لا أنسي توفيق الحكيم وهو يمسك المقشة ويكنس الشارع فقد كان يقود حملة لتنظيف شوارع القاهرة، وقد صورناه وهو يمسك المقشة ويكنس الشارع وكان سعيدا بنشر صورته بالمجلة، وهو يكنس الشارع.. وكان يقول إن النظافة حضارة والحضارة نظافة.. ولن تكون مصر في حالة حضارة إلا إذا كانت نظيفة.. فمشكلة مصر عدم نظافتها.. ولن تكون نظيفة إلا إذا نزل المثقفون والأدباء والكتاب أي صفوة المجتمع إلي الشارع.. وتولوا تنظيف القاهرة ليكونوا القدوة لعامة الناس ويعلموهم أن النظافة ليست عيبا.. بل من الإيمان. وكان توفيق الحكيم متحمسا لدور أهل الثقافة في جعل القاهرة نظيفة.. فهناك مسئولية علي سكان الشارع أو الحارة. وأيدت توفيق الحكيم في رأيه.. لقد شاهدت سيدة دار في مدينة عمان الأردن تقوم بنفسها بتنظيف الشارع الذي تسكنه.. وما دامت ستحافظ علي النظافة في الشارع ولا تلقي المهملات فيه فسيظل الشارع نظيفا. وقال توفيق الحكيم لي إنه يشعر بالخجل أمام من يزورون مصر من العالم المتحضر لرؤية حضارتها متمثلة في أهرامات الجيزة.. فلا يجدون القاهرة في مستوي الحضارة التي جاءوا من آخر الدنيا لمشاهدتها متمثلة في الأهرامات.. فالشعب الذي بني معجزة الأهرامات.. لابد أن يكون الشعب المحب للنظافة.. فيندهشون.. كيف يكون الأحفاد في غير مستوي الأجداد في حبهم للنظافة.. وحرصهم علي نظافة عاصمة الأهرامات.. والحضارة نظافة بالدرجة الأولي. إن القاهرة مدينة الحضارة.. وهي الأجدر بأن تكون عاصمة نظيفة فهي مدينة الأهرامات التي لا يوجد مثلها في أي بلد في الدنيا.. ولا يمكن أن يكون الذين قد بنوا الأهرامات غير متحضرين وتكون شهرة القاهرة في العالم بأنها مدينة قذرة!! فأنا أذكر وأنا عائد من رحلة للسويد أن سألت من كانت تركب الطائرة بجواري عما يلفت نظرها في القاهرة فقالت: إنها مدينة قذرة! وشعرت بالخجل من نفسي وهي تقول كيف يكون أجدادكم بناة هذه الحضارة الخالدة.. والأحفاد يعادون النظافة! ولذا شعرت بالسعادة عندما قرأت أن هناك 5 آلاف شاب وفتاة يشاركون في حملة لتنظيف بورسعيد وجعلها مدينة نظيفة تليق بكفاحها الذي سطر في التاريخ بسطور من نور وهي تقاوم العدوان الثلاثي الغادر وتنتصر علي إنجلترا وتخرجها من عالم الأمبراطوريات وفرنسا وإسرائيل. لقد استيقظ وعي الشباب.. وهذا ليس بغريب علي شباب بورسعيد فهو جزء بسيط لرد الجميل لتراب هذه المدينة التي ضحي الآباء بدمائهم من أجلها.. وكانت معركة بورسعيد.. التي كانت نقطة تحول في تاريخ كفاح الشعوب من أجل التحرر.. فكان من الطبيعي أن يتفجر العشق البورسعيدي لبورسعيد في داخل الشباب.. ويدخل الشباب معركة تجميل المدينة المقاتلة.. ويعطون القدوة لمدن مصر. وكان من الطبيعي - أيضا - أن يختار الحزب الوطني.. حزب المصريين.. بورسعيد المدينة المقاتلة لتكون نقطة إنطلاق هدفها عودة الحضارة لكل مدن مصر. لقد أعطي الحزب الوطني المثل للأحزاب الأخري لأن تلعب دورا حضاريا.. عودة الحضارة إلي الشارع المصري.. فالشارع للناس.. ومن حق الناس أن يمشوا في شوارع نظيفة تليق بمصر الحضارة.. وبالانجازات التي يعلن عنها في مشوار نهضتنها الذي قطعنا فيه شوطا كبيرا يشعرنا أن الجيل القادم سيكون أسعد من جيلنا الحالي لأن شجرة النهضة في ظل السلام لا تطرح ثمارها إلا في ظل الحرية.. ومصر وطن السلام تعيش حلم الحرية الآن.