عقد رئيس مجلس الوزراء اجتماعًا منذ أسبوع لمناقشة مشاكل العاصمة ضمن المناقشات الجارية حاليًا في إطار المخطط الاستراتيجي لتطوير العاصمة حتي 2050 وقد طلب رئيس الوزراء تشكيل لجنة عليا للإعداد والصياغة الخاصة لقانون العاصمة المصرية تضم ممثلين لوزارات عدة وأمانة مجلس الوزراء ومجموعة من الخبراء ذوي الصلة بالتخطيط العمراني والجانب القانوني لبلورة هذا الاتجاه بشكل محدد تمهيدًا لعرضه علي السيد رئيس الجمهورية. ولقد سعدت بهذا القرار حيث إنني طرحت هذه القضية مرتين في هذا المكان الأولي في 19 /10/ 2008 والثانية في 16 / 2009/4 حيث إن إدارة العمران في القاهرة تحكمها مجموعة من القوانين الخاصة بالإدارة المحلية بدأت في ظل دستور 1971 معتمدة علي مجموعة من المبادئ هي: - تقسيم الجمهورية إلي وحدات إدارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية (المحافظات - المدن - القري) - تشكيل المجالس الشعبية علي مستوي الوحدات الإدارية السابقة عن طريق الانتخابات المباشرة ونقل السلطة إليها تدريجيا. وقد صدرت عدة قوانين تنفيذًا لتلك المبادئ بدأت بالقانون 57 لسنة 1971 وحتي القانون 84 لسنة 96 وكل هذه القوانين لم تعط للقاهرة (العاصمة) أي ميزة عن أي عاصمة لمحافظة من المحافظات بالرغم من أن القاهرة مركز الحكم تتداخل فيها الاختصاصات فيما بين الحكومة المركزية والإدارة المحلية ويؤكد المسئولون عنها من تنفيذيين وشعبيين أن هذا التداخل وعدم تحديد المسئولية يترتب عليه عادة تدهور الخدمات. وذكرت للقارئ ما تطالب به القيادة السياسية دائمًا بضرورة التفكير في حل مشاكل العاصمة كما ذكرت القاريء بتقرير قدمته لجنة قومية صدر بتشكيلها قرار من رئيس الوزراء رقم 591 لسنة 1992 لبحث مشاكل العاصمة حيث قدمت هذه اللجنة تقريرها للسيد رئيس الوزراء في يوليو 92 .. ذلك التقرير الذي أرجو أن يكون امام هذه اللجنة التي طلب بتشكيلها السيد رئيس الوزراء بعد سبعة عشر عاما من اعداده لأنه طالب في مجال إدارة العاصمة ما طالب به رئيس الوزراء أخيرًا من ضرورة اصدار قانون خاص بها. كما ذكرت في مقال آخر أن مجلس شركاء التنمية بمحافظة القاهرة ناقش قضية العمران بالقاهرة وتضمنت حواراته أن هناك خلطا دائمًا بين القاهرة العاصمة والقاهرة الأقليم. المؤكد أن القاهرة .. العاصمة .. عاصمة مصر .. عاصمة العالم العربي .. عاصمة أفريقيا.. بكل ما تراكم عليها واستقر فوقها من حضارات تستوجب ليس فقط قانونًا خاصا لادارتها حيث إن هذا القانون وان كان خطوة مهمة علي الطريق إلا أنه يجب أن يكون ذلك في إطار إعادة هيكلة العمران المصري فوق الأرض المصرية في إطار الرؤيا المستقبلية لمصر كلها أيضًا ، كما أنني لا أوافق - من ناحية المبدأ - علي تصور أن حدود العاصمة بمفهومها الذي ذكر علي لسان المتحدث باسم مجلس الوزراء بأنها محافظتي القاهرةوالجيزة حيث إن هذه الحدود الإدارية مختلف علي الأساس العلمي لتحديدها، فإذا كنا نتحدث عن العاصمة فإنني أعيد ما ذكرته في أحد المقالين السابقين من أن أ.د. علي رضوان استاذ الآثار ذكر في اجتماع شركاء التنمية بمحافظة القاهرة أن العاصمة.. وبأسماء مختلفة.. كان لها مكان في هذه المنطقة منذ عام 3050 قبل الميلاد وامتدت في العصر الحديث شمالا وشرقا وغربا وجنوبا وأصبحت أقليم القاهرة الكبري الذي كان يضم محافظتي القاهرة والمناطق الحضرية من محافظة الجيزة وشبرا الخيمة من محافظة القليوبية ثم قسمت منذ عام إلي خمس محافظات ومن المؤكد أن بعضا منها يشكل الواقع الجغرافي التاريخي لهذه العاصمة. تحديد الحدود الجغرافية للعاصمة واجب أساسي يجب أن نتفق جميعا عليه - دون أن نأخذ في الحسبان هيكلة إدارية تمت ومختلف عليها - في تصوري أن هذه الحدود يجب أن تجمع كل مناطق التراث شرق وغرب النيل والتي تمثل طبقات التاريخ المصري القديم وحتي العصر الحديث والنيل وما يجوز من جزر - مختلف حاليا علي تبعية بعضها؟! علي أن تعتمد العاصمة في اقتصادها أن يكون خدميا وسياحيا ولها مواردها المحلية وما يمكن أن توفره لها الحكومة المركزية وكما ذكر المتحدث باسم مجلس الوزراء فإن هناك نماذج كثيرة لعواصم عالمية لها قوانينها الخاصة جعلت منها دائما العواصم السياسية كمراكز للحكم في دول تقدمت فعلا، مع ضرورة أن نحقق فعلا ما تنادي به مصر منذ أكثر من ثمانين عاما من التخلص من المركزية والذي لم ننجح حتي الآن في تنفيذ ما نصبو إليه في هذا المجال. نرجو ويرجو معي المصريون أن تعود القاهرة (العاصمة) التي كانت والتي يجب أن تعبر عن مصر بل كنا نطلق عليها (مصر) والتي يستشعرها العالم الواعي بكل ما لها وتستحقه في موقعها المحدد جغرافيا في إطار هذا القانون الخاص بها والذي يعيد إليها كل ما نصبوا إليه جميعا في إطار الرؤيا المستقبلية لمصر كلها عام 2050 .