لعب الاتحاد السوفيتي دورا حيويا أثناء الحرب الباردة خاصة في منطقة الشرق الأوسط حين كان قوة عالمية لا يمكن تجاهلها، إلا أن هذا الدور تعرض للعديد من الانتكاسات عقب انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد بل تحول إلي دور رمزي خاضع للسياسات الأمريكية في كثير من الأحيان وخصوصا فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي. مركز دراسات الأمن القومي في إسرائيل رصد متغيرات الدور الروسي في المنطقة منذ حقبة ما بعد الحرب الباردة حتي الآن في تقرير حديث مع تناول تأثير السياسات الروسية علي أمن إسرائيل (فيما يتعلق بايران والدعم الروسي للبرنامج النووي الايراني) وما يجب أن تقوم به تل أبيب لاحتواء النفوذ الروسي المتصاعد بالمنطقة. يصف التقرير السياسة الروسية بالشرق الأوسط ب"البراجماتية" خلال حقبة ما بعد الحرب الباردة ومرجع ذلك هو الحفاظ علي مصالح روسيا الاقتصادية. هذا النهج الجديد الذي أرساه فلاديمر بوتين منذ توليه الرئاسة عام 2000 يقوم علي ثلاثة أهداف اساسية وهي تعزيز التعددية القطبية للحد من النفوذ الأمريكي والحفاظ علي الأمن الإقليمي وتعزيز مصالح روسيا الاقتصادية. لكن روسيا تظل مستفيدة من هذا الوضع حتي وان ضعف دورها، فالإخفاقات الأمريكية علي الصعيد السياسي والعسكري بالمنطقة زادت من النفوذ السياسي الروسي ولكن ليس بما يسمح لموسكو بأن تحل محل واشنطن كحليف رئيسي للأطراف الفاعلة بالمنطقة، الا انها علي الأقل تستفيد من دورها كوسيط دون أن تكون مسئولة عن النتائج في ظل تراجع النفوذ الأمريكي فضلا عن أنها تفتقر الي الوسائل اللوجستية لتولي منصب قيادي في المنطقة. ويقول التقرير إن روسيا وان كانت لا تبدو مهتمة بأن تكون لاعبا بديلا لواشنطن لكنها تسعي لفرض نفسها كشريك أساسي علي الساحة الدولية ومركز ثقل في المنطقة من خلال الحفاظ علي وجود تعددية قطبية عبر دعم الأممالمتحدة في اتخاذ القرارات الدولية والدخول في تحالفات ثنائية ومتعددة الأطراف لمواجهة دول حلف الأطلنطي "الناتو" مثال علي ذلك، ومنظمة شنغهاي وتحالف الدول سريعة النمو "بريك " الذي يضم روسيا والبرازيل والصين والهند، فضلا عن الإبقاء علي قنوات الاتصال بينها وبين حكومات ومنظمات تمثل مصدرا للقلق الدولي كإيران وكوريا الشمالية وحزب الله وحماس حيث تساعد هذه العلاقات علي تعزيز صورة روسيا كوسيط محتمل في العلاقات الدولية إلا أن ذلك الهدف أصبح من الصعب تحقيقه في ضوء توجه الإدارة الأمريكية الحالية تجاه العالم العربي. ويوضح التقرير الإسرائيلي أن منطقة الشرق الأوسط تمثل ساحة لتطبيق الأهداف الرئيسية العامة للسياسة الخارجية الروسية من حيث التعددية القطبية وحماية أمنها الإقليمي وتعزيز مصالحها الاقتصادية، فبشكل عام تبنت موسكو سياسة اكثر شمولا للمنطقة تهدف إلي تعزيز مصالحها الاقتصادية عن طريق علاقات صداقة مع شعوب المنطقة مع الحفاظ علي علاقات ثنائية جيدة مع إسرائيل للحد من نفوذ الولاياتالمتحدة في تشكيل العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية والعلاقات الأمريكية السورية (ومن هنا جاء تبني روسيا للمبادرة العربية كأساس لحل الصراع العربي الإسرائيلي كما دعت لعقد مؤتمر دولي لمناقشة القضية علي غرار مؤتمر أنابوليس). وفيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، لا تشعر موسكو بالقلق حيال الطموح الإيراني لأنها أكثر اهتماما بما تمثله إيران من ثقل في المنطقة وما تحمله من أوراق ضغط ولذلك فهي تسعي لاغتنام الفرصة وتقوية علاقاتها بطهران التي ستحسن من أمن روسيا القومي وتعزز مصالحها الاقتصادية. ويوصي التقرير في النهاية بضرورة استيعاب اسرائيل للمصالح الروسية في المنطقة حتي يتسني لها وضع استراتيجيات لاحتواء المبادرات الدبلوماسية الروسية دون الإضرار بالعلاقة بين البلدين. : Russia in the Middle East: An Unlikely Comeback عن مركز: Institute for National Security Studies بتاريخ: أغسطس 2009 الموقع: http://www.inss.org.il/publications.php?cat=21&incat=&read=3213