عن سلسلة "الدراسات الشعبية" ضمن إصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة وبمقدمة من الأديب خيري شلبي رئيس تحرير السلسلة، صدر كتاب "مصر والنيل بين التاريخ والفلكلور" للباحث الدكتور عمرو عبد العزيز. الكتاب عنوانه دال لكنه مختزل أكثر من اللازم، لا يكشف تفاصيله الغنية والممتعة والشيقة والغريبة في آن واحد. في ستة فصول يحلل الكتاب الصور التاريخية والخرافية التي ارتبطت بمصر وشعبها وأصل تسميتها وكنوزها وأهراماتها وفراعنتها ونيلها، من خلال كتابات الرحالة والمؤرخين، ومنها علي سبيل المثال ما أورده المؤلف من علاقة طوفان نوح بمصر وحضارتها القديمة، في إطار نظرية "عالمية الطوفان" ووصوله إلي مصر التي آمن بواسطتها بعض المؤرخين بأن المصريين أول من تنبأ بالطوفان! وأنه السبب وراء لجوئهم إلي بناء الكثير من الأهرامات، من أجل تفادي الطوفان الذي سيعم الأرض، وإيداعها الأموال وحفظ ما يخاف عليه من الذهاب. يؤكد خيري شلبي في مقدمته للكتاب أن في التاريخ المصري بكل فتراته وقائع أشد خرقا من الحكايات الخرافية، وأن الكثير من أخبار الكرامات والمعجزات تكشف الكثير من جوانب البناء التاريخي والوجداني للشخصية المصرية، بحيث أصبحت كتب السحر والأحلام مصدرا مهما للتاريخ، وما جعل مصر قبلة الرحالة والمستكشفين والمستشرقين وناهبي الآثار هو غناها بأسرارها وآثارها وقدرتها الفائقة في نفس الوقت علي إخفاء الأسباب العلمية لذلك الثراء. ومن ناحيته يؤكد المؤلف أن مصر اكتسبت في مخيلة الرحالة والمؤرخين والكتّاب أبعادا ودلالات اقتربت من الأسطورة والخيال، واجتذبت هذه التصورات أعلام الشرق والغرب من أدباء ومؤرخين وفلاسفة ورحالة وشعراء. أما عن الأساطير التي دارت حول أصل تسمية مصر بهذا الاسم، الذي ورد 28 مرة بأوضاع مختلفة في القرآن الكريم وكتب التفاسير، يستعين الباحث بما أورده ابن عبد الحكم والمقريزي وابن إياس من أن أصل التسمية يعود إلي "مصر" أكبر أولاد "بيصر بن حام بن نوح"، أحد أحفاد نوح وأول من سكن مصر بعد أن أغرق الله قوم نوح، وعموما يري د. عمرو أن اسم مصر نُسب في روايات المؤرخين والرحالة إلي الأجناس التي سكنت مصر أو كانت علي صلة بالمصريين طوال تاريخهم الطويل، مثل اليونانيين الذين سميت مصر "مقدونية" نسبة إليهم. "خريدة العجائب وفريدة الغرائب" هي مقولة لابن خلدون في "المقدمة" يستعين بها المؤلف في مدخل فصل بالكتاب عنوانه "كنوز مصر بين التاريخ والأسطورة"، ليؤكد أن بعض القصص والحكايات التي دارت عن كنوز قدماء المصريين المخبأة في قبورهم ومعابدهم وما تزال تكتشف إلي الآن كل حين حقيقية، فيما كان البعض الآخر مبالغا، والمثير للاهتمام فعلا هو ذلك الربط العصري الذي عقده المؤلف بين أسطورة كنوز مصر القديمة وبين حوادث سرقات الآثار وتكالب دول أجنبية علي آثار مصر، أما أطرف ما يشير إليه هذا الفصل أن استخراج الكنوز أصبح حرفة فرضت علي أهلها الضرائب! من بين الأساطير المصرية، تلك التي ارتبطت بالفراعنة، حيث يقول المؤلف إن الوجدان الشعبي المصري أبطل ما جاء في القصص الديني عن فرعون وعصيانه وجبروته، بحيث اختلفت الشخصية التاريخية لفرعون مصر عن الشخصية الشعبية، واستبدلت صفات الكفر والطغيان بصفات محببة مثل العدل والسخاء والعطف علي الفقراء، الأهم في هذا الصدد، أن التداخل بين التصوّر الديني والتصوّر الأسطوري لشخصية فرعون خلق حالة خيالية تحمل ظلا من فرضية قائلة بأن الحاكم الديني المستبد الذي يجمع بين السلطة الدينية والروحية، يمارس السحر بالضرورة ويتراءي لدي العامة كمتبحر في أسراره وطقوسه، ليخلق حول شخصه أسطورية سحرية تضفي عليها صفات البطولة. وأخيرا وبسبب خشية فيضان النيل، ارتبط التصور الأسطوري لنهر النيل في مصر ومنابعه بكثير من الرهبة والخوف الكامنين في أعماق لا شعور المصريين تجاه النيل، فتصورت الأساطير والخرافات وقتها أن منابع النيل مناطق تنبت فيها معادن الذهب والفضة والنحاس والحديد ويجري فيها بحر من الزفت رائحته كريهة، فضلا عن تصور آخر ساقه الجغرافيون العرب من أن نهر النيل والسند ينبعان من أصل واحد نظرا لتساوي طولهما تقريبا وكون التماسيح فيهما.