تعد الدولة المصرية، فى مقدمة الدول التى تعاطت وتفاعلت مع الأزمة السودانية منذ اشتعالها، وجاء التقدير المصرى لتطورات الأوضاع المعقدة داخليًا، ليضع مجموعة من المحددات والنقاط المهمة للحل فى السودان، أهمها الحفاظ على وحدة الأراضى السودانية، وعدم التدخل الأجنبي فى الشأن السوداني، وضرورة أن يكون الحل سياسيًا وليس عسكريًا مع دعم المؤسسات الوطنية بالسودان. وتبنت الدولة المصرية منذ البداية مسارًا للتحرك، قائمًا على التنسيق والتعاون مع دول جوار السودان، ذلك أن تلك الدول لديها ارتباط وثيق بالداخل السوداني، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية سامح شكرى خلال جولته لدول جوار السودانى، دولتى تشاد وجنوب السودان، مايو الماضى بأن «مصر لديها القدرة على التأثير الإيجابى» فى الأزمة السودانية، فى ظل التدخلات الخارجية الأخرى فى الأزمة بالسودان، وفى ظل حالة الغموض التى تحيط بمصير ومآلات وسيناريوهات الأزمة الصعبة. من هذا المنطلق، نستطيع أنَّ ننظر إلى مؤتمر قمة دول الجوار الذى استضافته القاهرة، الخميس 13 يوليو، كمحطة نوعية فى مسار الجهود الدولية والإقليمية فى التعاطى مع الأزمة السودانية، ذلك أنَّ دول الجوار السبع للسودان، وهى مصر وليبيا وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا وإفريقيا الوسطى، الأشد تأثرًا بالأزمة السودانية، وكما وصفها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته بمؤتمر القمة هى «الأكثر فهمًا ودراية بتعقيدات الأزمة»، وبالتالى كان الهدف من دعوة مصر لقمة دول الجوار هو توحيد رؤية هذه الدول ومواقفها تجاه الأزمة، واتخاذ قرارات متناسقة وموحدة تسهم فى حل الأزمة. وبالنظر لجدوى وتأثير التحركات الدولية والإقليمية فى الأزمة السودانية، على مدى 3 أشهر منذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش السودانى وعناصر الدعم السريع فى منتصف أبريل الماضى، نجد أنها لم تفلح فى وقف الصدام المسلح ووقف الحرب بشكل شامل ومستدام حتى الآن، باستثناء جهود المبادرة السعودية الأمريكية فى الوصول لاتفاق هدنة قصيرة. وجاءت مخرجات مؤتمر دول جوار السودان، للتطابق مع الرؤية المصرية فى التعاطى مع الأزمة السودانية منذ بدايتها، ذلك أن البيان الختامى لقمة القاهرة تضمن ثمانى نقاط وافق عليها المشاركون فى المؤتمر، وأكدت هذه النقاط على أربعة مبادئ أساسية للحل فى السودان، وهي: - البعد الأول، يتعلق بضرورة وقف إطلاق النار بشكل شامل ومستدام لإنهاء الحرب وحقن دماء الأشقاء فى السودان، وضمانًا لتنفيذ هذه التوصية، توافقت دول الجوار على تشكيل آلية وزارية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، تعقد اجتماعها الأول فى جمهورية تشاد، تتولى وضع خطة عمل تنفيذية لوقف الاقتتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية، على أن يكون الحل سياسيًا بإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يمهد لعملية سياسية شاملة. - البعد الثانى، يرتبط بسبل الحفاظ على الدولة السودانية ووحدة أراضيها، فضلًا عن الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية الوطنية ومنع تفككها أو تشرذمها وانتشار عوامل الفوضى بما فى ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة فى محيطها. - البعد الثالث، يتعلق بالتصدى لأى تدخلات خارجية فى الشأن السودانى، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأنًا داخليًا، والتشديد على أهمية عدم تدخل أى أطراف خارجية فى الأزمة بما يعيق جهود احتوائها ويطيل من أمدها. - البعد الرابع، يتعلق بالجانب الإنسانى والإغاثى، خصوصًا أن فاتورة الحرب تتضاعف يومًا بعد يوم، فهناك أكثر من 2800 قتيل حتى الآن، ونحو 3 ملايين نازح فى السودان بينهم 600 ألف سودانى هربوا كلاجئين لدول الجوار، استقبلت مصر منهم أكثر من ربع مليون سودانى إلى جانب 5 ملايين سودانى مقيم بالفعل فى مصر، ومن هنا كان تأكيد المؤتمر على ضرورة التعاطى مع الآثار الإنسانية للأزمة والعمل على تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية للمناطق الأكثر احتياجًا. وتفاعلًا مع مخرجات تلك القمة، «روزاليوسف» استطلعت آراء بعض من ممثلى النخبة السياسية السودانية، حول نتائج مؤتمر القاهرة، وكيف يختلف عن باقى الجهود والمبادرات الدولية للتعاطى مع الأزمة السودانية.
«السفير على يوسف» الدبلوماسى السودانى : «قمة القاهرة» جاءت فى الوقت المناسب للحفاظ على سيادة السودان ووحدة أراضيه
اعتبر الدبلوماسى السودانى، السفير على يوسف، الأمين العام لرابطة جمعيات الصداقة العربية- الصينية، أن مؤتمر قمة دول الجوار الذى عقد فى القاهرة، إحدى المبادرات الناجحة التى تفاعلت مع الأزمة السودانية، منذ بداية الاشتباكات المسلحة. واستشهد الدبلوماسى السودانى، فى تصريحات خاصة ل «روزاليوسف»، على مكاسب القمة من خلال عدة شواهد. الشاهد الأول، كان الحضور الرفيع لجميع رؤساء دول جوار السودان فى القمة، بمن فيهم رئيس وزراء إثيوبيا آبى أحمد الذى كان مشاركًا فى قمة الرباعية الدولية «الإيجاد» بأديس أبابا، قبل المؤتمر بأيام، وكانت له تصريحات معادية للسلطة الحالية فى السودان، إلى جانب رؤساء دول تواجه مشكلات داخلية مثل إفريقيا الوسطى وتشاد وإريتريا. وأضاف إن حضور رؤساء هذه الدول، إنما يعكس التقدير للدولة المصرية، ومدى الحرص والاهتمام بالقضية السودانية، مشيرًا إلى أهمية بعد دول الجوار، ذلك أن هذه الدول هى الأدرى بأبعاد الأزمة السودانية، ومن ثم تعد القمة حدثًا تاريخيًا لأنها أول تجمع لقادة دول جوار السودان بهذا الشكل، وهو ما يعكس حجم التقدير والتأثير المصري، ومدى الفهم الدقيق لما يجرى فى السودان نظرًا لتأثيره المباشر على دول الجوار. الشاهد الثانى الذى أشار إليه السفير على يوسف، كان فى توقيت انعقاد تلك القمة، فهى جاءت فى الوقت المناسب، ذلك أنها جاءت بعد اجتماع منظمة الإيجاد فى أديس أبابا، والتى كانت فيها حالة من العداء للدولة السودانية، ودعوات بها انتهاك صارخ لسيادة السودان، منها دعوة لحظر جوى فى السودان ونزع سلاح الجيش السوداني، ومن ثم تعد قمة القاهرة ردًا على مثل هذه الدعوات، لتؤكد أهمية سيادة الدولة السودانية، وعدم التدخل الخارجى فى الشأن السوداني، ووحدة واستقلال أراضيه. وحول أهم ما خرجت به قمة القاهرة، أشار السفير على يوسف، ما أكدت عليه القمة على سيادة السودان ووحدة أراضيه واحترام الحكومة والسلطة القائمة فى البلاد، كما أنها أنشأت آلية للمتابعة من وزراء خارجية دول الجوار، تعقد اجتماعاتها المقبلة فى تشاد، وهذا جانب عملى وتنفيذى تم النص عليه لتنفيذ مخرجات القمة.
«أمجد فريد الطيب» السياسى السودانى: الاهتمام بملف المساعدات الإنسانية والإغاثية من أهم مكاسب قمة «القاهرة»
اعتبر السياسى السودانى الدكتور أمجد فريد الطيب، مستشار رئيس الحكومة السودانية السابق، أن قمة دول الجوار التى انعقدت بالقاهرة، كانت لها مخرجات إيجابية بالغة. وأضاف فى تصريحات خاصة: «ننتظر من دول الجوار، المعنية والمتأثرة بشكل مباشر بالحرب فى السودان، تحويل مخرجات بيانها الختامى إلى أفعال لها انعكاس مباشر على أرض الواقع يخفف من آثار الحرب ويفتح الطريق لإيقافها بشكل كامل. وأشار السياسى السودانى إلى أنه «من الإيجابى جدًا فى البيان الختامى إعلاء أهمية ملف المساعدات الإنسانية، حيث فشل المجتمع الدولى ووكالات الإغاثة الأممية حتى الآن فى بدء عملية إغاثة إنسانية فاعلة فى السودان على مدى ثلاثة أشهر منذ اندلاع الحرب. وقال: «أتمنى أن تنجح الآلية الوزارية لدول الجوار بشكل عاجل فى وضع مشروع عملى أمام المجتمع الدولى ووكالات الإغاثة لبدء جهود إغاثة انسانية بشكل فاعل، خصوصًا فيما يتعلق بالأمن الغذائى وتفادى خطر المجاعة، ومكافحة الأوبئة الموسمية التى حان موعد انتشارها السنوى، بالإضافة إلى حماية المدنيين فى مناطق القتال عبر الضغط على المتقاتلين للتوصل لوقف إطلاق نار دائم، لنطالب بمناطق آمنة وممرات آمنة للمدنيين الآن وبأسرع ما يمكن.
«جمال عنقرة» المتحدث باسم المبادرة الوطنية السودانية: مؤتمر «جوار السودان» أكد على الحل السياسى الشامل والجامع.. وجميع التيارات رحبت بنتائجه
اعتبر الكاتب الصحفى السودانى جمال عنقرة، المتحدث باسم المبادرة الوطنية لحل الأزمة السودانية، أن فكرة انعقاد مؤتمر قادة دول جوار السودان فى القاهرة، واحدة من المميزات التى اكتسبتها تلك القمة، بحكم علاقة القربى بين مصر والسودان، وهى الأقرب للسودانيين والتى تحظى بأكبر تواجد للجالية السودانية، فضلا عن أن مصر من أكثر الدول تأثيرا وتأثرا بما يجرى على الساحة السودانية، ومن ثم فإن الموقف المصرى مبنى على رؤية واضحة، تضع فى الحسبان أن أى ضرر بالسودان يضر بمصر خصوصًا على الصعيد الأمنى. وحول المكاسب التى حققتها قمة القاهرة، عن باقى المبادرات الدولية الأخرى، قال عنقرة فى تصريحات خاصة، إن مصر استطاعت أن تستوعب جميع المبادرات والجهود الدولية والإقليمية السابقة، سواء التى جاءت من الإيجاد أو الاتحاد الإفريقى أو من السعودية وأمريكا، حيث تم تلافى سلبيات تلك المبادرات وتعزيز إيجابياتها، وهذا ما ظهر تأثيره الإيجابى فى البيان الختامى لقمة القاهرة لدول جوار السودان. وأضاف إن مصر وضعت أجندة للقمة، بناء على الأسس والمبادئ التى صاغتها الدولة المصرية منذ بداية الأزمة لحل المسألة السودانية، وأولى هذه النقاط، كانت مصر سابقة عن غيرها منذ اليوم الأول للحرب، للتأكيد أن ما يحدث فى السودان ما هو إلا مسألة سودانية وشأن سودانى خاص، ويجب ألا يكون هناك تدخل أجنبي فى الشأن السوداني، وهذا هو الأساس الذى عبر عن الموقف المصرى من خلال الجامعة العربية، للتأكيد أن الكلمة السودانية هى العليا فى هذه الأزمة. وحول مسار دول جوار السودان، أشار جمال عنقرة إلى أن دول الجوار لا تستطيع أى جهة أخرى أن تزايد عليها، لأن هذه الدول متأثرة بالحرب والأزمة، والأكثر تفاعلًا مع النخبة السودانية، ومصر من أكثر الدول المعنية بالأزمة، مشيرًا إلى أن التوصيات جاءت موضوعية، وكانت أولى هذه التوصيات وأهمها العمل على وقف الحرب بشكل مستدام وهو ما تفاعلت معه السلطة السودانية الحالية وأعلنت استعدادها لذلك، بشرط أن تقوم قوات الدعم السريع بالخروج من أماكن تجمع المدنيين والمناطق السكنية ومن المستشفيات، وبعدها سيتم وقف الحرب. الأساس الآخر الذى أكدت عليه الدولة المصرية، هو الحوار السياسى الشامل، الذى يجمع كل الطوائف السودانية، مشيرًا إلى أن هذا ما يجعل المبادرة المصرية مختلفة عن غيرها، ذلك أن المبادرات الأخرى اعتمدت على مجموعات معينة، لكن مبادرة القاهرة أكدت أن يكون الحال شاملًا وجامعًا لكل أطياف وممثلى المجتمع السوداني، وأن تكون هناك فترة انتقالية للترتيب للانتخابات المقبلة، مشيرًا إلى كل بيانات القوى والتيارات السياسية والاجتماعية فى السودان أعلنت دعمها وتأييدها لمخرجات قمة القاهرة. وفى نفس الوقت، أشار جمال عنقرة إلى ضرورة التعجيل بتنفيذ مخرجات قمة دول الجوار، وخصوصًا بدء اجتماعات الآلية الوزارية التى تجمع وزراء الخارجية لبحث البدء فى تنفيذ مخرجات القمة، مشيرًا إلى أن أى حراك آخر خارج آلية دول الجوار سيكون خصمًا من حل المسألة السودانية. أمجد_فريد السفير_علي_يوسف جمال_عنقرة