ستظل الأقوي بين باقي الأجناس الأدبية الدكتور محمد عبد المطلب أستاذ النقد العربي بكلية الآداب جامعة عين شمس، أحد أهم النقاد في مصر والوطن العربي، رائد الأسلوبية في العالم العربي، حصل علي العديد من الجوائز المصرية والعربية والعالمية، منها جائزة مؤسسة البابطين في النقد الأدبي عام 1990، ووسام "فارس" من فرنسا علي دوره الثقافي في النقد الأدبي عام 1999،أثري المكتبة العربية بالعديد من الكتب النقدية (28 كتابا) منها: "البلاغة والأسلوبية"، و"بلاغة السرد"، و"شوقي وحافظ في ميزان النقد"، و"شعراء السبعينيات"، و"بلاغة السرد النسوي" وصدر له حديثا كتاب "سلطة الشعر"، "روزاليوسف" التقته وكان لنا معه هذا الحوار: "سلطة الشعر" عنوان كتابك الجديد، فهل للشعر سلطة؟ - الكتاب رد علي من يقول أن الزمن أصبح زمن الرواية، فأحببت أن أقول من خلاله، أن للشعر سلطته التي لا يمكن لأي جنس أدبي آخر أن يهددها، أو يزيحه عن عرشه، وهذه السلطة تستند علي عدة ركائز هي: الأبعاد التاريخية والثقافية والاجتماعية للشعر، وقدرته علي التعبير عن حقيقة الإنسان في أي مكان وزمان، والدليل علي ذلك خلود الأعمال الشعرية التي ارتبطت بحضارة تاريخية معينة في ثقافتنا، فما زالت بردة البوصيري تعيش بيننا، ويقلدها الشعراء، وقصائد شوقي عن كبار الحوادث في وادي النيل، وعن دنشواي، التي يبقي النص الشعري الذي تناولها الأهم بين جميع ما كتب عنها في باقي الأجناس الأدبية، وكذلك كلنا لا يزال يذكر قصيدة فلسطين لمحمود حسن إسماعيل، التي غناها الموسيقار محمد عبد الوهاب وما زالت تعيش بيننا ونرددها، وسوف تظل مدونة محمود درويش هي الباقية رغم الدراسات العديدة والكتب التي كتبت عن فلسطين. هل تتفق مع الروائي السوداني الطيب صالح في قوله: كل ما كتبته لا يساوي بيتاً للمتنبي؟ - هذه شيم المبدعين المتواضعين، والطيب صالح روائي عظيم، أتفق معه إلي حد كبير، ومن يطالع شعر المتنبي اليوم سيجد لكل حادثة في عالمنا الحاضر لها ما يوازيها في شعره، ولعلك تذكر البيت الذي ينطبق علي أمتنا العربية حاليا وقال فيه: يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.. لماذا اخترت شعراء الستينيات كنماذج في كتابك؟ - لأن شعراء الستينيات هم أصحاب المكانة الأدبية الراسخة التي لا يزال عطاؤها متجددا ًحتي اليوم، فأحمد عبد المعطي حجازي من خلال قراءتي لمدونته الشعرية أطلقت عليه صفة "المسافر الأبدي" لقوله: فسافرت من عمر الصبي إلي عمر الرجال فكل العمر أسفار ولماذا حجازي تحديدًا رغم أنه متوقف عن الشعر منذ فترة طويلة؟ - توقف حجازي عن قول الشعر ليس عيباً، وعندما مات المتنبي هل نستطيع أن نقول عنه أنه توقف عن قول الشعر؟ وهذا التوقف يجبرني علي احترام حجازي، لأنه ليس عنده شيء يقدمه، وإذا كان لديه شعر يليق بمكانته ما تأخر لحظة، وهذا يزيد احترامنا له، وقد نشر في الثمانينيات قصيدة "طلل الوقت" ونشر منذ شهور قصيدة جديدة في الأهرام وعلمت أن له ديواناً جديداً في المطبعة. لماذا أطلقت علي محمد عفيفي مطر صفة "المريد"؟ - "المريد" من المصطلح الصوفي، وأري أن عفيفي مطر يبحر بشاعريته كثيراً في الوجود، وفيما وراء الوجود، ويبحث عن الكمال في المطلق ويستمد من العرفانيين كثيراً من تقنياتهم التعبيرية. لكن هناك من النقاد من يري أن عفيفي مطر لا يزال يستخدم القوالب الشعرية منذ الستينيات حتي اليوم ولم تتطور تجربته الشعرية؟ - غير صحيح، فشعر مطر يشبه البيت الذي يتكون من عدة طوابق، صحيح أن المنزل من الخارج شكله واحد، لكن لكل طابق سماته الخاصة به، فشعره عن بائعة المانجو يختلف عن شعره عن تجربة السجن، وهذا بدوره يختلف عن شعره في الأم وهكذا. أطلقت علي فاروق شوشة لقب "المتجلي" لماذا؟ - لأن هذه الصفة حاضرة في ديوانه علي المستوي المعجمي، وتجددت بالمستوي الدلالي، ورؤيته للعالم واضحة تكاد تكون كالشمس التي تتجلي علينا نهاراً، بالإضافة إلي خصوصية شعرية أخري وهي أنه إذا لم يرض عن شيء يقفز عليه، ففي قصيدة له يتكلم عن النيل عندما يدق أبواب القاهرة، ثم ينتقل منها مباشرة إلي قصيدة بعنوان "الخدم" يقول فيها: خدم خدم خدم/ وإن تبهنسوا / طرقعوا القدم. لكن اللغة عند فاروق شوشة غاية في حد ذاتها قبل الموضوع الشعري؟ - هذا صحيح ولكن حال شوشة كحال الشاعر الجاهلي أمريء القيس عندما يقول: أزود القوافي عني زيادة / زياد غلام جريء جراد / فلما كثرت وأعيته / تخير منها شتي جياد / فأعزل مرجانها جانبا / وأخذ من درها المستجاد. ففاروق شوشة هو وريث أمريء القيس في الاعتناء باللغة والحفاظ عليها. أطلقت علي محمد إبراهيم أبو سنة صفة المغترب لماذا؟ - لأنه عاش عالماً من الاغتراب النفسي حيث رحلت والدته وعمره ست سنوات وترك قريته ونزح إلي القاهرة في مرحلة مبكرة من حياته فواجه عالما ليس مألوفاً له لكني ركزت علي ديوانه الأخير "موسيقي الأحلام" واكتشفت الأعمدة الثقافية التي أقام عليها ديوانه وهي أعمدة توغل في الصدق النفسي والصدق الثقافي كما توغل في الإحساس بالواقع حوله من جهة ثالثة حتي إنها تستوعب كل متغيرات الحاضر كما تناول المآسي التي تعرضت لها بغداد. إذا كان للشعر هذه السلطة، لماذا تحول العديد من الشعراء إلي كتابة الرواية مثل الأردني إبراهيم نصر الله وسهير المصادفة وعلاء خالد وغيرهم؟ - ليس تحولاً بقدر شعور المبدع بأن لديه شيئا يريد أن يقوله بطريقة مغايرة، لا يستوعبها الشعر، من وجهة نظره، وقد سبقهم إلي ذلك أحمد شوقي الذي كتب الشعر والرواية، والعقاد الذي كتب الشعر والنقد والرواية، ومارس الترجمة والعمل الصحفي. كيف تري الصراع بين شعراء القصيدة العمودية والتفعيلة والنثر؟ - هذه طبيعة الحياة وهذا الصراع دلالة علي حيوية الزمن، فالزمن الذي يخلو من الصراع زمن ميت وراكد، ومسيرة الشعرية العربية منذ ظهورها حتي اليوم تعيش في هذا الصراع، فهناك بعض النقاد كانوا يرون أن الشعر الجاهلي هو المثل الأعلي في الفصاحة والبيان والطاقة الشعرية، وما جاء بعده لا يساوي شيئا، ولكن جاء العصر الأموي فظهر الصراع بين جرير والفرزدق والنقائض الشهيرة بينهما، وفي العصر العباسي ظهر الصراع بين أبي تمام والبحتري، وفي العصر الأندلسي ظهرت ثورة علي الوزن الشعري التقليدي فيما يسمي بالموشحات وفي العصر الحديث رأينا الصراع بين العقاد وشوقي ثم الصراع بين شعراء التفعيلة والشعر العمودي ثم الصراع بين النثر والتفعيلة. لكن رغم هذا الصراع فإن رجل الشارع العادي لا يعرف سوي شوقي والمتنبي وابن الفارض؟ - أن الشخص العادي لا يعرف أحداً من الشعراء لأن الشعر فن اللغة ومن لا يجيد اللغة لن يتذوق الشعر، ولن يرضي عنه ولن يقبل عليه، ونحن في زمن تهان فيه لغتنا وتحطم تحطيما، ومن ثم فكل الفنون اللغوية ستنال نصيبها من الظلم الواقع علي اللغة. هل النشر الإلكتروني يخدم الشعر أم يضره؟ - النشر الإلكتروني عموما ساعد علي تزييف الفن الأدبي، وكل من هو مغرم بالترويج والدعابة أنشئ له موقع، وأعرف إحدي الشاعرات التي تكتب قصيدة النثر ولها موقع، لا يستطيع المتنبي نفسه أن يحتل هذا الموقع. الناقد الجزائري عبد الملك مرتاض قال لدينا نقاد وليس لدينا نقد هل توافق؟ - مع احترامي للدكتور مرتاض فإني أختلف معه كثيراً، فالنقد العربي مر بمرحلتين الأولي نقل المنجزات النقدية الغربية، وقد قام بهذا الجهد النقاد المغاربة، والمرحلة الثانية هي مرحلة إنتاج النقد العربي، ولا نستطيع أن نلغي جهود نقاد مثل جابر عصفور وصلاح فضل وعبد السلام المسدي وكمال أبو ديب وعبد الملك مرتاض نفسه وعبد القادر القط وحمادي صمود وغيرهم.