حدثنا جون بادو سفير الولاياتالمتحدةبالقاهرة في عهد الرئيس كينيدي في الحلقات السابقة عن طبيعة العلاقات التي جمعت كينيدي بالرئيس عبدالناصر والرسائل التي تبادلاها التي كانت في رأيه بين ندين متساويين، في هذه الحلقة يتحدث عن مشكلة المعونات الغذائية الأمريكية لمصر التي كانت تترواح صعودا وهبوطا طبقا للعلاقات بين البلدين، وكانت بعض الأوساط الأمريكية، تريد استخدامها وسيلة للضغط علي مصر. من أهم المسائل التي أثارت قلق بادو جدا أثناء عمله بالقاهرة هو كيف يفسر للمصريين وعبدالناصر بالذات طريقة عمل الحكومة الأمريكية التي كانوا ينظرون إليها باعتبارها مخلوقا مخيفا وممتازا في نفس الوقت، أنت - في رأي بادو - في موقف صعب: من ناحية عليك أن توضح أن رئيس الولاياتالمتحدة ليست له سلطة مطلقة إذ لديه رأي عام يجب أن يصغي إليه ومجلس نواب كذلك، من ناحية أخري لا ترغب في نفس الوقت في التهوين كثيرًا من مركز رئيس الولاياتالمتحدة وتعطي الانطباع بأن مجرد دمية تحركها قوي معينة في الولاياتالمتحدة. يقول إنه يعتقد أنه لم ينجح في توصيل هذه الفكرة إلي المصريين. ولكنه نجح في النهاية في أن يحاول أن يفعل نفس الشيء مع واشنطن التي قال لها ما معناه "أنظروا: ما يجب علينا مراقبته وملاحظته هو ما يتم فعلا علي الأرض، وليس ما يتم تشريعه أو يقال، لأن هناك فرقًا هائلاً بين الاثنين، لننظر مثلا إلي سجل الولاياتالمتحدة مع إسرائيل". ويعلق علي النقطة الأخيرة أن سجل العلاقات بين أمريكا وإسرائيل ليس دائما متوافقا مع التصريحات الرسمية. يتذكر بادو كيف أنه نجح في اقناع مصر باتباع سياسة معتدلة في مؤتمر عدم الانحياز الأول الذي عقد في يوغوسلافيا عام 1961. ومن المعروف أن عبدالناصر ونهرو وتيتو قادوا إنشاء حركة عدم الانحياز التي كان لها تأثير هائل في ذلك الوقت علي العلاقات بين القوتين العظميين: الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي. يعترف بادو أن واشنطن كانت قلقة مما قد يسفر عن هذا المؤتمر في حينه، ولكن جهوده - التي يصفها بالمتواضعة - كانت مثمرة مع المسئولين المصريين ومع الرئيس عبدالناصر نفسه ولكن أيضا مع علي صبري مدير مكتبه في ذلك الوقت وكان يتمتع بنفوذ كبير في مصر، وكان ينظر إليه أنه زعيم التيار اليساري في مصر، ولكن بادو يقول إنه مع ذلك كانت بينهما تعاملات عديدة. أوضح بادو للمسئولين المصريين أن العلاقات بين البلدين ستتأثر كثيرا، إذا ما سمحت مصر بأن تستخدم الحركة كمنبر لدعاية معادية للولايات المتحدة نيابة عن غينيا وغانا وكوبا، وهي الدول التي كانت واشنطن تعتبرها أكثر الدول عداء للولايات المتحدة، الأولي رئيسها سيكورنوري والثانية نكروما، والثالثة كاسترو، في هذه الفترة يقول بادو أن أحدا في حكومته أو علي الأقل بعض الجهات فيها كانت تريد "إغراق" مصر بعملاء المخابرات الأمريكية وهو ما عارضه، علي أساس أنه أمر غير مفيد وغير مرغوب، ونجح في النهاية مع منع غالبية هؤلاء من القدوم إلي مصر ومن حضر منهم لم يكن له أي فائدة، وفي النهاية يقول بادو إن مؤتمر عدم الانحياز كان معتدلا جدا، وبعدها ذهب علي صبري وهنأه علي اتباع مصر سياسة بناءه وعدم جر المؤتمر إلي قضايا فرعية، وهو أمر لم يضر العلاقات بين البلدين، نظر إليه علي صبري وقال بهدوء: "أعتقد أنك لاحظت، كما لاحظت أنا، أنه خلال انعقاد المؤتمر فإن الكونجرس الأمريكي كان يناقش قانون المساعدات الأمريكية". والآن - طبقا لبادو - فأنه يعتقد أنه كانت هناك علاقة بين الأمرين وهو ما أدركه المصريون أنفسهم. تعرض بادو في روايته إلي مشروع جونستون "جوزيف جونستون" حول توطين اللاجئين الفلسطينيين وكيف تمت استشارته حوله من قبل واشنطن التي سألته عن توقعاته لردود الفعل المصرية المحتملة، حضر جونسون بنفسه إلي القاهرة حيث أصطحابه لمقابلة المسئولين المصريين، ولكن واشنطن لم تسأله رأيه في البداية عما إذا كان مبدأ الزيارة من عدمه مفيدًا.. تطوع بإبلاغ واشنطن بأن تتم الزيارة لأنه كان يري ضرورة محاولة اتباع كل الطرق لتسوية مشكلة اللاجئين، وكان المشروع يقوم علي أساس القرارات الدولية القائمة دون الحاجة إلي قرارات جديدة، ولذلك شعر بالاستياء أنه لم ينفذ. وينسب بادو إلي كينيدي شخصيا تفضيل اتباع سياسة معينة تجاه مصر لاقت نجاحا كبيرا في رأيه، وتقوم علي إبلاغ مصر مقدما بأي قرارات صعبة أو غير طيبة بحيث لا تفاجأ بها القيادة المصرية وهو الأمر الذي تم عدة مرات، كينيدي في رأيي كان رجلا عاقلا يقدر أهمية التعامل مع الدول وليس مثل خلفائه جونسون وريجان وبوش الابن بوضع الدول أمام الأمر الواقع واتخاذ واشنطن سياسات مفاجئة واخبط رأسك في الحيط. في الحلقة المقبلة يتحدث بادو عن موضوع الأسلحة الأمريكية إلي إسرائيل خاصة صفقة صواريخ هوك التي غيرت من توازن القوي في المنطقة.