إن هؤلاء الذين يملكون الثروة يملكون معها السلطة الاقتصادية، وبالتالي يصبح هؤلاء هم أصحاب السلطة الثقافية، الذين توقف معظمهم عن ممارسة الإنتاج المسرحي الخاص، بينما يضع بعض الأفراد من أصحاب النفوذ شروطهم لتمرير ما يريدون من العروض المسرحية التي تقدمها الدولة، مما أخرج جماعات السلطة الثقافية الحقيقية خارج دائرة صناعة القرار في الإنتاج المسرحي في مصر. وأقصد بجماعات السلطة الثقافية هنا النقاد والكتاب والفنانين من أصحاب الرأي، وممن يشغلهم الشأن العام، الذين صار دورهم باهتاً في التأثير علي عملية الإنتاج المسرحي المحترف في مصر، فقد أوشك الاحتراف كفكرة والمسرح كمهنة علي الانقراض. لا شك أن النخب التقليدية في مصر مازالت في كل مجال هي أمل النهضة المرتقب، وعلي خلفية تراجع تأثير النخبة في حركة المجتمع بشكل عام، يظهر تراجع تأثيرها في شكل تفتت معظم جماعات السلطة الثقافية التقليدية. فقد تراجعت القيمة المادية لممارسة مهنة النقد تراجعاً مخجلاً، كما شعر معظم القابض علي الجمر من المهتمين بالشأن المسرحي أنه لا حياة لمن تنادي. جميعها أسباب ألحقت النخبة التقليدية لأهل المسرح المصري بالجماهير. انقسمت جماعات الضغط والتأثير المسرحي إما لجناح الصمت وتغيير الاهتمامات أو ممارسة تبادل بعض المصالح الضيقة. بالطبع لايزال لدينا الكثير من الشرفاء، لكنهم لا يشكلون جماعة ثقافية قادرة علي الضغط، أو حتي الحفاظ علي الحد الأدني للمعاملات المهنية المسرحية. هذه حقيقة مؤلمة يعرفها كل من جعل المسرح اختياره المهني ومقتربه المعرفي للتعامل مع الحياة، فقد صار المسرح في مصر الآن مجالاً للهواية، عليك أن تمارس مهنة أخري كي تستطيع الاستمرار في مشروعك المسرحي، وهي مسألة مأساوية خاصة لمعظم الجيل الذي بات في منتصف الأربعينيات من عمره، وأنفق كل شيء من أجل المسرح اختياراً عملياً ومهنياً. وفي غمرة الاهتمام المتصاعد بفرق الهواة والفرق المستقلة، علينا أن نتذكر أن الفرق المستقلة في الغرب، وفي بعض بلدان العالم العربي مثل تونس والمغرب العربي هي فرق احترافية، وهو أمر غير حادث في معظم الفرق المستقلة في مصر الآن، تلك الفرق حقاً هي أمل المسرح المصري الجاد الجميل، لكن لا يمكن الارتكان لذلك فقط، فهو الطريق الخطأ لاستبدال الاحتراف بالهواية والعمل في المهنة بعض الوقت بديلاً عن التفرغ الذي يؤدي لتنمية المهارات المتراكمة. ولعل الاهتمام المتصاعد نقدياً ورسمياً في وزارة الثقافة بمجموعات الهواة يشكل ضرورة وواجبًا، ولكن صمت جماعات الكتاب والنقاد علي ظاهرة ضياع فكرة الاحتراف المسرحي في مصر لهو تعبير عن يأس من إصلاح أحوال المسرح المحترف الجاد في مصر، وهو أمر بالغ الخطورة في مستقبل المسرح المصري، المسرح قادر بصيغته الاحترافية ليس فقط علي تقديم الفرجة والفكر بل هو قادر علي المشاركة في كافة مشروعات التنمية البيئية والصحية ومشروعات محو الأمية الكتابية والثقافية وتعليم الأطفال والناشئة وتنشيط المشاركة السياسية، فقط.. أسأل أين دور جماعات الضغط الثقافي في مصر وتأثيرها في جماعة السلطة الاقتصادية، من أجل الاستفادة من مئات من أهل الخبرة المسرحية الاحترافية، فهل مازال لدينا في مصر بقايا نخبة مسرحية قادرة علي التأثير لإنقاذ أهل المسرح المحترفين من إهدار طاقاتهم البشرية ومعرفتهم المتخصصة والمتراكمة؟ فلنحاول رغم كوننا نخبة مسرحية توشك علي الانهيار.