إسماعيل ياسين الذي يشاهد الجمهور قصة حياته في رمضان في مسلسل بعنوان أبو ضحكة جنان بطولة أشرف عبد الباقي لا يمكن أن تعتبره صفحة عابرة في مسيرة السينما المصرية الطويلة، ليس فقط لأن مشاركاته في الأفلام أكثر من أن تحصي، وليس لأنه ثالث ممثل تحمل عناوين الأفلام اسمه بعد شالوم الممثل اليهودي والراحلة ليلي مراد، وليس لأنه جمع بنجاح لسنوات طويلة بين فن التمثيل وفن المونولوج والقاء النكت، ولكن لأنه يشكل ظاهرة حقيقية لا يتراجع الاهتمام بها حتي يعود قوياً، تنحسر عنه الأضواء فيقبل أدواراً هامشية في نهاية حياته، ويعود لتقديم المونولوجات في الملاهي الليلية، وبعد وفاته يستعيد له التليفزيون ما هو أكثر من شعبيته المفقودة، وتحقق شرائط أفلامه أعلي المبيعات في سوق الفيديو، وتظهر مغامراته في شكل كتب مرسومة للأطفال، ولا يمر يوم دون عرض أحد أفلامه كبطل أو كمشارك في البطولة، وأخيراً يتم إنتاج مسلسل كامل عن قصة حياته المليئة بالأشواك والأحزان! تمتلك حياة إسماعيل ياسين كما عرضها الناقد محمد عبد الفتاح في الكتاب الوحيد الصادر عنه عناصر الدراما المثيرة خاصة عند حديثه عن كفاح هذا الشاب الفقير القادم من السويس ليغزو عالم الصالات والأفلام، وليقدم خلال الفترة من 1939 حتي 1972 حوالي 207 أفلام امكن حصرها من خلف الحبايب اخراج فؤادي الجزايرلي إلي الرغبة والضياع للمخرج أحمد ضياء الدين. ولد الطفل إسماعيل ياسين علي نخلة في ميدان الكسارة بمدينة السويس يوم 15 سبتمبر 1912 لأب كان يمتلك محلاً لبيع المصوغات الذهبية والفضية، وإسماعيل هو أكبر أبنائه، ولكن الأب سرعان ما تتدهور حالته المادية بسبب انزلاقه إلي جلسات الشراب والنساء، بل إنه ووفقاً للكتاب الذي يحمل اسم إسماعيل ياسين عرف طريقه أيضاً لادمان الكوكاين، وكانت بداية أحزان إسماعيل مع وفاة أمه وهو في سن مبكرة، وكان الأب جزءاً من معاناتها، ثم تزوج الأب وترك ابنه لأم زوجته الراحلة السيدة أليفة التي لم تعامله معاملة طيبة وكأنها تنتقم من الأب الذي اعتبرته سبباً لوفاة ابنتها. عرف إسماعيل ياسين في فترة طفولته النوم بدون طعام، ولم يستكمل دراسته الابتدائية، واضطر للعمل كصبي في محل ساعاتي، أو كمنادي علي أنواع الأقمشة في أحد المحلات، ولكنه عرف أيضاً وسط الأصدقاء بحب الغناء وخفة الدم، وأصبح لديه هاجس لا يتركه أبداً هو أن يذهب إلي القاهرة لينافس عبد الوهاب كمغني، وفي القاهرة بدأت معاناته حيث رفضت ابنة خالته أن تؤويه، وكان يبيت في المساجد وفي محطة كوبري الليمون وتعرض للضرب أثناء نومه في أحد مساجد السيدة بتهمة سرقة أدوات الشاي من أحد المحلات، وهكذا لم يجد مفراً من العودة إلي السويس. ولكن احلامه لم تمت، لذلك عاد من جديد إلي القاهرة، كان قد قام في السويس مناسبة لمنزل الشيخ إسماعيل الفار،وتعرف هناك علي لدعم أفراد من عائلة قدري باشا الذين دعوه لزيارتهم في العاصمة وهناك تعرف علي المحامي خليل حمدي الذي اتخذه رفيقاً وسكرتيراً وكاتماً لأسراره وخادماً أيضاً ومن خلال ها المحامي انطلق إسماعيل إلي عالم الصالات وبسبب فشله كمطرب حيث غني في إحدي حفلات الزفاف أغنية أيها الراقدون تحت التراب اتجه إلي المونولوج ليكتسح السوق ويصل إلي محطة الإذاعة الحكومية ويشتهر بقلب الأغنيات الشهيرة في مونولوجاته بحيث تتحول سهرت منه الليالي مال للغرام ومالي التي غناها عبدالوهاب إلي مونولوج مال السباق ومالي كما يقدم مونولوجات شهيرة مثل النونوعا وزيتجوز ويا إخواتي مراتي سبور. الحياة الخاصة والعائلية كانت أيضا متقلبة فقد تزوج إسماعيل ياسين ثلاث مرات ولكنه لم يعرف الاستقرار إلا مع ارتباطه بالزوجة الثالثة السيدة فوزية كمال أم ولده الوحيد ياسين أما مسيرته السينمائية فهي صاروخية بدأ في أدوار قصيرة جداً مثل دوره في خلف الحبايب ودور الرجل السكير الذي يستغرق ثلاث دقائق في فيلم مصنع الزوجات ثم قدمه توجو مزراحي في فيلم علي بابا والأربعين حرامي لتبدأ السمات المميزة لحركاته في الأداء والغناء في الظهور وفي عام 1954 أطلق اسمه علي عنوان فيلم لأول مرة وهو فيلم مغامرات إسماعيل ياسين للمخرج يوسف معلوف وأصبح من المستحيل أن يمر موسم ليست فيه أفلام يظهر فيها إسماعيل ياسين ولكن ظهوره بدأ في التراجع منذ عام 1955 فقد كون فرقته المسرحية في العام السابق وعلي سبيل المثال فقد ظهر إسماعيل في 17 فيلماً عام 1953 ثم 18 فيلما عام 1954 ثم هبطت مساهماته إلي 6 أفلام عام 1955 وجاء الهبوط الحاد عام 1961 برصيد فيلمين فقط ثم فيلم واحد عام 1963 ومن 1966 حتي 1971 لم يشترك إلا في أفلام لبنانية وفي عام 1972 اشترك في فيلم واحد لم يستكمله. أشهر نقد وجه لإسماعيل ياسين أنه لم يطور في أسلوب أدائه أو في الشخصية التي يؤديها وفي كتاب جلال الشرقاوي المعروف رسالة في تاريخ السينما العربية يأخذ علي إسماعيل كثرة عدد أفلامه في فترة قصيرة ويتساءل الشرقاوي هل يستطيع أي ممثل خلال ثمانية أشهر أن يتقن الدور الأول في ثمانية عشر فيلماً مرة واحدة؟! ولكنه يؤكد أن إسماعيل برع في تمثيل دور الأبله أو العبيط والطيب القلب إلي حد العبط وساعده علي ذلك ملامحه وضحكته وبعض الحركات والإيماءات. إسماعيل ياسين كما نشاهده اليوم في أفلامه طفل كبير يخاطب في الجمهور هذه المشاعر الطفولية التي لا نستطيع ولا نحب أن نتخلص منها لذلك مازال قادراً علي إضحاكنا رغم أن حياته كانت سلسلة من المتاعب والأحزان هاجمت الديون فرقته المسرحية وهاجمته أمراض النقرس والرئة وسقط علي المسرح من المرض أثناء بطولته لمسرحية سيدتي العبيطة عام 1966 وطاردته مصلحة الضرائب وعاد للمونولوج في ملهي رمسيس عام 1970 وترك لنا ضحكته الدائمة رغم وفاته في 23 مايو 1972 .