أصوات غربية عديدة باتت تنادي الآن بالحوار مع حركة حماس في تغيير واضح للهجة والموقف من حركة المقاومة الاسلامية التي كانت تعد في نظرها وحتي وقت قريب حركة إرهابية. موجة التغيير هذه لم يكن يتزعمها حتي بداية العام الحالي سوي مركز كارتر الذي يرأسه الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر الذي دأب علي لقاء قيادات من حماس وحزب الله، الا أنه وبعد وصول باراك أوباما إلي سدة البيت الأبيض بدأت تعلو أصوات أخري تطالب بإنهاء مقاطعة حماس أهمها معهد الولاياتالمتحدة للسلام الذي يتلقي تمويله من الكونجرس والذي يملك نفوذًا واسعًا لدي دوائر صنع القرار في واشنطن بالاضافة إلي باحثين من مؤسسات ألمانية وأمريكية أخري. في شهر أغسطس الماضي، كتب مايكل بروننج مدير مكتب مؤسسة فريدريش ايبرت البحثية الألمانية في القدسالشرقية، مقالا بمجلة فورين أفيرز التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية بعنوان حماس 2.. حركة المقاومة الاسلامية تكبر يؤكد فيه أن هناك تحولا يجري داخل حماس يفرض علي صناع القرار في الغرب أن يغيروا من سياستهم نحو الحركة لكن المحللين الغربيين فشلوا في ملاحظته. وفي الشهر نفسه، كتب عمرو حمزاوي الباحث بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في صحيفة ذا ناشونال مقالا يدعو الرئيس الأمريكي لإنهاء سياسة سلفه جورج بوش ووضع حد لعزل حماس، وقبلهما أصدر معهد الولاياتالمتحدة للسلام في يونيو الماضي دراسة تدعو لدمج حماس في العملية السياسية أعدها أسامة أبو ارشاد مؤسس صحيفة الميزان العربية في أمريكا وبول شام المدير التنفيذي لمعهد جيلدنهورن للدراسات الاسرائيلية بجامعة ميريلاند. تذهب فرضية بروننج التي عرضها بدورية فورين أفيرز إلي أن حماس لم تعد متمسكة بميثاقها الذي وضعته عام 1988 ويدعو لاستخدام الحل العسكري لتحرير جميع أراضي فلسطين بالقوة، بالرغم من أنها لم تعلن صراحة تبرؤها منه، بما يعني أن السياسيين الغربيين عليهم أن يقيموا حماس وفقا لسياساتها وممارساتها علي الأرض وليس علي أساس وثائق تأسيسية عفا عليها الزمن. أما مرحلة التحول الفكري التي يقول بروننج أنها تحدث داخل المقاومة الاسلامية فمردها إلي فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 وتحولها من حركة راديكالية إلي حزب يحظي بأغلبية أصوات الفلسطينيين، لتصبح وخلال وقت قصير تنادي ببراجماتية شديدة إلي بناء الدولة الفلسطينية بعيدا عن الشعارات الدينية الرنانة والدعوات لتحرير فلسطين بالقوة. هذا التغيير الايديولوجي تمثل في تخفيف حدة موقف حماس السابق فيما يتعلق بحل الدولتين وهو ما يظهر في خطابات قاداتها، وان كان الغرب قد اعتبر ذلك حديثا مزدوجا أي انه تكتيك سياسي أكثر منه تغيير حقيقي. ويوضح بروننج أن حماس تتبع سياسة الغموض الاستراتيجي للحفاظ علي شرعيتها كحركة مقاومة فلسطينية، لكنها تجمع بين نقيضين.. قبول إسرائيل علي أرض الواقع ورفض الاعتراف بشرعية إسرائيل صراحة؛ لأن الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية سيضر بصورتها في أوساط الفلسطينيين كما سيضعف من ثقلها في المفاوضات مع اسرائيل مستقبلا. ويوصي بروننج الولاياتالمتحدة وحلفاءها الأوروبيين بالتلويح بقبول حكومة فلسطينية تضم حماس لتشجيعها علي اعادة تقديم نفسها وزيادة فرص المصالحة الفلسطينية بما يفتح الباب أمام المفاوضات من دون وضع شروط مسبقة. أما مقال عمرو حمزاوي الذي حمل عنوان الولاياتالمتحدة عليها الاختيار بين صوتين لحماس فملخصه أن التركيز علي صوت المقاومة لحماس دون النظر لصوتها الدبلوماسي سيعني تجاهل الإشارات التي تحاول الحركة إرسالها والتي تعكس المنهج العملي الذي تبنته القائم علي التخلي عن فكرة الدولة الفلسطينية من النهر إلي البحر وقبول فكرة حل الدولتين.. بل ان حمزاوي ذهب بعيدا إلي حد أنه اعتبر أن استخدام حماس للعنف بات وسيلة تكتيكية أكثر منه ايديولوجية مرجحا أن ينتهي هذا النهج اذا تحقق تقدما في مسار اقامة الدولة الفلسطينية. ويدعو حمزاوي الإدارة الأمريكية لاختبار صوت حماس الدبلوماسي من خلال الدخول معها في مباحثات مباشرة غير ثنائية حول القضايا الجوهرية تكون في محفل دولي وعلني وتناقش الدور الذي يمكن لحماس أن تلعبه في عملية السلام، وذلك علي أساس أن استبعاد حماس لا يمكن أن يؤدي إلي تقدم في عملية السلام.