النجومية والانتشار وهي تتحقق من خلال الحفلات أي أن نشاط المطرب اللبناني عبارة عن دائرة تلتقي أطرافها وخاصة أن 90٪ من شركات الSMS والرنات هي شركات لبنانية، كما أن 70٪ من البرامج الحوارية التي تقوم علي استضافة نجوم الغناء يتم تسجيلها في لبنان ومن هنا يأتي سؤال مهم هو: كيف يخرج سوق الغناء من حالة الركود التي يعاني منها بلا شك يجب أن نضع التجربة اللبنانية نصب أعيننا لأنها تقوم في الأساس علي تقليل الخسائر وليس تحملها كاملة علي الإطلاق، كما أننا بحاجة لعودة النشاط الفني لحفلات أضواء المدينة وليالي التليفزيون التي توقفت وأصيبت بالاختناق، فمهمة الأجهزة الإعلامية أن تحرك الركود وتضخ الدماء الفنية في عروق الكساد من خلال مهرجان غنائي تتبناه وزارة الثقافة أو وزارة الإعلام يعيد للغناء المصري هيبته بدلاً من الضعف الذي يشهده الآن. أجور المطربين في الحفلات شيرين عبدالوهاب 400 ألف جنيه، هيفاء وهبي 400 ألف جنيه أو 50 ألف دولار، محمد فؤاد 280 ألف جنيه، محمد حماقي 200 ألف جنيه، تامر حسني 300 ألف جنيه، إيهاب توفيق من 70 إلي 80 ألف جنيه، هشام عباس من 70 إلي 80 ألف جنيه، والسبب الأساسي وراء إلغاء حفلات الفنادق هو تحول اتجاه الخليجيين إلي زيارة لبنان بدلاً من مصر في أشهر الصيف، والجمهور الخليجي كان من أهم فئات الحضور لهذه الحفلات التي يصل سعر التذكرة فيها إلي 1000 جنيه ومع تراجع هذا الجمهور توقفت هذه الحفلات لأنها لم تعد تغطي تكلفتها، أما حفل راغب علامة في رأس السنة فقد أقامه علي نفقته الخاصة كما أنه يبذل قصاري جهده لإنجاح حفلاته في الوقت الذي توقف خلاله بعض المطربين عندنا عن الغناء ومنهم خالد عجاج الذي لم يعد يمتلك فرقة أو يعتمد علي مدير أعمال، بينما يسيطر الفن الشعبي علي أجواء الأفراح علي يد سعد الصغير وعصام كاريكا وريكو وبعرور وأمينة وهدي بالإضافة لحكيم الذي مازال موجوداً علي صعيد الافراح. .. يتصدر مستقبل السينما والكتاب جدول أعمال مؤتمر الحزب الوطني الديمقراطي نظراً لأهميتهما في تشكيل الوعي وبناء ثقافة المجتمع، مما جعلني أفكر أيضاً في أزمة سوق الغناء التي لا تقل عن السينما أو الكتاب من حيث الأهمية.