أعجبتني كثيراً جملة التصريحات الحقوقية التي أطلقها د. علي جمعة (مفتي الجمهورية) عن الحق في الصحة والحق في التعليم. وهي قضايا قديمة جديدة.. أي أنها قضايا محسومة عند الفقهاء، ولكنها مطبقة بنسب متفاوتة.. تصل إلي حد الإهمال والتجاهل في المجتمع المصري. ينص الدستور المصري في المادة 16 و17 علي مسئولية الدولة في تقديم خدمات صحية وخدمات تأمين صحي. وبالطبع لا تعفي تلك المسئولية الوالدين من الحفاظ علي حق أطفالهم في الصحة، وهو الجانب الذي يهمل إما بسبب عدم الوعي أو بسبب عدم القدرة علي الالتزام الخاص بالحفاظ علي صحة الأطفال. ومن هنا تأتي أهمية دور الدولة في توفير خدمات الرعاية الصحية اللازمة للأطفال سواء في المدارس أو في الوحدات الصحية أو في مستشفيات الأطفال المتخصصة. وتعتبر مستشفي علاج أورام سرطان الأطفال نموذجًا دالاً علي ذلك الاهتمام من الدولة بالأطفال دون أي تمييز أو (تفريق) بينهم. أما عن التعليم الذي ينص الدستور في مواده 18 و19 و20 و21 علي أنه حق تكفله الدولة، وهو إلزامي ومجاني في مؤسسات الدولة التعليمية في جميع مراحله، كما أن محو الأمية واجب وطني.. فهو ما يحتاج إلي تركيز حقيقي واهتمام. قال د. علي جمعة (مفتي الجمهورية) إن محو الأمية واجب اجتماعي، وأن المواطن ليس حراً في عدم تعليم أولاده أو الإساءة لصحتهم. وقد شدد علي أن حرية التعليم والتعلم ليست فردية وخاصة بكل فرد علي حدة، ولكنها مسئولية جماعية مرتبطة بالمجتمع. إن ما سبق؛ يعني أن صحة الأطفال وتعليمهم هي مسئولية مشتركة.. توفرها الدولة بإمكاناتها وقدراتها، ويحرص عليها الأب والأم بدون أي تهاون أو إهمال. لقد أكد مفتي الجمهورية بما قاله علي حقوق الطفل المصري المهدرة بسبب عوامل عديدة.. يأتي في مقدمتها بدون نقاش العوامل الثقافية المتراكمة. والتي تظهر بوضوح في مسألة عدم الحرص علي التعليم لدفع الأطفال إلي سوق العمل والإسهام في تحمل الأعباء المادية للأسرة. وهو ما يزيد من زيادة رصيد عمالة الأطفال في مصر، والتي تعتبر من أكبر التحديات في السنوات المقبلة. من الواضح أننا نحتاج إلي تبني الخطاب الديني (المسيحي والإسلامي) المصري إلي التوعية بحقوق الطفل وواجبات الوالدين تجاه أطفالهم، وبلورة خطاب ديني واع لمساعدة المجتمع علي دعم حق الطفل ومساندته. وهو ما سيكون له تأثير ملحوظ في صعيد مصر. بقي أن أشير إلي ملاحظة ساذجة ولكنها هامة، وهي أن المشكلة في مجتمعنا لا تكمن في النصوص القانونية؛ بقدر ما تكمن في تنفيذ هذه القوانين. ما نحتاجه هو المتابعة الجيدة والدقيقة لتنفيذ هذه القوانين لكي نضمن أن يحصل كل طفل مصري علي حقه في الصحة وفي التعليم وفي الحياة الكريمة.